الأم ما بين مطرقة البيت وسندان العمل | أمل قطب

الاربعاء ٨ يوليو ٢٠٢٠                     – كتبت: أمل قطب

article-2324926-19CB2B32000005DC-811_308x185

الأم هي جزء من الحياة، بل هي الحياة كلها، تفعل الكثير من الأمور لإسعاد أولادها، فهي عطاء لا يُمكن وصفه ومشاعر لا يكفي للتعبير عنها مداد القلم. فالأم منبع العطف والحنان كذلك فهي المسئولة عن أطفالها في كل شيء بدءاً من تلبية طلباتهم واحتياجاتهم الأساسية؛ ليصبحوا الأشخاص الذين تفخر بهم طوال حياتها.

هي ذلك الكائن الممزق دائماً ما بين حلم تحقيق الذات وبناء المجد الشخصي وبين بناء أسرة مستقرة، ذلك الكائن الرقيق شديد الصلابة الذي يحمل هموم الدنيا بين جوانحه، ذلك الكائن ولا شك يحتاج منا كل تقدير واحترام عرفاناً بدورها العظيم في تشكيل وجدان وطن ورسم خيوط مستقبل أبنائه.

أزعم أن كل فتاة ـ ولا أميل للتعميم بالطبع ـ يدور في خلدها قبل دخول معترك الحياة شكل المستقبل بكل تحدياته، وأول تحدٍ يدور في رأسها: هل أتفرغ للبيت وأكون ربة بيت أريب الأبناء وأسهر على راحة الزوج أم أخوض غمار العمل المجتمعي؟

وعلى الجانب الآخر فلا أحد ينكر دور الأب، ولكن في معظم الأحيان يكون الأب منشغلاً من أجل كسب قوت يومه ورغبته في رفع مستوى معيشة عائلته كي لا يَحرم أحدهم شيئاً وهذا ما يُعتبر دوره الأَول تجاههم، ويتمثل دور الأب في المسئولية النفسية فيما يمد به أبناءه من احتواء نفسي ووجوده دائماً داعماً لهم في حياتهم.

vsفنجد أن من أهم التضحيات التي قد تكون مؤلمة للأم التضحية ببناء حياة عَملية ناجحة وتحقيق ذاتها وكيانها. نتيجة لذلك نجد العديد من الأمهات ينسين أنفسهن في زحام تلك الحياة المشحونة وينشغلن فقط بمسئولية البيت والأولاد ولكن مع مرور الوقت قد تشعر بعضهن بأنهن لم يفعلن شيئاً لحياتهن المهنية، وهذا ما قد يصيبهن بشيء من الإحباط وعدم الارتياح والشعور بالملل، وتبدأ التساؤلات التي تتغلب عليهن ألا وهي: لماذا لم أفعل شيئاً لنفسي؟ لماذا لم أهتم بأن أكون واحدة من الناجحات عملياً؟

تتعدد صور التضحية ما بين الأمهات، فنجد أن هناك من تُضحي بالعمل من أجل الاهتمام ورعاية أبنائها وهناك أيضاً من تُضحي برغبتها في المزيد من العلم والمعرفة وتكملة دراسة تُحبها. ومنهن من تُضحي بسعادتها وراحتها وتَرضى بظروف إجتماعية غير مناسبة فقط من أجل أولادها فهناك الكثير من يتركهن أزواجهن وفجأة تجد نفسها مُتحملة كل المسئولية وحدها وبالفعل سيدات عدة أثبتن قدرتهن على ذلك.

فهناك نوعان من النساء : الأول من تستطيع التوفيق بين العائلة وبين موهبة لديهن، فنجد بعضهن يذهبن لحفظ القرآن وبعضهن يذهبن للأعمال التطوعية وبعضهن يهتممن بتطوير موهبة معينة مثل الكروشيه والمشغولات اليدوية وأخرى تذهب لتبدأ عملاً خاصاً. وبالطبع منهن من يستسلمن لهذا الفراغ مما يجعل حياتها مملة وتصبح عُرضة للإصابة بالاكتئاب والحالات النفسية السيئة.

stay_at_home_mom_working_mom_pm-thumb-270x270

وهناك النوع الثاني من النساء وهي المرأة التي لديها الرغبة في أن يصبح لها شأن وكيان وظيفي لن تتخلى عنه أبداً .هؤلاء اللاتي لديهن الرغبة القوية في أن يصبحن ذوات مكانة إجتماعية وعملية وربما علمية وفي الوقت نفسه ليس لديها أي مانع أن تتزوج وتبني حياة عائلية ناجحة، وعليها أن تجعل الحياتين ساريتين في إيقاع متوازن. هذا النوع من النساء لديه القدرات التي يمكنه إلى حد كبير التوفيق بين هذا وذاك ؛ ألا وهو وضع نجاحها العَملي أحد اهتماماتها إن لم يكن أولها ولا يوجد أي سبب من الأسباب يجعلهن يلجأن للتخلي عن كيانهن، ويأتي بعد ذلك البيت، فنجد أن هؤلاء ينظمن حياتهن على أساس العمل وليس العكس.

لا أحد ينكر مجهود هؤلاء الأمهات اللاتي يبذلن قصارى جهدهن في التوفيق بين كيانهن وبين بيتهن وسعادة أزواجهن وأولادهن كي يسيرا في إيقاع متوازن مُرضٍ للجميع، وفي المقابل انتظارثمرة نجاح أولادها من تربية وأخلاق وتعليم وصحة جيدة. إنها حقاً معادلة صعبة وسلاح ذو حدين، فهذه الأم تتحمل ضغطا نفسياً مجتمعياً دائماً في محاولة لإرضاء الجميع وأولهم الزوج والأولاد ومن ناحية أخرى إثبات نجاحها عملياً وأيضاً اثبات لذاتها أنها كفء لهذا تماماً.

وأخيراً تأتي المرأة ( السوبر ) وهي التي توفق ـ بعد محاولات غير ناجحة كثيرة ـ بين بيتها وعملها فنجدها ناجحة هنا ومتفوقة هناك مثل لاعب سيرك ماهر يسير على حبل رفيع متوازنا بشكل مذهل يمسك في كلتا يديه ما يجعله يسير متوازنا لا يميل يمنة ولا يسرة حتى يصل إلى نهاية رحلته.

أخيراً وليس آخراً فخلاصة الأمر أن على المرأة بشكل عام القدرة على التوازن بين نفسها ومستقبلها وبين بيتها وأولادها، وبالتأكيد إذا كان على المرأة الاختيار بين بيتها أو عملها فعليها أن تحكم قلبها وعقلها جيداً لأن الخسارة في تلك الحالة فادحة.

في النهاية، لا يوجد ما يُقر بنسيان المرأة نفسها وإهمالها لذاتها وفقط عليها التضحية والإعطاء دون الأخذ طوال حياتها.

 

** إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

 

أضف تعليق