وجع مع سبق الاصرار | د. ياسمين عبد العزيز


٢٩ نوفمبر ٢٠٢٠
كتبت – د. ياسمين عبد العزيز

Domesticabuse

تألمت كثيراً حين ضربها زوجها وأهانها أمام أولادها، فهى لا تستحق كل هذا الوجع، وحينما سألت نفسها لماذا هذا العنف، لم تجد اجابة مرضية، لم تجد سوى الدموع التى سالت لتغسل وجهها من دمائها التى اريقت، ولكن لم يكن امامها الا الاستمرار فى هذه العلاقة التى تتجرع فيها المهانة يومياً لانها لا تملك عمل، وليس لديها دخل ولا مأوى، وليس معها شهادة توفر لها عمل يساعدها على الحياة، كما انها لابد ان تتحمل من اجل أولادها، ولأنها أيضا لن تحتمل نظرة المجتمع لها كإمرأة مطلقة .

هذه القصة تتكرر كثيراً، وتتغاضى المرأة عن اهانتها ظنا منها انها تضحى من اجل أبنائها، وهى لا تعلم انها بسكوتها وتغاضيها تُخٌرج الى المجتمع جيلاً يتأقلم مع هذا العنف، فيصبح العنف لديه عادة ووسيلة، وربما غاية لدي البعض أيضا، حيث ان رواسب هذا المنهج الهمجى العدوانى تظل عالقة فى اذهان وسلوكيات من نشأ عليه، ويمارسها على من هو اضعف منه، سواء كانت زوجة مستكينة او أطفال، او أي كان من يريد السيطرة عليهم، ليعلن أمامهم عن نفسه المريضة ومن ثم يفرض سطوته .

Domestic_Abuse_t750x550-600x400

ويعرف العنف بانه سلوك بشرى يتسم بالقوة والاكراه والعدوانية، صادر عن طرف فرداً كان او جماعة، وموجه ضد طرف اخر بهدف اخضاعه او استغلاله فى اطار علاقة غير متكافئة مما يتسبب فى اضرار واوجاع مادية و معنوية للطرف المٌمارس عليه العنف.

واذا تحدثنا عن العنف ضد المرأة فى مجتمعنا فنحن نتحدث عن وجع مع سبق الإصرار، لا يتمثل فقط في العنف الجسدى او العنف اللفظى ولكن ايضا العنف النفسي، فالتفرقة بين الولد والبنت عنف، الحرمان من التعليم عنف، ختان الاناث عنف، حرمان البنت من ممارسة هواياتها عنف، اجبار البنت على الزواج عنف، حرمان البنت من السفر ومن ان تكتشف حياتها وتخطط مستقبلها بيديها عنف، تربية البنت علي أنها فقط اداة لمتعة الرجل عنف، اعتبار المرأة مواطن من الدرجة الثانية عنف، حرمان المرأة من المناصب السيادية والقيادية فقط لانها امرأة عنف، حرمان البنت من الميراث عنف، اجبارها على الاستمرار فى زواج فاشل عنف .

apav-portuguese-association-for-victim-support-girl-600-40315

كل هذا الوجع تتعرض له المرأة فى المجتمعات العربية، تلك المجتمعات التى إستعاضت عن وأد البنات فعلياً بدفنهن أحياء فى التراب الى وأدهن فكرياً واجتماعياً.

فاختزال المرأة فى صورة العورة والفتنة الكبرى تعيدنا الى السؤال الفلسفى العقيم هل المرأة انسان ام انها فى مجتمعنا لم تصل بعد لهذه المكانة ؟

المجتمعات التى تتهم ضحية التحرش في سلوكها وأخلاقها، وتترك الجانى، التى تلوم على المطلقة عدم صبرها، وتتهمها بخراب البيت والتى تهمش اكثر من نصف المجتمع، هي مجتمعات ابعد ما تكون عن النهضة والتقدم .

اعلم ان كثيرون سيتهمونى بالتحامل علي المجتمع، لان المرأة الان تعمل فى كل المجالات، ولأنها نالت حقوقا لم تكن تحلم بها، أتفهم تحامل البعض علي، فالمرأة العاملة بالفعل تعمل الان فى كل مكان، ولكن هل سألتم انفسكم عن معاناتها فى عملها او فى بيتها او تعرضها للتحرش فى الشارع او فى المواصلات وهي في طريقها من والي عملها، بالإضافة الي تحملها وحدها اعباء ومسؤليات المنزل والاولاد وتربتهم فى حال وجود زوج غير مبالى، وربما تكون هى من يعول الاسرة مع زوج غير موجود او وجوده كعدمه، وربما يزداد الوضع سوءا في وجود زوج غير مبالى، و معنف، يضربها او يهينها او يستولى على اموالها .

ان الاحصائيات التى تؤكد ما اقول تملأ الصحف والمواقع الالكترونية عن المرأة المعيلة، وعن المعنفات جسديا ولفظيا، وعن اللاتى تعرضن للتحرش والاغتصا،ب وساترك لكم البحث لتعلموا صدق ما اقول ولكن يكفى ان تصنف القاهرة انها من اخطر مدن العالم على النساء .

اما آن الاوان لنستفيق؟؟؟

i_victim_violence

ان العنف الذى يمارس على النساء عنف ناتج عن تربية خاطئة لذَكَر فقد رجولته يوم ان امتدت يده ليلطم زوجته او اخته او ليأخذ بها مالها، او امتدت لتستبيح جسد احداهن فى الشارع. العنف الذي يمارس علي النساء هو ناتج عن تربية خاطئة لإمرأة فقدت كرامتها يوم ان سكتت وخضعت واستكانت ورضيت بالاهانة ظنا ً منها انها الطاعة، منذ ان فرطت فى احلامها وفى نجاحها وتنازلت عن طموحها لكى تسير المركب .

عزيزتى المرأة، يا مربية الأجيال، يا ايتها المدرسة التى اذا اعددتها اعددت شعب طيب الأعراق، اعتزى بنفسك. لا تقبلى الاهانة. لا تقبلى العنف. احلمى واسعى لتحقيق احلامك. لا تقبلى ان يضعك المجتمع فى قالب. ربى ابنك على احترام المرأة وربى ابنتك على الاعتزاز بكونها امرأة، علميها ان لا تقبل الاهانة والعنف ابداً. علمى اولادك ان الامم لا تتقدم الا بتعاون شقيها، الرجل والمرأة. علميهم كى تتغير مجتمعاتنا لمجتمعات تحترم النساء ومن ثم تتحول الى مجتمعات متحضرة .

**إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

One comment

أضف تعليق