حوار مع الطبيب النفسي مصطفى النحاس عن الاضطرابات والأمراض النفسية في مصر

الثلاثاء ٢٤ ديسمبر ٢٠١٩             ــ أجرت الحوار: دينا المهدي

79919698_608462153233561_5159794501903974400_n
د. مصطفي النحاس

لقد تغيرت نظرة الفرد للأمراض النفسية بوجه عام إلى الأفضل.. فمع كل الضغوط المعيشية والأسرية التي يتعرض لها الأفراد، يُثار تساؤل عن دور الطب النفسي؛ باعتباره حلًّا للأزمات الناتجة عن تلك الضغوط، بعيدًا عن اعتباره وصمة اجتماعية سابقًا، وفضلًا عن أهميته الكبيرة كأحد الأسلحة المهمة في مكافحة الإرهاب والتحرش والتمييز ضد المرأة والتنمر والاغتصاب… إلخ.

أصبح العلاج النفسي أمرًا مهمًّا يحتاج إليه الأفراد في كل شرائح المجتمع ومجالاته، وذلك من أجل علاج بعض المشكلات النفسية، والرقي بمستويات الصحة النفسية إلى الأفضل. الأمر الذي يعود بالنفع على الجميع، ويرقى الأفراد والمجتمعات في التعامل مع مشكلاته ومع الآخرين، فيحققون النجاح المطلوب في شتى المجالات. وتبرز أهمية العلاج النفسي في كثرة الحالات النفسية من القلق والاكتئاب والخوف؛ نتيجة التغيرات والمستجدات الحاصلة على الصعيدَين المحلي والخارجي.

برنامج «سيدات مصر» – من خلال حوارات ومقالات لخبراء الطب النفسي – يلقي الضوء على مجموعة من القضايا المتعلقة بالمرأة؛ مثل آخر تطورات العلاج النفسي في مصر، والأسباب التي جعلت المرأة أكثر عرضة للأمراض النفسية، وكذلك الأرقام المتعلقة بالأمراض النفسية في حياة المصريين.

ويسرنا في هذا الحوار أن يكون ضيفنا الطبيب النفسي مصطفى النحاس؛ أخصائي الطب النفسي وعلاج الإدمان في مستشفى المعمورة بالإسكندرية؛ حتى نقف معه على بعض الأمور في مجال الصحة النفسية. وجدير بالذكر أن الدكتور مصطفى النحاس حصل على ماجستير أمراض المخ والأعصاب والطب النفسي بجامعة الإسكندرية. كما أنه مدير مركز سبيل للطب النفسي وعلاج الإدمان بالإسكندرية. أطلق الدكتور مصطفى النحاس العديد من الفيديوهات التوعوية عبر قناته على اليوتيوب وصفحته على الفيسبوك التي تهدف إلى تبسيط المصطلحات النفسية وكيفية علاج الإدمان والاكتئاب. ولاقت هذه الفيديوهات استحسان الملايين من المتابعين، ونجحت في تغيير نظرة العالم العربي إلى الأمراض النفسية واعتبارها مشكلات نفسية قابلة للعلاج وليست مسًّا شيطانيًّا أو عدم إيمان أو ضعف إرادة أو وصمة عار.

image_750x422_5d78d7ecc57cb.jpg

سيدات مصر: بدايةً؛ هل يمكن أن تحدثنا عن نفسك، وطبيعة عملك؟

د. مصطفي النحاس: أنا مصطفي محمد النحاس؛ أخصائي الطب النفسي وعلاج الإدمان، حاصل على ماجستير من جامعة الإسكندرية، وأعمل في المجال منذ ست عشرة سنة؛ وحاليًّا مدير مركز سبيل للطب النفسي وعلاج الإدمان؛ ولي برنامج تليفزيوني أسبوعيًّا، كما قُمت بعمل دورات تدريبية ومحاضرات، وأحب المناقشات العامة والتواصل مع الناس، وشغوف جدًّا في محاولة مساعدتهم في الوصول بحياتهم إلى الأفضل.

