القديسة فيرينا المصرية؛ الفتاة التي علمت سويسرا النظافة | د. دعاء بهي الدين

الجمعة ١٧ أبريل ٢٠٢٠                    كتبت ــ  د. دعاء بهي الدين

1200px-Barmherzigkeit_der_Hl_Verena_1524
Barmherzigkeit der Hl. Verena von Zurzach
Dr. Doaa
د. دعاء بهي الدين

تحتفل سويسرا في شهر سبتمبر من كل عام بذكرى رحيل القديسة المصرية “فيرينا وتقام لها الاحتفالات الموسيقية والمعارض وتمتلك القديسة عشرات المزارات في سويسرا وألمانيا وفيينا، تنوعت ما بين كنائس وعيون مائية وهياكل وكهوف، كما انهم اتخذوا من صورتها شعارًا لمدنهم ومؤسساتهم الحيوية، والتي زينت أيضا بتماثليها ونحتت صورتها على دروعها وأختامها، وهي لها أيضا تمثال بالحجم الطبيعي في السفارة السويسرية بالقاهرة. ولا زالت تؤسَّس لها الكنائس حتى اليوم، ويعدها بعض المؤرخين أم الراهبات الأوروبيات، كما يعد اسمها من الأسماء الشعبية التي تطلق على الفتيات في ألمانيا حتي يومنا هذا.

وهنا يفرض التساؤل نفسه؛ ماذا فعلت هذه القديسة لتنال هذا القدر من المكانة والتبجيل؟

وُلِدت القديسة فيرينا في إحدى قرى محافظة قنا في النصف الثاني من القرن الثالث الميلادي، ويعني اسمها باللغة المصرية القديمة “الثمرة الطيبة”. وتمتعت بمهارة ملحوظة في التمريض ورعاية الجرحى، حيث شهد إقليم طيبة ــ مسقط رأسها ــ في ذلك الوقت تقدمًا واضحًا في مجال التطبيب بالأعشاب. التحقت بالكتيبة الطبية، وهي إحدى الفرق العسكرية التي أرسلها الإمبراطور دقلديانوس إلى أوروبا لمساعدة الإمبراطور مكسميان؛ إمبراطور الغرب لإخماد الثورة وحماية حدود الإمبراطورية الغربية. وقد تألفت تلك الكتيبة من 6600 من أفضل الجنود المصريين، على رأسهم القائد موريس. ورافق الكتيبة مجموعة من السيدات كُنَّ إما من أفراد أسر الجنود أو تم اصطحابهن بغرض التمريض ومداوة الجرحى منهم. وقد التحقت هي بالكتيبة كونها بالإضافة الي مهاراتها في مجال التمريض، فهي كانت أيضا شقيقة أحد قادة الكتيبة.

2
تمثال للقديسة فيرنا من البرونز على جسر على نهر الراين تحمل جرة ماء وفي ايديها مشط فرعوني

قُتل جميع أعضاء الكتيبة الطبية وتخليدًا لتلك الواقعة سميت المقاطعة التي شهدت تلك المجزرة فيما بعد باسم القديس موريس ــ علي اسم قائد الكتيبة المصري موريس ، وأصبحت مزارًا للزائرين من جميع أنحاء العالم حيث تذكر العديد من المصادر ان الامبراطور قد امرهم بالتبخير امام تمثال الامبراطور قبل القيام بمهمتم وعندما رفضوا الانصياع للامر نظرا لانهم كانوا يدينون بالمسيحية، قرر الامبراطور بقتلهم جميعا، حيث كان اضطهاد المسيحية قد بلغ اشده لاسيما اثناء فترة حكم الامبراطور دقلديانوس والتي عرفت هذه الفترة بعصر الشهداء، وقد عفا الإمبراطور عن الممرضات المصاحبات للكتيبة، ومن بينهن القديسة فيرينا التي توجهت إلى أحد كهوف جبال الألب هربًا من الاضطهاد الوثني، وأنفقت وقتها مع بعض العذارى في حياكة وتطريز الملابس. وأثناء إقامتها لاحظت أن الأوروبيين غير مهتمين بنظافتهم الشخصية، فقامت بتعليم الفتيات السلوك الصحي والعفة والطهارة ومباديء التمريض والعلاج بالأعشاب واستخدامها كعقاقير لأمراض كثيرة. 

Picture 3وما إن تنازل الإمبراطور دقلديانوس عن العرش عام 305م والذي كان معروفًا باضطهاده العنيف للمسيحية، وتولي الإمبراطور قسطنطين الحكم، وإصداره مرسوم التسامح أو مرسوم ميلان عام 313م الذي اعترف بالديانة المسيحية استطاعت القديسة فيرينا الخروج من كهفها والعيش بسلام، (لا يوجد تاريخ مؤكد للفترة التي قضتها هربا في الكهوف، ولكنها ربما قد وصلت الي ستة أعوام)، واستمرت في تأدية رسالتها في خدمة سكان المنطقة من خلال معرفتها وحثهم على النظافة الجسدية والروحية. وقد توافد عليها السكان من الأقطار المجاورة، وكانت قد تعلمت لغتهم مما سهَّل عليها التعامل معهم ، وجديرٌ بالذكر في هذا الإطار فإن التمثال الموجود في حديقة السفارة السويسرية بالقاهرة نُقِشَت أسفله عبارة “الفتاة التي علمت سويسرا النظافة، وعلمت فتياتها العفة والطهارة“.

Picture 5
غطاء تابوت القديسة بكنيستها بمدينة زيورخ

وقد وافتها المنية في 1سبتمبر عام  344 م عن عمر يناهز  64  عاما،   ويعد هذا اليوم عيدًا قوميًّا تحتفل فيه المؤسسات الرسمية وأفراد الشعب السويسري بالقديسة المصرية. أما الكنيسة القبطية تحتفل بعيد نياحتها في الرابع من شهر توت من تقويم الشهداء.

في عام 1986، أحضر وفد من كنيسة القديسة فيرينا بمدينة زيورخ بسويسرا جزء من رفاتها لمصر، وفي 22 فبراير 1994 قام قداسة البابا شنودة الثالث بتدشين كنيسة القديس موريس والقديسة فيرينا بمبنى أسقفية الخدمات بالأنبا رويس بالعباسية

Picture 4
تمثال للقديسة فيرينا في سويسرا

وغالبا ما صُوِّرت القديسة فيرينا بملامح مصرية وعيون واسعة وأنف دقيق وفم صغير وبشرة خمرية، ترتدي رداءً فضفاضًا، ومغطاة الرأس، وحول رأسها الهالة المقدسة، وتحمل في إحدى يديها جرة الماء، وفي اليد الأخرى المشط أو الصابون في إشارة إلى أدوات التصفيف والنظافة للدلالة على طبيعة خدمتها والعمل الذي كانت تؤديه.

Dr. Doaaدعاء بهي الدين، دكتوراه الآثار القبطية والبيزنطية، جامعة الإسكندرية، وهي باحث اول بمكتبة الإسكندرية ومحاضرة بجامعة دمنهور. د. بهي الدين عضوة في العديد من المؤسسات العلمية والثقافية، ومنها الجمعية الدولية لعلماء القبطيات والاتحاد العام للآثاريين العرب والمجلس الدولي للمتاحف.

** إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

 

أضف تعليق