لقاء حصري مع السفيرة مشيرة خطاب | أجرت اللقاء دينا المهدي

٧ ديسمبر ٢٠٢٠
أجرت اللقاء : دينا المهدي

السفيرة مشيرة خطاب تقلدت خلال مشوارها المهني العديد من المناصب الهامة منها وزيرة الدولة للأسرة والسكان، ونائب وزير الخارجية للعلاقات الثقافية الدولية. وهي من النشطاء فى مجال حقوق المرأة و الطفل؛ و حتى عام ٢٠١٠ كانت تعمل كخبيرة فى لجنة حقوق الطفل فى الامم المتحدة. 

ترأست المجلس الاعلى للامومة و الطفولة لمدة ١١ عاما، و كان لها دورا فعالا فى خلال هذه الفترة، وتوجت مجهوداتها بتجريم ختان الاناث و رفع سن زواج البنات الي ١٨ سنة.  وتولت أيضا منصب رئيس لجنة برامج الطفل بمجلس اتحاد الإذاعة والتلفزيون. كذلك هي مؤسس ورئيسة “مجموعة المرأة المصرية في السياسة الخارجية “. كما انها كانت مرشحة مصر لمنصب الامين العام لمنظمة اليونيسكو التابعة لأمم المتحدة في عام ٢٠١٦.

بالاضافة الي هذا، شغلت السفيرة مشيرة خطاب لفترة وجيزة منصب الرئيس التنفيذي لمؤسسة كيميت بطرس غالي للسلام والمعرفة. 

هي حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية من جامعة القاهرة و ماجستير فى العلاقات الخارجية من جامعة نورث كارولينا بالولايات المتحدة و الدكتوراة فى العلاقات الخارجية و قوانين حقوق الانسان من جامعة القاهرة. عملت في وزارة الخارجية المصرية . وتولت منصب سفيرة مصر لدى جمهورية التشيك و سلوفاكيا و جنوب أفريقيا فى فترة حكم نلسون مانديللا.

س م: واجهت المرأة المصرية العديد من التحديات في العقود القليلة الماضية، لكننا نشهد جهودًا جماعية من قبل الحكومة والمنظمات النسائية المختلفة لتمكين المرأة وتحقيق المساواة بين الجنسين. هل ترين أي تقدم يمكن قياسه في وضعهن نتيجة لهذه الجهود؟

م خ: لقد شهدنا بالتأكيد تقدما ملحوظا في وضعية المرأة. هذا التقدم والارتقاء مدفوعا بالجهود الدؤوبة التي تبذلها الحركات التي تقودها النساء، والإرادة السياسية، والدعم المستمر من الرئيس عبد الفتاح السيسي. لقد تم ضمان حقوق المرأة دستوريًا، مع ترجمة العديد من الأحكام الدستورية إلى بنود قانونية، بينما ما زالت البقية تحت الدراسة. تنتظر التفعيل، هناك العديد من الأمثلة القابلة للقياس التي تعكس التقدم المستمر للمرأة في مصر بموجب القانون: منذ أكثر من 12 عامًا، اكتسبت المرأة المصرية حق السفر دون موافقة الزوج المسبقة، والحق في نقل جنسيتها إلى الأطفال المولودين لآباء أجانب.

لقد اكتسبت النساء  مؤخرًا الحق في الحصول على ميراثهم دون قيد أو شرط، وأصبح القانون يُجرم حرمانهن من الميراث الآن. أيضًا، تم تجريم بعض أشكال العنف ضد المرأة مثل ختان الإناث أو زواج الأطفال منذ عام 2008. على الرغم من أننا ما زلنا نرى انتهاكات تُجرى بعيدًا عن الأعين لهذه القوانين، فإن وعي الناس بحقوق المرأة في مثل هذه الحالات آخذ في الازدياد، والقبول الاجتماعي لها يتضاءل. اليوم، يوجد في مصر 66 قاضية، وباستثناء القضاء الإداري. وتفوقت المرأة في جميع المناصب الحكومية والتنفيذية والأهلية والقضائية وغيرها. ورُفِع السقف الزجاجي، لكن هناك متسعًا للمزيد. ما زلنا بحاجة إلى تغيير الممارسات الثقافية التي تشكل عنفًا ضد المرأة، وأفضل طريقة لتحقيق ذلك هي من خلال وضع المزيد من النساء في دوائر صنع القرار، سواء على المستوى الحكومي أو البرلماني.

خصص الدستور 25٪ من مقاعد البرلمان للنساء ونظام الكوتا، عندما يتم تطبيقه بالكامل خاصة مع الانتخابات الجارية لكل من مجلسي النواب والشيوخ في البرلمان، ستكون المرأة ممثلة بشكل جيد. كما أن عدد القاضيات آخذ في الازدياد، وتضم الحكومة أكبر عدد من الوزيرات 25٪، وليس هناك عودة او ارتداد، والنساء في مصر طريقهن الوحيد هو الصعود. ومع ذلك، يوجد تفاوت بين النساء في الطبقات الاجتماعية العليا وأولئك في الطبقات الاجتماعية الدنيا. لا تزال هناك نساء وفتيات محرومات من حقهن في التعليم، على الرغم من أن الحكومة توفر التعليم الأساسي المجاني، لكن بعض الآباء يحرمون بناتهم من هذا الحق؛ وهذه جريمة جنائية. إن دور المنظمات غير الحكومية في مثل هذه الحالات هو زيادة الوعي بين الأسر الفقيرة ومساعدتها على تأمين حقوق المرأة.

س م: برأيك ما الذي يجب أيضًا القيام به لتمكين المرأة وتحقيق المساواة بين الجنسين؟

مخ: نحن بحاجة إلى تشجيع بعض التغييرات الثقافية لزيادة الوعي، ولكي يفهم الأهالي الفوائد التي ينالونها من النساء المتعلمات جيدًا. لتمكين المرأة، علينا ضمان حصول جميع الفتيات على تعليمهن. ففوائد هذا التعليم ستعم ليس فقط على عائلاتهن، ولكن على الصعيد الوطني أيضًا. تُظهر الأرقام زيادة في الأمية والفقر والعديد من المشكلات الأخرى.  وفي تقديري ان السبيل إلى وضع حد لذلك هو تمكين الإناث من الحصول على حقوقهن المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. عندئذ فقط، ستُحل العديد من المشكلات وستحدث نقلة نوعية ليس فقط على مستوى الأسرة والمجتمع الصغير المباشر، ولكنها ستحتقق على مستوى الأمة بأكملها.

هناك حاجة ماسة إلى توفير تعليم جيد للإناث ووضع تقنيات للتعلم النشط مدى الحياة، مع منحهن مساحة للتعبير عن أنفسهن وعن شكواهن، وكذلك الوصول إلى الدعم لإزالة أي عقبات في طريق تطورهن. تشرفت بأن أكتب القانون رقم. 126/2008 الصادر عام 2008، الذي يجرم أي إجراء يحرم الفتيات من التعليم. نحن بحاجة إلى تفعيل القوانين والبناء على الإمكانات الكاملة للمرأة، وعندها فقط ستتمكن النساء من حماية أنفسهن من الحرمان من التعليم أو زواج الأطفال أو العنف أو التنمر أو أي خطوة تحرمهن من حقوقهن.

س م: من بين جميع المناصب التي شغلتيها، ما المنصب الذي حقق لك أكبر قدرًا من الرضا، شخصيًا ومهنيًا؟ لماذا؟

مخ: من الصعب للغاية تحديد أي منصب حقق لي أكبر قدرًا من الرضا. كانت حياتي المهنية بأكملها تجربة تعليمية طويلة. بدأت في نيويورك حيث كنت عضوًا في وفد مصر إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة. جلست في اللجنة الثالثة التي تعنى بالقضايا الاجتماعية والإنسانية. لقد أتممت دراساتي العليا في جامعة نورث كارولينا في تشابل هيل. كانت هذه واحدة من النقاط البارزة في سنوات تكويني. عشت طالبة في حرم إحدى أعظم الجامعات. هناك، اكتشفت معنى أن تكوني ممثلة لثقافتك، ناهيك عن بلدك. بعد ذلك، انتقلت إلى فيينا للعمل سكرتير ثالث في سفارتنا. درست اللغة الألمانية وشهدت كيف تعمل الأمم المتحدة.

لقد مثلت مصر في مجلس إدارة اليونيدو (منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية)، الذي تحول إلى وكالة متخصصة. عند الانتهاء من عملي في فيينا، عدت إلى القاهرة وعينت عضوًا في مكتب  المرحوم محمد رياض، وزير الدولة للشؤون الخارجية. كانت هذه لحظة تاريخية ، حين أعلن فيها الرئيس محمد أنور السادات عن مبادرته لزيارة القدس. استقال وزير الخارجية إسماعيل فهمي وتبعه محمد رياض. مرة أخرى، كنت محظوظة لأن أجد أستاذي الجامعي وقدوتي، أ.د. بطرس بطرس غالي، يحل محل محمد رياض وزيرًا للخارجية. تصدرت مصر عناوين الصحف في ذلك الوقت وأصبحت وزارة الخارجية المصرية خلية نحل. حضرت اجتماعات الوزير غالي. واستفدت بشكل كبير من رؤية تغيير النهج في تقديم السياسة الخارجية لمصر من دبلوماسي محترف إلى أستاذ جامعي.

كانت مهمتي التالية في المجر؛ حيث أتيحت لي الفرصة لممارسة لغتي الألمانية، ومراقبة تحرك المجر كأول دولة في المعسكر الشيوعي تتجه نحو اقتصاد السوق والانفتاح علي الغرب. انتقلت بعد ذلك الي أستراليا، التي تمثل وعاءً رائعًا ينصهر فيه ثقافات المهاجرين من أصول مختلفة. ما بدا أنه تحدٍ كبير لاستقرار عائلتي، اتضح فيما بعد أنه تجربة تعليمية رائعة لطفليَّ. تلقى كلاهما تعليمهما التكويني في ملبورن أستراليا. مكنهما التنوع الثقافي من رؤية نفسهما ليس فقط باعتبارهما مصريين وعرب وأفارقه، ولكن أيضًا لاحتضان مكانتهما كـ “أطفال الثقافة الثالثة”، فقد نشآ وهما يسافران مع والدتهما من بلد إلى آخر. التقيت بالعديد من أفراد الجالية اليهودية هناك، الذين كانوا يعيشون في القاهرة وما زالوا يعتزون بالوقت الذي قضوه في مصر.

الأمر الذي حقق لي أكبر قدرًا من الرضا هو تعييني سفيرة  لدي الاتحاد الفيدرالي  لجمهوريتي التشيك والسلوفاك عام ١٩٩٢، فور سقوط جدار برلين. لقد أتيحت لي الفرصة لأشهد عن كثب رؤية رئيس الوزراء التشيكي فاتسلاف كلاوس واجتهاده، الذي ساير بسرعة التحول الاقتصادي من الاقتصاد الشيوعي الي اقتصاد رأسمالي بامتياز. كما تابعت بإعجاب شديد سلاسة عملية انفصال الجمهوريتين ، فما سمي بالطلاق المخملي ، والفضل يرجع الي كون السكان ذوي تعليم عالٍ، فتمت العملية بشكل سلس. لقد كان درسًا متميزًا في الود. والتحضر. بالإضافة إلى كوني محظوظًة لأنني كنت شاهدة على هذه الفترة الحاسمة في تاريخ تشيكوسلوفاكيا، أنا أيضًا محظوظة لأنني أتيحت لي الفرصة للعمل بشكل وثيق مع فاتسلاف هافيل؛ الاديب والمفكر والكاتب المسرحي والفيلسوف.، مهندس الثورة المخملية التي اسقطت حائط برلين.

بعد الجمهوريات التشيكية والسلوفاكية، انتقلت لجنوب أفريقيا، لأكون أول سفير لمصر في مرحلة ما بعد الفصل العنصري فيها – وهي الفترة التي كانت بالنسبة لي تتويجًا لإنجاز حياتي المهنية. عينت بعد ان أطلق سراح مانديلا  من السجن وأصبح أول رئيس لجنوب أفريقيا الجديدة. شاهدت الانتقال إلى الديمقراطية التي لا تميز ضد البشر بسبب لون بشرتهم . لقد تعلمت المعنى الحقيقي لحقوق الإنسان على يد نيلسون مانديلا، الذي قال “إننا نغفر ولكن لا ننسى”. كنت محظوظة بالاقتراب منه علي المستوي الإنساني ، رأيت كيف يمكنه استخدام شيء بسيط مثل الرياضة لتحويل المجتمع المنقسم إلى مجتمع متماسك. كان مانديلا رمزًا وأسطورة، ومع ذلك فقد كان متواضعًا، وكان فخورًا جدًا بأصله وهويته. إنه بالتأكيد شخص نادرًا ما يقابله المرأ مرتين في حياته. عند عودتي لديوان عام وزارة الخارجية، عُينتُ لفترة وجيزة مساعدًا لوزير الخارجية للعلاقات الثقافية. كان الحوار بين الثقافات أبرز ما كُلفت به من ملفات.

بعد أقل من شهر تم تعييني الأمينة العامة للمجلس القومي للطفولة والأمومة في مصر، ثم وزيرة للأسرة والسكان. كان هذا أكبر تحول وظيفي. مثل مفاجأة كبيرة لي، تحول مثل الانتقال من الاحتكاك برؤساء الدول والدبلوماسيين إلى العمل الميداني مع أكثر شرائح المجتمع تهميشًا وحرمانًا. كانت تجربة رائعة وملهمة ومشجعة ومجزية للغاية. كنتُ مُجهّزة جيدًا بللتعامل مع هذه الملفات بالغة الأهمية والمسكوت عنها ، بحكم دراستي وخبرتي التي حصلت عليها طوال حياتي المهنية بوصفي دبلوماسية.

س م: بالنظر إلى مستقبلك، ما أهم الفرص والتحديات التي تواجه تمكين المرأة والمساواة بين الجنسين؟

سيتم تمكين المرأة بشكل كامل وستسود المساواة بين الجنسين عندما نوضح للجميع في المجتمع وتستقر لديهم القناعة بأنهم سيستفيدون من تمكين النساء من التمتع بجميع حقوقهم كاملة غير منقوصة. إذا تحدثنا عن الاقتصاد، فقد أصدر البنك الدولي دراسة أظهرت أنه إذا قمت بتوظيف عدد متساوٍ من الرجال والنساء في سوق العمل، فإن الناتج المحلي الإجمالي سيرتفع في الولايات المتحدة بنسبة 5٪، واليابان 9٪ وفي مصر 34٪. أي انه اجراء اقتصادي حكيم وجيد. ومع ذلك، فإن التحدي الرئيسي ثقافي. بالنسبة للكثيرين، يرون إنها لعبة صفرية ، حيث يعتقد بعض الرجال أن توظيف المرأة يعني خسارة الرجال لوظائفهم. لكن، يجب أن يعلموا أن هناك وظائف كافية لكليهما، حتى إن لم تبدو كذلك ، فهذه منافسة ودعوا الأفضل يفوز فيها، سواء كان رجلا أو سيدة. يجب أن يعرفوا أيضًا أن أسر النساء المتعلمات جيدًا هي أسر أفضل حالًا و أطفالهن أفضل تعليمًا، وأن مستوى المعيشة أفضل أيضًا لأن النساء تميل إلى إنفاق معظم دخلهن في المنزل.

س م: متى، في اعتقادك، تكون مصر جاهزة لرئيسة وزراء؟

مخ: بصراحة، أعتقد أن تعيين رئيس الوزراء يجب أن يقوم على أساس الجدارة وليس على أساس النوع الاجتماعي. تعرفين أن لدينا مساواة بين الجنسين عندما لا يتردد هذا سؤالًا. لكنني سأجيب على أية حال.

مصر جاهزة الآن  لرئيسة للوزراء. لدينا دستور يرسخ الحقوق المتساوية لجميع المواطنين ويجرم التمييز ضد المرأة ويدعو إلى إنشاء مفوضية مستقلة لمكافحة التمييز. لدينا وزيرات يقمن بعمل ممتاز، وبالتالي أعتقد أن البلاد مستعدة لأن يكون لديها رئيسة وزراء في الوقت الحالي، مع الأخذ في الاعتبار أن الرئيس السيسي مؤيد قوي لحقوق المرأة وهي فرصة جيدة للغاية.

س م: على الرغم من عدم شرعيتها وجهود الحكومة لمكافحتها، فإن جريمة زواج الأطفال البشعة ما زالت مستمرة حتى الآن في مصر. بصفتك مدافعة دائمة عن حقوق الطفل، هل تعتقدين أننا سنشهد يومًا تنتهي فيه هذه الجريمة؟ ما الذي يمكن فعله لوقف هذه الجريمة والقضاء عليها؟

مخ: زواج الأطفال هو عادة  نتيجة لحرمان الفتيات من حقهن في التعليم والوضع المتدني لحقوق الفتيات في بعض المجتمعات المحلية. حل هذه المشكلة يكمن في إصرارنا على توعية المجتمع بقيمة تعليم الفتيات كقيمة مضافة للمجتمع، والإصرار على تطبيق القانون واحترام الدستور وتطبيق القواعد القانونية لتجريم زواج الأطفال والذي يعتبر جريمة خطيرة بكل المقاييس.. إنها جريمة صحية واجتماعية واقتصادية وثقافية. جريمة تتسبب في ارتفاع نسبة وفيات الرضع والأطفال وكذلك وفيات الأمهات أثناء عملية الولادة ، الأرقام يجب ان تكون أقل بكثير لأن الخدمات الصحية في مصر مقبولة، ولكن زواج الأطفال يجعل النسبة أعلى مما ينبغي أن تكون. لذلك، يجب تطبيق القانون لمنع هذه الجريمة المشينة.

س م: خلال مسيرتك المهنية بوصفك دبلوماسية، كنتِ شاهدة على حدثين عالميين رئيسيين؛ انفصال جمهورية التشيك وسلوفاكيا، وتحول جنوب أفريقيا تحت قيادة نيلسون مانديلا. ما مساهماتك والدروس المستفادة، خاصة في جنوب أفريقيا حيث منحك الرئيس مانديلا وسام الرجاء الصالح؟

مخ: لقد شهدت تجربتين تاريخيتين مختلفتين تمامًا للتحول الجوهري، في جمهوريات التشيك وسلوفاكيا وانتهاء الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. الأول كان سلسًا جدًا ومتحضرًا، بينما كان الثاني ملطخًا بالدم، لأن السود في جنوب أفريقيا تعرضوا لمآسي وجرائم رهيبة ارتكبها نظام الفصل العنصري. تمت مكافأة الجهد الذي قمت به في جمهوريتي التشيك والسلوفاك بتعييني في جنوب أفريقيا في الوقت الذي كانت عيون وآذان العالم كلها تتجه الي جنوب افريقيا. لقد عملت باقصي طاقتي واجتهدت واستفدت وتعلمت، لأنه بلد كبير، له تراث غني وثقافة متنوعة. كان هناك العديد من قادة العالم يزورون هذا البلد، وكان البرتوكول يقتضي دُعوة السفراء المعتمدون في جنوب أفريقيا لحضور عشاء على شرف رؤساء الدول الزائرين، وكانت تسنح لنا الفرصة للحوار مع الرؤساء الزائرين بفضل سماحة مانديلا وتواضعه. لقد أُعجبت كثيرًا بالتطور في جنوب أفريقيا.

شهدت العلاقات بين مصر وجنوب أفريقيا مستويات غير مسبوقة من التطور. وقد كوفئت جهودي الدؤوبة عندما حصلت على وسام الرجاء الصالح. علاوة على ذلك، فان جائزتي الأكبر كانت علي المستوي الشخصي بالاقتراب من مانديلا الذي قال لي يوما “نحن نعلم مدى صعوبة عملك”. وادين له انه عندما زار مصر عام 1996، قال علانية في كلمته في مقر رئاسة الجمهورية امام العالم ووسائل الاعلام : “لولا جهود السفيرة مشيرة خطاب، لما وصلت العلاقات بين البلدين إلى هذا المستوى من التقدم”. بالنسبة لي، قمت بواجبي بدافع الحب والاحترام للبلدين، مصر وجنوب افريقيا . كنت دوما حريصة علي وضع بلدي في الصورة بكل قصة نجاح يمكننا التعلم والاستفادة منها.  واجتهدت في حسن تمثيل مصر فلدي كل من الجمهوريات التشيكية والسلوفاكية وجنوب أفريقيا في أوقات محورية في تطورها.

س م: الرئيس مانديلا أسطورة. كيف تصفينه؟ ما أكثر ما أثر فيك عنه/منه؟

مخ: الرئيس مانديلا شخصية فريدة وأسطورة حقيقية. لا توجد كلمات يمكن أن تنصفه. كلانا من برج السرطان. هو ولد في 16 يوليو وأنا في الثالث عشر. كنت أقول له مازحة إنني أكبر منك بثلاثة ايام، رغم أنني كنت أصغر منه بثلاثين عامًا. مانديلا عظيم بسبب علمه ومعرفته. باعتباره محاميًا، لديه أيضًا الوسائل للتعبير عن أفكاره بطريقة تكمن قوتها في بساطتها ،  هذه البساطة المشوبة بالشموخ  جعلته أقرب إلى الناس. كان قادرًا على التواصل الإنساني بدرجة كبيرة.

على الرغم من أنه كان يتمتع بمكانة قائد عظيم، فإنه كان شخصًا بسيطًا ومتواضعًا وحنونًا ولطيفًا في أعماق نفسه. ما أدهشني حقًا بشأن الرئيس مانديلا قدرته على إيجاد حلول بسيطة لمشكلات معقدة للغاية. إنها موهبة والمعنى الحقيقي للعبقرية، لأننا عندما نواجه مشكلات كبيرة ،تواجه عقولنا تحديات لدرجة قد تحرمنا من رؤية حلول بسيطة أمامنا؛ لكن مانديلا كان قادرًا على التوصل إلى أبسط حل. أخبرني ذات مرة أنه عندما دُعِي للقيام بزيارة رسمية إلى إندونيسيا، أصر على زيارة زعيم المعارضة في إقليم  تيمور الشرقية ، الذي كان يقضي عقوبة في السجن في ذلك الوقت. بفضل وساطة مانديلا، تم الافراج عنه ليصبح فيما بعد رئيسًا لشرق تيمور. علاوة على ذلك، عندما طلب منه الليبيون المساعدة في تسوية أزمة لوكربي، سألني عن جهود مصر في هذا الصدد للبناء على ذلك … لو كان أحد غير مانديلا لكان قد عمل وحده ليُنسَب الفضل بالكامل له.

س م: تم انتخابك رئيسا تنفيذيًا لمؤسسة “كيميت بطرس غالي للسلام والمعرفة” لتحملي مهمة الدكتور غالي في تحقيق السلام الدولي من خلال تعزيز التنمية وتوفير الاستقرار والأمان ومحاربة التطرف. ما رؤيتك للمؤسسة؟ ما الخطوات التي اتخذتِها لتحقيق رؤيتك؟

مخ: يشرفني حقًا وكلي فخر بانتخابي رئيسة تنفيذية لمؤسسة “كيمت بطرس غالي للسلام والمعرفة” واتيحت لي فرصة لفترة وجيزة لتنفيذ مهمة قدوتي الأسطورة بطرس غالي. رسالته لنشر المعرفة بهدف تحقيق السلام الدولي. كان غالي أستاذي الجامعي وقدوة لي، وكنت محظوظًا بأن أكون قريبة من زوجته ليا بطرس غالي، رفيقة حياته ومنارة الإلهام في هذه المؤسسة التي أنشأها مجموعة من طلابه. هم من أفضل الشخصيات في المجتمع المصري.

يضم مجلس الأمناء والمجالس الاستشارية كبار المفكرين ورجال الأعمال المصريين، في محاولة لتعزيز مهمة غالي الذي كان مصريًا حتى النخاع، أحب هذا البلد وآمن أن مصر في قلب العالم، ويجب أن يكون لها تأثيرها وأن تتأثر بالعالم. نعمل على بناء السلام من خلال نشر المعرفة. يخاف الناس من المجهول ولكن عندما يتعرفون على “الآخر” فإنهم سيتواصلون معه، حيث يُنظر إلى التنوع، في مثل هذه الحالة، على أنه إثراء. لذلك نحن نعمل على عقد مناقشات مائدة مستديرة حول القضايا ذات الاهتمام، والوصول إلى القاعدة الشعبية، والضعفاء والمهمشين، ومستعدون للنزول ومساعدة الفتيات في الحصول على تعليم جيد وحمايتهن من أي شكل من أشكال التمييز أو العنف.

س م: ما النصيحة التي تقدميها للفتيات وسيدات مصر؟

مخ: للفتيات والنساء المصريات، أقول إنهن قويات لأنهن حفيدات نفرتيتي وكليوباترا… أقول للمرأة المصرية: أنت قادرة وسوف تنجحين، فقط كوني واثقة بنفسك، واعملي بجد. تقوم النساء بمهام متعددة في الوقت نفسه. إنهن جنود وإذا آمن بما يفعلنه سينجحن… فآمنّ بالله، وابني صداقات وتحالفات، لا تصنعي أعداءً… بعض الناس يشككون في قدرات المرأة لمجرد أنها أنثى، لذلك عليكِ مضاعفة جهودك من أجل الحصول على ما يحق لكِ.

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

2 comments

أضف تعليق