س م: متى ينبغي على المرء أن يلجأ للطبيب النفسي؟

م ن: يلجأ المرء للطبيب النفسي في حالة وجود اضطراب في حالته المزاجية لفترة أطول من أسبوعين. كمثال؛ حالة التوتر أو الضيق أو القلق التي يحتاج فيها المساعدة، أو أن تظهر عليه اضطرابات سلوكية غير معتادة لفترة طويلة، أو عند شكوى المحيطين به من تصرفه تصرفات غير مناسبة أو غير معتادة، أو إذا لجأ إلى الاعتماد على مخدر ما، كذلك في حالة عدم قدرته على أداء وظائفه اليومية، أو التواصل الاجتماعي مع الآخرين بشكل ملحوظ.

س م: هل تعتقد أن نسبة حالات الاضطرابات والأمراض النفسية في ازدياد؟ ولماذا؟

م ن: نعم؛ وذلك نتيجة للضغوط الاجتماعية الشديدة التي يتعرض لها الإنسان، وكذلك إصدار الأحكام والوصمة التي نمارسها ضد بعض. وكذلك لوم الشخص لنفسه طوال الوقت، أو مطالبة نفسه بالمثالية وغيره أيضًا، أو أن يركز مع أخطاء الآخرين وينسى أخطاءه. مما يسبب ضغطًا شديدًا علىَّ وعلى المحيطين، وهذا ما يزيد المشكلات. كما أن المقارنات من أهم الأسباب التي تزيد الاضطرابات النفسية. وقد أصبح للسوشيال ميديا دور كبير في قضية المقارنة هذه، فقد نظل طوال الوقت نقارن أنفسنا بالآخرين عندما نرى صورهم، فنتخيل حياتهم بشكل معين مقارنةً بحياتنا مما يصيبنا بالإحباط.

س م: هل تعاني مصر من ضعف الإمكانيات في الطب النفسي مقارنةً بالخارج؟ وما آخر تطورات العلاج النفسي في مصر؟

م ن: حقيقة لقد خضع مجال الطب النفسي في السنوات الأخيرة لتطور كبير؛ وذلك من حيث التدريب العملي والوعي المجتمعي، فأصبح الناس يتعاملون مع الطب النفسي بوعي ودون إحساس بالوصمة كما كان سابقًا، فقد بدا ذهاب الناس للطبيب النفسي أمرًا عاديًّا؛ مثال على ذلك المستشفيات الحكومية؛ فقد يلجأ الحرفيون والبسطاء إلى الكشف عند الطبيب النفسي في يوم العطلة الأسبوعية، كذلك تحسنت برامج تدريب الأطباء النفسيين الشباب ومستواهم العملي، فأتيحت لهم دورات تدريبية في كل أنحاء العالم. وأصبح لدى الناس وعي تام بأن العلاج النفسي ليس مجرد عقار أو علاج دوائي فقط، وهذا ما يساعد في علاجهم سريعًا.

irq_345338858_1554974444

س م: ما أسباب انتشار الاكتئاب وظاهرة الانتحار بين الشباب؟

م ن: من أهم أسباب انتشار الاكتئاب هو طريقتنا في التعامل مع مشاعرنا؛ وفكرة الكبت المستمر للمشاعر، فعادةً ما يخجل الإنسان من إظهار شعوره بالحزن أو القلق أو التوتر، وهذا يؤدي إلى تفاقم هذه المشاعر السلبية. يجب أن نتقبل الحزن ولا نفسره ابتعادًا عن الله أو ضعف إيمان أو هشاشة روحية. فالحزن مشاعر طبيعية نحتاج أن نتقبلها حتى نتخطاها. إن ما يجعلنا نتخطى حزننا بشكل أسرع وصحي هو تقبلنا هذه المشاعر وتعبيرنا عنها.

للانتحار جانب مُعدٍ من خلال سلوكيات انتحارية يتعلمها الشباب من بعضهم، ومن خلال بعض الألعاب التي يمارسونها، أو يشاهدونها، أو من خلال السوشيال ميديا، وهناك كذلك جزء مرضي. وفي الحالتين نحتاج لعلاج وتدخل سريع؛ لأنها حالات طارئة ولا مجال فيها للتأجيل.

س م: لا يوجد في مصر إحصائيات رسمية عن نسبة المرضى النفسيين، كم في اعتقادك تبلغ هذه النسبة؟ لماذا لا يزال المجتمع المصري يرفض الاعتراف بالمرض النفسي، ويراه وصمة عار؟

م ن: هناك نسبة غير قليلة قد تصل إلى عشرين بالمائة يعانون من مرض ذهني أو مرض عقلي، وهذه نسبة جزافية ليست مبنية على دراسات، وهناك جزء كبير جدًّا من الأمراض العصبية (التوتر، القلق، الاكتئاب، الوسواس القهري) منتشرة جدًّا، وقد تصل نسبتها إلى خمسين بالمائة أو تزيد، وهذا من خلال تعاملي مع المرضى في عيادتي.

أما بالنسبة للمجتمع المصري من حيث رفضه الاعتراف بالمرض النفسي وأنه يراه وصمة عار، فإننا للأسف لا زال لدينا اعتقاد صورة ذهنية معينة خاطئة تُنقل للناس من خلال الدراما، وما زلنا نتعامل مع المرض النفسي على أنه أقل أهمية من المرض العضوي، وأنه لا علاج له، وأن الدواء النفسي مضر، وهكذا.

س م: ما مدى العلاقة بين الأمراض العضوية والأمراض النفسية؟

م ن: هناك علاقة وثيقة جدًّا بين المرض العضوي والمرض النفسي، فقد تقل مناعة الجسم جدًّا عند الإصابة بمرض عضوي مع حالة نفسية سيئة، كذلك قد تزيد الأمراض العضوية بتزايد المرض النفسي، وكذلك جزء كبير جدًّا من الأمراض النفس جسمانية تنشأ من المرض النفسي فتسبب أعراضًا جسدية كأنها مرض وهي في الحقيقة ليست مرضًا؛ مثل القولون العصبي وآلام الظهر والرقبة، فقد يلجأ الشخص إلى الطبيب ويجري الفحوصات والتحاليل، وفي النهاية يكتشف أنه مرض نفسي.

س م: ما أكثر شرائح المجتمع التي تتعرض لحالات الاضطرابات النفسية وتقومون بإرشادها وتوجيهها، هل فئة الشباب أو الكبار، رجال أو نساء؟ وما نصيحتكم لهم بالتحديد؟

م ن: قد يصاب الجميع بالأمراض النفسية، ولكن السيدات هن الأكثر لجوءً للعلاج؛ ذلك أن السيدات دائمًا يبحثن عن التطور بشكل أفضل وأكثر تعبيرًا عن أنفسهن ولديهن استعداد لمواجهة المشكلات بشكل مختلف، لهذا فهن يلجأن إلى العلاج النفسي أكثر من الرجال. لذلك ننصحهن دائمًا بمحاولة التعبير عما يدور في خلجات أنفسهن، وأن يبحثن عن المساعدة، وألا يستنكرن فكرة المعالج النفسي.

1-un-reputat-psihiatru-botosanean-despre-cazul-familiilor-bodnariu-si-nan-lasate-fara-copii-in-norvegia

س م: هل بالفعل الاضطرابات والأمراض النفسية للسيدات في مصر في ازدياد؟ إذا كانت الإجابة بنعم، في نظرك ما سبب انتشارها؟ (هل يرجع سبب انتشارها إلى ازدياد نسب الطلاق والتحرش والاغتصاب والتنمر والتمييز بين الجنسيين أو أسباب أخرى؟)

م ن: نعم؛ الاضطرابات والأمراض النفسية للسيدات في مصر في ازدياد، وهذا مرتبط بالسؤال السابق؛ ذلك نتيجةً للضغوط المجتمعية الشديدة التي يتعرضن لها من تمييز وتحرش، ويرجع ذلك إلى أن مجتمعنا يضغط على المرأة بشكل كبير ويطالبها بواجبات أكثر بكثير من طاقتها وإمكانياتها، فمطلوب منها أن تقوم بمهام ووظائف الرجل، أي تعمل طوال الوقت وتبذل مجهودًا أكبر من طاقتها بدون أن تأخذ حقها المشروع في أن تعيش كإنسانة متساوية مع الرجل.

س م: في نظركم ما الصفات التي يتصف بها الطبيب النفسي؟

م ن: عظيم هذا السؤال، يختلف الطبيب النفسي عن باقي تخصصات الطب الأخرى، فالطبيب النفسي يجب أن يتحلى بفن الاستماع الجيد، وسعة الصدر وأن يكون لديه تقبل واسع للأمور، وألا يحكم على الآخرين من خلال تصرفاتهم. ويقبل القيم المختلفة للآخرين؛ بحيث لا يفرض مبادئه الشخصية وأفكاره على الآخرين، لا يكون قاضيًّا أو جلادًا، إنه شخص يقيِّم الأمور بحسب المعطيات التي تُحكى له وليس حسب رؤيته للأمور. فدوره لا يكون دورَ أب أو أخ، إنما دوره أن يكون معالجًا؛ ليتمكن من مساعدة الطرف الآخر.

س م: مع انتشار ظاهرة اللايف كوتشينج، ما الفرق بين الطبيب النفسي واللايف كوتش؟ وهل بإمكان اللايف كوتش أن يحل محل الطبيب النفسي؟ ولماذا؟

م ن: إن ما يؤخذ على ظاهرة اللايف كوتش أو ما يعيبها؛ عدم خضوعها لدراسة علمية واضحة ممنهجة لتخريج لايف كوتش، فأغلب عمل اللايف كوتش قائم على فكرة تجربة فردية مر بها وتطور فيها تطورًا شخصيًّا، فكوَّن من خلالها بعض المعلومات. لكن للأسف الشديد هذه المعلومات لا تؤهله أن يفرق بين الأمراض المختلفة، أو الاضطرابات المختلفة. وفي أوقات كثيرة يكون تدخل اللايف كوتش مؤذيًا للعملاء؛ لأنه غير قادر على التشخيص أو فهم المشكلة، وأحيانًا قد يسبب لهم ضغطًا بأفكار غير ملائمة لهم.

اللايف كوتش فكرة ظريفة عندما تساعد الإنسان في عمله أو تكسبه معلومات علمية، لكنها لا تصلح للعلاج أو لتحل محل الطبيب النفسي.

س م: هل هناك أنشطة وكتب تنصح بها في هذا المجال من أجل الاستفادة؟

م ن: أهم نصيحة للناس في هذا المجال، هي أن الإنسان دائمًا يجب أن يمتلك هواية يحبها ويستمتع بها؛ كي يكتشف نفسه من خلالها. فالهوايات أمر مهم جدًّا قد ينساه الإنسان، كذلك هناك كتب للدكتور محمد طه – ثلاثة كتب – وقريبًا كتاب لي بإذن الله، كذلك كتب الدكتور عادل صادق مفيدة جدًّا في هذا المجال.

س م: ما رأيك في فكرة إجراء اختبارات نفسية للمقبلين على الزواج قبل عقد القران، وكبار المسئولين قبل تولي مناصبهم؟

م ن: الحقيقة فكرة رائعة ومفيدة جدًّا، وتقينا شر خلافات مستقبلية كثيرة. وكذلك يجب أن تتوفر دورات أو شكل تقييمي أو تعليمي للمقبلين على الزواج مما يفيدهم في تطوير حياتهم. ونتمنى أن يُعمَّم ذلك على المقبلين على أي شيء جديد (زواج – مشروع)؛ وذلك لتعلم مهارات مفيدة.

س م: هل من نصيحة توجهها للفتيات والسيدات في مصر في نهاية هذا الحوار ليحافظن على صحتهن النفسية، وليعشن حياة نفسية أفضل؟

م ن: الحقيقة أتمنى لكل فتيات وسيدات مصر أن ينعمن بحياة حقيقية، وأن يأخذن مساحتهن في الحياة، ويعشن بالشكل المناسب لهن، لا بالشكل الذي اضطررن له، حتى يشعرن بالتوازن النفسي. أنتِ لستِ موجودة لإسعاد الآخرين، أنتِ موجودة في المقام الأول لكي ترتاحي، وأي علاقة في حياتك من أجل إشباعك وإسعادك وإمتاعك، عليكِ أن تعيشي حياتك أنتِ، وفي حالة أي علاقة تمثل حملًا عليكِ أو تستنفذ طاقتك فلا تستمري فيها، واعلمي جيدًا أنكِ عندما تكونين بصحة نفسية جيدة، فإنك سوف تستطيعين أن تحافظي على كل مَن حولكِ وتعيشي بشكل مستقل وأفضل.

للتواصل مع الدكتور مصطفى النحاس، يمكنكم زيارة موقعه الإلكتروني أو من خلال صفحته عليفيس بوك

لمشاهدة الفيديوهات التوعوية علي قناة يوتيوبإضغط هنا

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

أضف تعليق