الاستقلال والاستغناء | د. محمد طه يجيب عن تساؤلات حول مسلسل ليه لأ

الجمعة ١٩ فبراير ٢٠٢٠                      كتب – د. محمد طه

AHDfcEfic-1فيه فرق كبير جدًّا بين إني أكون مستقل.. وإني أكون مستغني. مهم إنك تكون مستقل.. حاسس بوجودك، وبقيمتك، وبكيانك.. بس ده مش معناه إن وجودك يبقى زي الزرعة الشيطاني، اللي طالعة في صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء.. مش معناه إنك تستغني عن وجود الآخرين في حياتك.

مهم إنك تحط لنفسك حدود.. وتحمي حدودك ضد أي أذى نفسي أو معنوي أو عاطفي أو بدني طبعًا.. لكن ده يختلف تمامًا عن إنك تعيش لوحدك في جزيرة منعزلة منفصلة تمامًا عما حولها.

أنا باشجع الاستقلال النفسي والمادي والمعنوي.. لكني أرفض تمامًا الاستغناء والإلغاء.. إلا في حالات نادرة جدًّا

الاستقلال هو إنك تحس بنفسك وبأهميتك وبنجاحك في شغلك وفي حياتك.. لكن الاستغناء هو إن ده يخليك تنسى إنك متجوز ومسؤول عن علاقتك بمراتك، فتبعد عنها، وماتهتمش بيها، وبعد شوية تخونها.

الاستقلال هو إنه من حقك يكون ليك رأي مختلف عن رأي والدك ووالدتك.. وإنك تصر على رأيك.. وتنفذه لو حبيت.. لكن الاستغناء هو إنك تعتبر وجودهم زي عدمه.. وتلغيهم من حساباتك إلى الأبد.

الاستقلال هو إنك تشتغلي، وتقبضي، وتصرفي على نفسك، ويبقى ليكي ميزانية منفصلة بيكي، ودواير خاصة في علاقاتك.. إنما الاستغناء هو إنك تبدأي تحتقري جوزك، وتستصغريه، وتقللي من شأنه.. لغاية ما علاقتكم تفتر.. وتموت.

فيه احتياجات نفسية جوانا نحو الآخرين.. احتياجات من الناس.. احتياجات من الأب والأم.. احتياجات من الزوج والزوجة، والأصحاب والجيران وزملاء العمل.. فيه حتى احتياجات من المجتمع.. ماينفعش ندفن احتياجاتنا من اللي حوالينا ونعيش في فقاعة ملساء مغلقة.. لأن الاحتياجات دي هتقب وهتطلع وهتدور على أي طريقة تعبر عن نفسها بيها.. ولو حتى سرقة.

أيوه..

المستغني يبحث بشكل واعي أو غير واعي عن بديل يسرق منه ما نقص من احتياجاته، ويقوم بتلبيسه الدور المفقود في حياته.

اللي بتستغني عن أبوها.. بتفضل تدور على أب.. في حضن أي راجل.

واللي بيستغني عن مراته.. بيعيش تحت رحمة نظرة واحدة، ولو من طفلة صغيرة.

واللي بيستغني عن البشر وعن الناس.. بيستبدلهم أحيانً ا بالقطط والكلاب والعصافير.

الاستغناء هو إلغاء تام لوجود الآخر.
إنما الاستقلال لا ينفي وجود الآخر.

الاستغناء عن حد مهم في حياتك، معناه إنك فقدت فيه الأمل. إنك رميت طوبته.. إنك أطلقت عليه الرصاصة الأخيرة القاتلة.
أما الاستقلال عنه، فمعناه إنه ما زال موجود.. فيه شد وجذب.. فيه احتمال.. فيه أمل.. فيه محاولات دؤوبة رغم كل الصعوبات.

الاستغناء.. هو حكم بالنفي.. والعزل.. والتخلي.
إنما الاستقلال هو الإبقاء على الآخر.. حتى لو كانت هناك خصومة لبعض الوقت.

الاستغناء مافيهوش علاقة..
لكن الاستقلال هو إحدى صور العلاقة.

ينفع تستقل عن أبوك وأمك.. لكن ماينفعش تستغني عنهم..
ماينفعش تفقد فيهم الأمل.. مهما كان موقفك منهم.

ينفع طبعًا تستقلي عن جوزك.. لكن في اللحظة اللي هتحسي فيها انك مستغنية عنه.. يبقى تطلقي أحسن.. بدل ما تظلميه وتظلمي نفسك وأولادك معاه، بممارسة هذا الاستغناء شكل يومي مؤلم لكل الأطراف.

ينفع تستقل عن الناس.. لكن ماينفعش تستغني عن وجود ناس في حياتك.. عن النظر في عيونهم.. عن مبادلتهم بعض الكلام والحديث.. عن الهزار والنكت والحب والكره والغضب والشكر والامتنان.

الاستغناء هو الاختيار الأخير.. والأخير فقط.. عندما تفشل كل الحلول والمحاولات.

فيه شعرة رفيعة جدًّا بين الاستقلال والاستغناء..
لكنها حادة كالسيف..
احذرها جيدًا..
لأنها..
تجرح.. من الناحيتين.

#محمد_طه
من كتاب لأ_بطعم_الفلامنكو

** إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق