الفوقية: كيف نقضي علي الاعتقاد بأن الرجل يفوق المرأة؟

الأحد ٨ مارس ٢٠٢٠            ــ كتبت : رشا سنبل

1-arabian-nights-harem-granger
Arabian Nights: Harem. /Na Sultan In His Harem. Drawing By Henry J. Ford – 1898
53572971_2180797705347998_2171682593257291776_n
رشا سنبل 

هل ما يصلنا من أفكار يؤثر على ما نشعر به، وما نفعله؟ الحقيقة أنه توجد كثير من المُسلمات فهمناها وشكلت إدراكنا، وحددت مسلكنا في الحياة، نتعامل بها بشكل يومي، وقلما ما نلتفت للتأكد من صحة تلك البديهيات وتأثيرها على حياتنا خاصة، لو ارتبطت بشكل عام بالدين، فكما يقول على عزت بيجوفيتش: “يعتقد بعض الناس أن انتماءهم الديني يحررهم من مسؤولية التفكير”.

تنشأ أجيال كاملة على اعتقاد أن الرجل يفوق المرأة، من حقه مفارقتها وقتما أراد، والتمتع بها كيفما شاء، وأن جسده، وكل ما يتعلق به يدعو للاحترام، بينما المرأة كائن أدنى، ضعيف، مغوي، وأنها أصل الشرور، لاحظت أن عدد لا بأس به من الناس يؤمن “أن المرأة خُلقت من ضلعٍ أعوج”، وينقسم هؤلاء إلى فريقين: الفريق الأول يدعو لوجوب التعامل مع المرأة باللين كما نعامل الأطفال حتى لا تُكسر، وبالتالي فهى كائن غير كامل الأهلية، يتم الاستهانة به، والاستخفاف بكثير من مواقفه وآرائه، وحتى بمرضه وشكواه، والفريق الثاني يقول: “اكسر لها ضلع يطلعلها اتنين” كما هو متعارف عليه من الأمثلة الشعبية، ويتسم مسلكه بالعنف في فعله وقوله وقرارته مع الإناث من حوله، فهو السيد الواجب طاعته واتباعه، ويشفع قوله بأن النساء ناقصات عقل ودين!

قرأت صفحات عدة في كتب شتى عن هذا الأمر، لكنني حين رجعت للقرآن الكريم وجدته يعرض تلك الأمر بشكل مختلف غير ما وجدت: في أول سورة النساء يقول الله عز وجل: “يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساءً، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا.” ورغم وضوح الآية الكريمة بأن الله خلقنا نحن البشر من نفس واحدة وخلق من تلك النفس زوج لها، إلا أن البعض يدخلنا في متاهات من التأويل استنادًا على أحاديث آحاد تتعارض ونص الآية، ويعتبرون أن تبعية المرأة للرجل، أي رجل، حتى لو كان غير مؤهل عقليًا أو علميًا، تبعية واجبة! لو صح كلامهم، ما بايع الرسول الكريم النساء مبايعة مستقلة عن الرجال، وما ذكر الله في كتابه الكريم في سورة النحل آية 97″ من عمل صالحًا من ذكٍر أو أنثى وهو مؤمن فلنحييه حياًة طيبًة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون” إن القرآن به عشرات الآيات التي تركز على استقلالية المرأة عن الرجل، وأنه ليس هناك لأحدهما ولاية على الآخر بأي شكل من الأشكال، فهما كائنان منفصلان لكل منهما واجباته، وحقوقه المادية والمعنوية، والعلاقة بينهما ينبغي أن يربطها الاحترام والمودة والرحمة والسكن، فلا يوجد منهما حين موته سيدفن مع الآخر، ولا سيحاسب أي منهما عوضا عن غيره يوم القيامة.

 إن الأفكار السائدة عن تحقير المرأة والاستهانة بها، تُخرج لنا سلوكيات تتعارض صراحة مع نصوص دينية، وقانونية، فيصبح من المنطقي أن يضرب الرجل زوجته، أو يرهبها ويقلل من شأنها، وأن يقطع ذكر العائلة عنق أي أنثى في عائلته لمجرد الشك في سلوكها، ويزيد من الطين بلة إيمان بعض من النساء بتلك الأفكار السلطوية والدفاع عنها، فنرى بعض النساء يؤمن أن أجسادهن نجس، وأن رغبتهن عار، فينظرن إلى أنفسهن بدونية كبيرة.

إن أفكارنا تؤثر على مشاعرنا وسلوكنا بشكل متبادل، إن ما نفكر به يؤثر على ما نشعر به ونفعله، وإن ما نشعر به يؤثر على ما نفكر فيه ونقوم بفعله، وبالتالي ما نفعله يؤثر على الطريقة التي نفكر ونشعر بها؛ إنها دائرة مغلقة من الأفكار التي تدخل إلى عقولنا فتتحكم بمشاعرنا وتؤدي إلى سلوكياتنا، ثم ترتد مرة أخرى أحدها لتلحق بالثانية.

لذا علينا تمحيص كثير من أفكارنا التي تتعارض والمنطق وروح العصر، وبدلًا من إلقائها على الدين، فلنتبين من مقصده عز وجل في كتابه الكريم، فهو خالق عادل رحيم لم يخلق جنس ليحابيه، وآخر ليعذبه، فكيف يتوافق منطق عدالة الله مع شيوع أفكار مغزولة بالظلم لجنس كامل. إننا كلما ازددنا إيمانًا ومعرفة نبحث عن أسباب إقامة العدل بين البشر، وبالتالي نبتعد عن حالة الجمود مع أفكار مسيطرة أحادية الاتجاه، وعلينا معرفة أن هيمنة الرجال قائمة على أفكار وضعها الرجل ونسب بعضها إلى الطبيعة والعلم والله وإلى مؤسسات كلها من صياغته!

** إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق