أن تكون بخير| نهي اليماني

الثلاثاء  ٢٢ يونيو ٢٠٢٠                      – كتبت : نهي اليماني

flower-woman

النفس البشرية شيء جميل جداً وعبقري، معقّد جداً وبسيط جداً، شفاف جداً وغامض للغاية. النفس البشرية وقت ولادتها تكون في صورتها الكاملة، سليمة تماماً من أي رتوق أو خدوش أو تلف مما يحدث لها نتيجة التعامل مع الحياة والأشخاص والصدمات. أنت تُخلق كامل ومُتّزِن، مُحّب للحياة بطبيعة الحال، ومليء بطاقة كبيرة جداً من الحُب والخير والسلام والنور وكل الأشياء الجميلة التي يمكن إضافتها للقائمة.

أحياناً أحاول تخيّل صورة للنفس البشرية وكيف تبدو، شكلها السليم الأساسي الذي خُلِقَت به، فأتخيلها شيء نوراني شفاف ناصع النور ورقيق ومليء بالحُب. على طول طريق الحياة يتعرض هذا الكيان النوراني الرائع لرضوض وكدمات واهتراء داخلي غير مرئي، كل ما يظهر منه فقط هو الحُزن الخارجي والإنطفاء والذبول. يصاب هذا الكيان النوراني الجميل بكدمات زرقاء مثل تلك التي تصيب أجسامنا نتيجة ضربات أو خبطات. أستمع لصوت حُزن الروح الإنسانية على شكل نحيب مكتوم ومتواصل خلف أقفاصنا الصدرية. إحساس بغصّة ووجع مُشابه لنزيف داخلي سببه إصطدامات خارجية متتالية لم يتم الإعتناء بها.

إعتقادي لو كان هُناك طب شرعي للنفوس، لكان الكثير جداً من البشر خلف القضبان أو على أحبال المشانق بسبب جرائمهم المتكررة في حق نفوس الغير. النفس البشرية لكي تكون بخير لا يلزمها إلا شيئين يتعذّر دائماً الحصول عليهما رغم بساطتهما: الحُب والسلام. الحُب بكل ما يشمله من الإعتناء، والتواجد، والربت على القلب، وتقاسم حمول الهموم، والوقوف بجانب من نُحّب في وجه قسوة العالم. الحُب بما يشمله من الرحمة، والكلمة الحنيّنة، والإيمان بالشخص وإعادة ثقته وحُبه لنفسه عندما يستدعي الأمر. الحُب بتلّوين الأيام وزرع ورود محبة لا تذبل داخل من نُحِبّ والحرص على العناية بها بشكل دائم.

أما السلام، فسيأتي طبيعياً بعد توافر كل ما سبق. السلام سيأتي كنتيجة طبيعية لوجود محبّة يتسند إليها، ونتيجة لعدم وجود فرصة لإنفراد وحوش اليأس بالنفس طالما وجدت من يؤمن بها. السلام سيأتي لأن لا مكان للظلمة داخل الروح بعد نور الحُب. وبطبيعة الحال ينتفي كل ما هو نور ومحبة وسلام بانتفاء كل ما قد سبق. نحن لا نحتاج للمستحيل كي نكون بخير، نحن لا نحتاج غير سوى بعض النور والسلام والمحبة واحساسنا أننا نشكل فارقاً وأننا محبوبين وإنه ثمة أحد بجانبنا ومعنا يشدّ على روحنا وينتبه لتفاصيل روحنا. نحن فعلاً محتاجين جداً أن نكون بخير، لكن للأسف المطلوب يبدو أنه عزيز جداً بالرغم من حتمية وجودة وعدم استحالته.

** إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق