هدية ماء زمزم.. شكرًا أمنا وجدتنا هاجر | د. فوزية العشماوي

السبت ١ أغسطس ٢٠٢٠                   – كتبت | د. فوزية العشماوي

hagar-women-bible
Hagar in the Wilderness, 
Camille Corot

من تداعيات جائحة كورونا وآثارها السلبية حرمان الكثيرين من تأدية مناسك الحج هذا العام، ولكن من حسن حظى فقد زارنى فى جنيف أصدقاء من مكة المكرمة وأهدونى قارورة ضخمة بها «5 لترات» من ماء زمزم، شربتها أنا وأولادى عن آخرها فانتعشت وارتويت من أطهر ماء على الأرض. شكرت الأصدقاء الكرام على هديتهم القيمة وتذكرت صاحبة الفضل الأول فى هدية ماء زمزم جدتنا المصرية الغالية، هاجر زوجة سيدنا إبراهيم وأم سيدنا إسماعيل. بحثت عنها فى آيات وسور القرآن الكريم ولم أجد ذكراها فى أى آية قرآنية إنما وجدت إشارات عنها فى سياق سرد قصة أبى الأنبياء إبراهيم. فمن هى هاجر؟.

تعددت الروايات فى أصل هاجر التى جاء ذكرها فى سفر التكوين: إصحاح 21 «إنها كانت ابنة لفرعون مصر»، وطبقا لبعض المؤرخين فإن هاجر تنتمى إلى الكنعانيين وهى ابنة زعيمهم الذى كان حاكم مصر قبل الفراعنة وأن فرعون قتل والدها وتبناها. ويؤكد البعض الآخر من المؤرخين أن هاجر من أصل فرعونى وأنها إحدى شقيقات فرعون مصر سونسرت الذى احتل الهكسوس مصر فى عهده، وقتلوا الرجال وأخذوا النساء سبايا ومن بينهم هاجر أخت الفرعون التى كانت من نصيب ملك الهكسوس. وفى رواية أخرى فإن هاجر كانت فى بلاط ملك مصر حين جاءت السيدة سارة مع زوجها سيدنا إبراهيم إلى مصر، وإن ملك مصر أهدى جاريته هاجر لتكون جارية لسارة. وجاء فى سيرة ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بأهلها خيرا، فإن لهم ذمة ورحما»، ثم قال: «كانت هاجر أم إسماعيل منهم». ولقد أكد كثير من المؤرخين أن سارة، زوجة نبى الله إبراهيم، أهدت جاريتها هاجر إليه بعد عودتهما من مصر إلى فلسطين ومعهما جاريتها هاجر.

وبعد أن علمت سارة أن الله بشر إبراهيم بالذرية الصالحة وبما أنها كانت قد بلغت أرذل العمر وأنها لن تلد له هذه الذرية الموعودة فقد ارتأت أن تهبه جاريتها هاجر لتنجب له تلك الذرية. ولكن عندما بدأت علامات الحمل تظهر على هاجر اشتعل قلبها بالغيرة من هاجر. وازدادت الغيرة اشتعالا فى قلب سارة بعدما وضعت هاجر ابنها إسماعيل. فلم تطق سارة صبرا فطلبت من زوجها إبراهيم أن يرحّل هاجر ويبعدها عن فلسطين. واحتار إبراهيم فى أمره بين زوجته سارة وأم ابنه هاجر ولم يكن الله ليتركه فى هذه الحيرة طويلا وجاءه الوحى بأن يرحل بهاجر وإسماعيل، فأخذ إبراهيم هاجر وابنهما إسماعيل فسار بهما حتى صحراء الحجاز، حيث لا زرع ولا ماء. واستدار ليرجع وحده، فصرخت هاجر من هول ما شعرت به من الخوف أمام هذا الخواء وجرت وراءه تسأله: «أتتركنا هنا؟ أالله أمرك بهذا؟ أجاب نعم فقالت: إذن لا يضيعنا»، ثم رجعت لابنها الرضيع. وأخذت هاجر ترضع ابنها حتى نفد الماء الذى معها واشتد بها العطش وجف اللبن فى ثدييها وابنها يتلوى من الجوع والعطش، فأخذت تجرى بعيدا عنه وظلت تهرول بين جبلين صغيرين هما الصفا والمروة، وتكرر سعيها بين الصفا والمروة سبع مرات حتى كادت تهلك من شدة الإعياء والعطش.

وفى نفس الوقت كان سيدنا إبراهيم فى طريق العودة إلى فلسطين فتوقف قليلا ليصلى ويدعو ربه قائلا: «رَّبَّنَا إِنِّى أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ» (سورة إبراهيم، الآية 37)، فاستجاب الله لدعائه وما كان الله ليتركه وهو فى هذه المحنة تاركا هاجر وابنه الوحيد الذى رزق به بعد طول اشتياق لمصيرهما المجهول فى صحراء جرداء. وبينما هاجر قد أخذ منها الإرهاق والعطش كل مأخذ سمعت فجأة خرير ماء ورأت عينا تنفجر فى وسط الصحراء، فأخذت تزم التراب حول نبع الماء ليتجمع ولذلك سمى النبع زمزم. هرعت هاجر إلى نبع الماء وشربت حتى ارتوت وأسرعت إلى رضيعها ترويه من ثدييها اللذين امتلآ باللبن بعد طول الجفاف. واستقرت هاجر وابنها إسماعيل بالقرب من نبع الماء «زمزم» وبدأت القوافل تهل على المكان ومن بينهم أناس من قبيلة جرهم الذين رغبوا فى البقاء بجوار نبع زمزم، فسمحت لهم هاجر بالسكن بجواره. وهكذا شب إسماعيل بين أهل قبيلة جرهم فتعلم منهم اللغة العربية، ولما أصبح شابا تزوج امرأة منهم، وأصبح يعرّف بأنه أبوالعرب أجمعين. ويقال إن هاجر توفيت فى مكة وهى فى التسعين من عمرها وحزن عليها ابنها إسماعيل حزنا شديدا.

شكرًا أمنا وجدتنا الغالية هاجرعلى هديتك القيمة ماء زمزم.

22279945_10155723207384417_91622011169461155_nد. فوزية العشماوى، أديبة وأستاذة للأدب العربي والحضارة الإسلامية في جامعة جنيف بسويسرا.


إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

1 comments

أضف تعليق