كان يا مكان – أرادت أن تكون حرة

السبت ٢٩ أكتوبر، ٢٠٢٠
بقلم : نادر حبيب – ترجمة يارا حامد

كانت القصة الرئيسية في عدد الحادي عشر من أكتوبر ١٩٣٣ من صحيفة العروسة حول لطفية النادي، التي أصبحت في سن الـ ٢٦ عامًا أول قائدة طائرة (طيارة) في مصر. ولدت لطفية في ٢٩ أكتوبر ١٩٠٧ لعائلة عادية من الطبقة المتوسطة، تلقت تعليمها الابتدائي وكان من المتوقع أن تتزوج في سن مبكرة وتصبح ربة منزل وأم. وكان يؤمن والدها، الذي كان يعمل في المطبعة الأميرية، أن على الفتيات ألا يستكملن تعليمهن الثانوي.

لكن والدتها كان لها رأي آخر، لذلك فقد دفعت لطفية لاستكمال تعليمها في أمريكان كولوج، مدرسة لغات كانت لها منظور ومناهج حديثة. مثل العديد من الفتيات في سنها، كانت لطفية تحلم بأشياء أفضل وأكبر. وذلك حتى قرأت في يومًا من الأيام مقال مثير للاهتمام عن الطيران؛ فلقد فُتحت مدرسة للطيران للتو في القاهرة وقد كان هذا إغراءً كبيرًا للطفية الصغيرة.

بدأت لطفية التفكير فيمن يمكنه مساعدتها على تحقيق حلمها ووقع اختيارها على الصحفي الشهير، أحمد الصاوي، صاحب العمود اليومي، ما قل ودل، في جريدة الأهرام. ولكن كان ذلك عشم زائد منها في الكاتب الاجتماعي التطلعي، الذي كان يدعم تحرير المرأة ولكنه مع ذلك رفض تشجيع لطفية على الطيران دون علم وموافقة والدها. لذلك وبشجاعة، ذهبت لطفية مباشرة إلى كمال علوي، مدير الخطوط الجوية الوطنية في مصر. ولم يستغرق الموافقة على طلبها كثيرًا لأن البلاد كلها ستتحدث عن أول بنت طيارة وبذلك ستكون دعاية كبيرة لخطوط الطيران ومدرسة الطيران نفسها.

ولأنها لم يكن لديها الأموال الكافية لدفع مصاريف دروس الطيران، عملت لطفية كسكرتيرة في المدرسة وعاملة سنترال. بدأت في أخذ دروس الطيران مرتين أسبوعيًا، كل ذلك بدون علم وموافقة والدها. حصلت لطفية على رخصتها للطيران في ٢٧ سبتمبر ١٩٣٣ -كانت تبلغ من العمر ٢٦ عامًا- لتصبح بذلك أول طيارة في الوطن العربي وأفريقيا. 

غضب والدها منها في البداية ولكنه رضخ عندما امتدح واثني الناس على لطفية حتى أنها أخذته معها في رحلة فوق القاهرة ورأي الأهرامات وبدا مستمتعًا بذلك. لطالما كان مستر كارول، مدربها للطيران، يحميها وكان ينصحها بأن لا تنساق وراء شهرتها الجديدة. ففي حوار معها، قالت لطفية عنه:” لطالما كان يهتم لأمري ونصحني ان لا أكون مثل الطيارة البريطانية، إيمي جونسون التي تمردت على والديها عندما أصبحت مشهورة.” 

حصلت لطفية على رخصة مزاولة الطيران في ٦٧ يومًا فقط. وتم دعوة الهيئات الصحافية يوم تخرجها لمشاهدتها وهي تؤدي امتحان الطيران الخاص بها. شاركت لطفية بطائرة ذات محرك واحد بسرعة ١٠٠ ميل في الساعة في سباق الطيران الدولي بين القاهرة والإسكندرية في ١٩ ديسمبر ١٩٣٣ واستطاعت أن تصل إلى نقطة النهاية قبل أي من المنافسين الآخرين ولكنها حرمت من الجائزة لأنها فشلت في التحليق فوق خيمة من خيمتين منتصف النقطة التي طُلب من المنافسين التحليق فوقهم على طول الطريق.

ورغم ذلك، تلقت التهنئة من الملك فاروق و ٢٠٠ جنية كجائزة شرف وأرسلت لها هدى شعراوي، زعيمة الحركة النسائية، رسالة تهنئة قائلةً: “شرّفت وطنكِ، ورفعت رأسنا.” جمعت هدي شعراوي بعد ذلك المال للطفية لشراء طائرتها الخاصة. 

على غرار لطفية، التحقت مصريات أخريات بمدرسة الطيران وأصبحن طيارات. وكان من بينهن دينا الصاوي، زهرة رجب، نفيسة الغمراوي، ليندا مسعود، بلانش فتوش، عزيزة محرم، عايدة تقلا، ليلى مسعود، عائشة عبد المقصود، وقدرية طليمات. تلاشى بعد حوالي عشر سنوات الاتجاه لأن تصبح المرأة طيارًا ومنذ عام ١٩٤٥، لم تتدرب أي امرأة مصرية على العمل كطيار لأكثر من خمسة عقود.

شغلت لطفية منصب السكرتير العام لنادي الطيران المصري. ولكن مع الأسف، أصيبت في حادثة طائرة في خمسينات القرن الماضي وذهبت إلى سويسرا للعلاج وانتهي بها الأمر إلى الإقامة هناك. لم تتزوج لطفية ولم تنجب أي أطفال وماتت في القاهرة عام ٢٠٠٢. تم إنتاج فيلم وثائقي عن قصة حياتها عام ١٩٩٦ تحت عنوان، الإقلاع من الرمال. وعندما تم سؤال لطفية لماذا أرادت أن تطير، أجابت: “لأنني أردت أن أكون حرة.”


إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

المصدر

أضف تعليق