تقدير المرأة في زمن الكورونا | كتبت رشا سنبل

الخميس ٢٦ مارس ٢٠٢٠                   كتبت – رشا سنبل

Coronavirus_who_does_it_affect
MIKE REDDY FOR STAT
53572971_2180797705347998_2171682593257291776_n
رشا سنبل  

الكلام عن فيروس الكورونا تعدد وكثر من أوجه مختلفة، والعزل المنزلي أصبح حل وحيد أمام تلك العقبة الجديدة على البشرية كافة، وكلي رجاء أن يتخطى العالم ذلك المرض، كما فعل من قبل مع أوبئة أكثر فتكًا مثل الكوليرا والطاعون والإنفلونزا الأسبانية، وأن يحدث ذلك دون فقد أحبة يملؤن حياتنا عطفًا، لكن القلق يساورني على وضع الآف من النساء، لأنه يبدو لي مع تلك الأزمة أنهن سيتحملن مزيدًا من الأعباء خاصة من يقعن تحت براثن العنف المنزلي

يقصد بالعنف المنزلي محاولة شخص ما التحكم في شريك حياته وتأكيد سلطته عليه في إطار علاقة حميمة، وقد يأخذ العنف المنزلي شكل إيذاء جسدي أو نفسي أو جنسي أو مالي، وفي معظم الحالات، فإن الرجال هم الذين يرتكبونه ضد النساء، والنسبة القليلة هى العكس. رغم أن الإيذاء الجسدي يكون أوضح الصور من طرق الإيذاء، لأنه يعرض صاحبته للخطورة على حياتها، لكن لا يمكن نفي مدى فداحة الأشكال الأخرى، فالايذاء النفسي هو وسيلة لإرساء عدم التوازن في السلطة بين طرفي العلاقة، فالرجل يكون فيها دائم الانتقاد، والتقليل من شأن زوجته، ويصل الأمر للتخويف وتدمير ممتلكاتها، والتهديد بالأبناء، مما يعرض المرأة لتحمل كثير من الإهانات في سبيل أن تمر عاصفة الغضب التي أثارها الرجل، مستخدمًا آيات وأحاديث نبوية، بحتمية خدمة الزوج.

لكن مع القليل من البحث المنصف سنجد عكس ذلك، ففي البخاري عن الأسود: سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت كان يكون في مهنة أهله- تعني خدمة أهله- فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة. فالزوجة ليس من واجباتها خدمة الرجل، بل من مقومات القوامة خدمته لأهل البيت لما يتمتع الرجل به من قوة جسدية، لذا لابد من التأكيد على أن الشراكة هى الأساس في الحياة الزوجية على أصول من المودة والرحمة والسكن والمعاشرة بالمعروف، وليس من أركانها سيادة الرجل على زوجته، أو السماح له بأرهابها أو سلب مالها، أو أخذها عنوة، فذلك إهدار لكرامة إنسانية المرأة التي شرفها الخالق بها.

لكن مجتمعاتنا ترفض الإعتراف بإنسانية المرأة، بل تؤكد على إنوثتها واختلافها البيولوجي كأنه وصمة أو عاهة، بل وتصف المرأة التي يُعتمد عليها بأنها: (بميت راجل) أي أنه ينسب فعلها للرجولة، وكأن لا فخر ولا شجاعة إلا من خلال وجود رجل، ولو اتخذت المرأة مظهرًا خشنًا لوصفت (بالمسترجلة) تشبيها آخر للرجولة لكن بشكل سلبي. وحين نريد الإقلال من وضع رجل نشبهه بالأنثى، وكأن تلك نقيصة رهيبة في انسانيته! ويتقبل المجتمع أفعال غير مشروعة من الرجال، لا يمكن استساغتها من النساء، كمسلك مزدوج مبنى على دونية المرأة وأنها ليست بانسان كامل

إن هذا كله يعكس اهتزاز كبير بثقة الرجل لنفسه، وشعوره بالهلع لو انفرطت السيطرة من يده، فهو شغوف بالسلطة، ولو قابل إمرأة تتنافس معه في مركزه، يعمد لتهميشها أو الاستخفاف منها، وقلما من نجد من يعي انسانية المرأة، وينظر لاختلافها البيولوجي بشكل طبيعي، وأن لها كل الحقوق من تعليم وتربية وطموح وتملك، فالنساء في كثير من قرى الصعيد لا ترث، خاصة لو كان ذلك الميراث أرض، ويتم هدر حقوقهن القانونية بشكل كامل دون أدنى شعور بالذنب، ونرى رجال يتكلمون عن حقوقهم في تعدد الزوجات وكأن أحدهم يشتري متاعًا، ويجبر المجتمع المرأة على قبول أوضاع اجتماعية سقيمة خوفًا من الفقر بسبب الحاجة المادية أو الرعب من الوصم المجتمعي والنبذ لأنها مطلقة، كل ذلك تحت ستار الدين والعرف السائد، لأن الجميع ينظر لها على أنها أنثى لها مواصفات جسدية معينة، ولكنها ليست بانسان كامل، مخالفين رؤية القرآن الكريم في سورة الأحزاب: “إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴿٣٥﴾

إنه تفنيد يؤكد على استقلالية المرأة وإنسانيتها، التي يريد الكثير بخسها لصالح طرف واحد، وبدلًا من البحث عن أسباب للارتقاء والعدالة لكافة أفراد المجتمع، نجد دعوات تكرس للعنصرية ضد النساء، وإستخدام أنوثتهن كوصم وحكم بإنعدام أهليتها، وكما قالت سيمون دي بوفوار: “إننا لا نجد رجل يفكر في تأليف كتاب عن وضع الذكر، لأنه لا يرد في ذهنه تقديم نفسه كفرد من جنس معين، فهو رجل وحسب، والإنسانية هى الذكر والرجل، أما الأنثى فهى جنس آخر، لا” الجنس الآخر” كما يدعون، بل هى جنس آخر، فأي صفة انسانية تنطبق على الرجل وحده، أما المرأة فمكانتها في كثير من المجتمعات أنثى لا أقل ولا أكثر، فهى في درجة ثانية بعد الرجل.”

إن النظر لشراكة المرأة للرجل في الحياة، وأنها انسان كامل الأهلية بالغ عاقل له كافة الحقوق المدنية والدينية في الاختيار والحركة والعمل والسكن، يجعل التعامل معها يختلف بشكل كامل عما نراه من أمراض اجتماعية شتى في مجتمعاتنا حاليًا، ولن نجد شخص ما يتعامل مع جسدها باستهانة، أو يتجرأ النظر لها كسلعة مشتراه، أو شيئًا يملكه من حقه حبسه ومنعه والتحكم فيه، بل عند الاعتراف الكامل للمرأة بانسانيتها سنجد مجتمعًا قويًا قادرًا، يشارك كل أطرافه في بناءه بقوة وصحة، وسيكون العنف المنزلي كأحد الأساطير التي نسمع عنها لكن لا نرى لها أثرًا، وأن يصبح المنزل مكانًا للحياة وليس منعزلا جبريًا مليء بالضغائن والأمراض النفسية.

** إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني 

أضف تعليق