آفَة حارتنا التبرير .. عن التحرش الجنسي في مجتمعنا

الثلاثاء ١٤ يوليو ٢٠١٠                    كتبت – سلمي محمود

egyptian-women-harassed1
Photo credit : Str/AP

كونك أنثى في مجتمعنا يضعك دومًا في خانة اليك أو في وجه المدفع بمعنى أخر!، أنتِ مطالبة طوال الوقت بتبرير كامل أفعالك/ أقوالك/ مواقفك عِنوة وقهرًا، البديهية قبل تلك التي تحتمل الجدال والتأويل!، بل وسرد “ليستة” مبررات في كل مرة تقررين ممارسة حياتك بالصورة التي تفضلينها، فإما تكوني سعيدة الحظ ليصدقك من حولك ويدافعون عنك ويتقبلونك ضمن صفوفهم أو تُفتح في وجهك أبواب جهنم لتقعين فريسة لمقصلة أكاذيبهم وادعاءاتهم دون رحمة أو شفقة!

سلسة من الاتهامات الزور تُوجه إليكِ على الدوام وتطول كل جوانب حياتك بدءًا من الأمور العامة وحتى الحريات الشخصية! “لبسك اللي بيغري الشباب”، “أكيد حاطة مكياج علشان تتعاكسي”، “بتضحكي بصوت عالي ومشيتك في الشارع مش حلوة ليه ما لازم الناس تفهمك غلط”، “منزله صورك على النت وزعلانة إن حد أخدهم وهددك بيهم؟، “حتضيعي مستقبله علشان اتحرش بيكي لو شايفك محترمة مكنش قربلك”، “إيه اللي قعدك جنب السواق ما لازم يتحرش بيكي”، “الزفت اللي بتكتبيه على الفيس بوك هو السبب إن الناس بتفهمك غلط”، “ما أنتي اوبن مايندد فيها إيه يعني لو جيتيلي البيت؟”، “فيمنست اه يعني معندكيش مانع للقلع عادي؟”، “انا افتكرت علشان بتهزري وتضحكي معايا يبقى مفيش مانع اتجاوز معاكي”، “ما أنتي سكتي وهو بيحاول يتحرش بيكي متكلمتيش ليه ساعتها؟”، “أكيد اتجاوبتي معاه علشان كدة اتمادى أكتر”، “الست لو حد بيحاول يغتصبها بيجيلها قوة تخليه ميقدرش يلمسها اللي بتُغتصب دي أكيد كانت عاوزة كدة”،..  وقائمة التهم والافتراءات تطول أكثر وأكثر!

بالتأكيد تعرضتِ في حياتك مرة على الأقل إلى واحد من تلك المواقف أو غيرها التي كنت فيها بحاجة إلى تبرير ما لا يحتاج إلى التبرير!، بالتأكيد قضيت أيام طوال تحاولين الدفاع عن نفسك وتبرير موقفك تارة بالهدوء وأخرى بالصراخ والعويل وكأنك مُذنبة تدافعين عن جرم لم ترتكبينه!

بُح صوتك وأنتِ ترفضين كل الاتهامات التي تُوجه إليك دون تفسير واضح، تبرئين نفسك من تهمة إثارة الغرائز والفتن المصاحبة لملابسك والطريقة التي تسيرين/ تتحدثين/ تضحكين بها وغيرها وترفضين كونها مبررًا للتحرش، فإن كانت تلك الافتراءات هي ما تدفعهم للقيام بتلك الأفعال الإجرامية فلماذا يتعرضون للأطفال والعجائز والنساء ذوات نمط الحياة المختلف عنكِ وحتى الرجال!

تتعجبين من سذاجتهم وتسترهم على المتحرش بل وسعيهم إلى “تسليكه” من الجريمة إما بحجة مستقبله أو لصِغر سنة أو غيرها من التبريرات الساذجة، بل وتحويل دفة الجريمة من الجاني للضحية بتلك السهولة، ترفضين أفعالهم وتتساءلين عن أي مستقبل ينتظر شخص هوايته تهديد وترويع النساء والتسبب في الأذى الجسدي والنفسي لهن فقط لكونه يستمتع بلذة رؤيتهن خائفات وأيضًا لإثبات فحولته ورجولته أمام الأخرين!

يعلو صوتك في كل مرة يتم التعامل معك من أشباه الرجال كفريسة سهلة الاصطياد كونك مساندة لحقوق المرأة، ترفضين نعتك بالعاهرة، السهلة، وكل تلك المصطلحات المغلوطة التي ليست سوى وسيلة ضمن أساليب رخيصة عِدة يتبعها المتحرش ومن يسانده لقلب الطاولة وتبديل الأدوار الجاني إلى مظلوم والمجنى عليه إلى مُذنب، حيث يتبارى هذا وذاك في تشويه سمعتك والتنكيل بك أمام الجميع ليبرر جريمته وسوء سلوكه ناحيتك سواء لنفسه أو للمجتمع.

تحاربين لإثبات أن اراءك وأفكارك – وإن كانت مختلفة – لا تضعك بأي شكل أو بأخر في موضع “المذنبة” وليست رخصة لتعرضك للابتزاز أو دافعًا للتجاوز في حقك، ألم يكن الاختلاف في الرأي لا يُفسد للود قضية كيف أصبح دافعًا للتحرش والتجاوز اليوم؟، تنفجرين غيظًا من هؤلاء الذين يبررون سرقة الصور الشخصية والمحادثات الخاصة واستغلالها في التهديد والابتزاز بحجة وجودها على صفحات التواصل الاجتماعي أو مشاركتها مع الاصدقاء، ألا يعلم هؤلاء عن البعض من المجرمين المتخصصين في تصوير السيدات دون علمهن والتشهير بهن عمدًا على الأنترنت أو فبركة المحادثات الخاصة وابتزاز الإناث بها .. تتساءلين هل المشكلة في موضع/ محتوى الصور الشخصية/ المحادثات أم في جريمة التهديد والابتزاز التي قد تكون بوابة في الكثير من الأحيان لجرائم أشد قسوة وسوءًا؟

وأخيرًا تتحدثين بعلو صوتك بعد أن تم كتمانه طويلاً بفعل الظروف والناس والمجتمع وغيره، تبررين صمتك وسكوتك في كل مرة تعرضتِ فيها إلى التجاوز أو محاولة التحرش أو غيره، توضحين بأن الصمت لم يكن أبدًا إنذارًا بالتجاوب أو رخصة للمتحرش للتمادي في أفعاله، ولكن الحقيقة إن صمتك كان يحوي ما هو أصعب من الكلمات، صرخات مكتومة حبيسة بداخلك تمنيت كثيرًا لو تحررت وانطلقت لتنفجر في وجهوهم جميعًا.

صرخات تحمل كلمات قاسية يحفظونها عن ظهر قلب ولكن يتفننون في كتمانها أو تحريفها أو قلب الآية برُمتها، صرخات تذكرهم مَن الجاني ومَن الضحية وتُعلمهم إن الصمت لم يكن تجاوبًا ولا إبداء موافقة إنما كان وراءه أطنانًا من الخوف، خوف من المجتمع الذي دائمًا ما يُلقي اللوم على الضحية ويسوق مئات الحجج لتبرئة المتحرش، الخوف من عائلتك ودوائرك القريبة، فأنتِ تعلمين إن هذا الموضوع شائك إلى حد لا يُسمح بالحديث عنه ولو بالإيحاءات وأنتِ لست واثقة إنهم سيدعمونك على إيه حال، فهم أيضًا لديهم نفس التخوفات من المجتمع والسمعة وغيره وهو ما قد يدفعهم إلى تضييق الخناق عليكِ وأحيانًا معاقبتك وربما يقومون بلومك وتوجيه الاتهامات إليكِ بوجود علاقة سابقة بينك وبين المتحرش أو التعليق على لبسك/ أفكارك/ … بدلاً من شملك بالدعم والمساندة!، وأخيرًا الخوف من المتحرش نفسه الذي لا تعلمين ماذا قد تكون ردة فعله إن تكلمتِ هل سيكتفي بمجرد نفي التهمة عنه أم سيتبلى عليكِ بأنك من حاولتِ اغراؤه أم سيقرر فضحك وتحويل دفة الاتهامات إليك، أو ربما يقرر تشويهك أو رفع سلاح عليكِ أو ربما تعقُبك ومحاولة قتلك .. فمن يستحل أجساد النساء دون وجه لا يمكن توقع إلى أي مدى يُمكن أن يصل قدر ايذائه لك!

أخيرًا تبررين الرفض، نعم أصبحت مضطرة في كل مرة تطالبين المتحرش/ المغتصب بالتوقف أو ببساطة قول لا صريحة إلى توضيح إنك رافضة بحق وتريدين للفعل “غير المريح بالنسبة لك” أن يتوقف سواء إن كانت محادثات أخذت طابعًا جنسيًا/ محاولة التمادي ولمس أجزاء من جسدك/ الملاحقات الغير مرغوبة والتجاوزات سواء اللفظية أو الفعلية/ وأخيرًا محاولة التحرش والاغتصاب الصريحة، نعم التحرش والاغتصاب لا يتوقف إذا قامت المرأة بالرفض الصريح، فهناك ملايين الجهابذة من حولنا يبررون الرفض بآنه أحيانًا لا يكون رفضًا بل رغبة مستترة مفاداها أن يستمر المتحرش بالتمادي في فعلته معك! ببساطة يعتقدون إنكِ تتمنعين لكونك راغبة وليس رافضة! تتساءلين مَن على وجه الأرض قد تقول لا وهي تقصد نعم، من قد ترغب في أن يستحل أحد جسدها ويعتدي عليها قهرًا؟ .. لكنك يا عزيزتي أعتدت على تبرير كل شيء حولك ألم تتوقعي أن يصل الأمر إلى تبرير الرفض ذاته يومًا ما؟

أخيرًا تصرخين بأن التحرش جريمة ليس حدثًا عاديًا يمكن التعايش معه وتجاوزهـ بل يجب محاربته بكل ما أوتيت من قوة، تبرر التحرش جريمة لا تقل في حجمها عن التحرش ذاته، إذا تعرضتِ للتحرش فهذا شيئًا لا يُعيبك بالمرة وليس شيئًا عليك الخجل منه أو اخفاؤه فالخطأ يقع على المذنب وليس الضحية حتى وإن حاولوا إقناعك العكس!، الأفعال والأقوال غير المرغوبة/ المريحة تجاه شخص بالإكراه تُصنف تحت بند التحرش، النساء يتمنعن لأنهن رافضات ولسن راغبات، لا تتركين من حولك يحددون إن كان ما تعرضتِ له يصنف تحرشًا أو لا أو يسخفون من الأمر، وأخيرًا تذكري بأن الصمت إزاء التحرش ليس حلاً بل كسر حاجز الصمت وفضح المتحرش هو الوسيلة الوحيدة لمجابهة تلك الظاهرة وتشجيع من حولكِ ممن تعرضن للأمر ذاته ليتحدثن ويحصلن على حقوقهن..

31530792_2118869535025007_2375980014135934976_nسلمي محمود

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

أضف تعليق