الشرع المجمد! بقلم رشا سنبل

١٤ ديسمبر ٢٠٢٠
كتبت – رشا سنبل

رشا سنبل

كلما أراد أحدهم أخذ العربة للأمام خطوة، جذبها الآلاف للخلف، هذا حالنا في العديد من الأمور، تذكرت بعض المناقشات مع طالبة بكلية العلوم عن منهج الدراسة، فتكلمت بحسرة عن أنها متأخرة للغاية، وأن الفجوة التي بيننا وبين من يدرسوا نفس التخصصات بالخارج تصل لعشرات السنوات. تلك الحال ليست في كليات العلوم فقط، بل في كليات العلوم الإنسانية، والإجتماعية، والدينية أيضًا، فما زال يصر بعض العلماء أن يشرحوا تشريعات لديننا الحنيف بقواعد أُسست منذ ما يقارب الألف عام، أو يزيد، ويريدون منا الطاعة الكاملة لأمورٍ لا تتوافق مع حياتنا وعقولنا، مخالفين المنهج القرآني نفسه!

يتناسى البعض أن القرآن الكريم تنزل على رسولنا محمد صلوات الله وسلامه عليه فيما يقارب ثلاثة وعشرين عامًا، في تلك السنوات حدثت تغيرات طرأت على المسلمين وأحوالهم، مما جعل تطور القرآن في تشريعاته شيئًا منطقيًا، فتحريم الخمر كان متدرجًا على مدار سنوات، حتى أتت آية قاطعة، فكان تقبلهم العملي فوري، فلماذا يكون ذلك مغلق على الفهم في أمور أخرى عديدة مثل التحريم الكامل للمسلمين والمسلمات عن الزواج من المشركين بسورة البقرة الآية 221: ” لَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون.”

في وقت كان المسلمين قريبي عهد الخروج من مكة، ومازال كيانهم ينمو، كان منطقيًا أن يكون التحريم كاملًا، فآيات سورة البقرة نزل معظمها في السنوات الأولى من الهجرة، منها هذه الآية، ثم أتت آيات أخرى بعدها بسنوات، بعد أن أصبح للمسلمين كيانًا قويًا، واستعدوا للتعامل مع مجتمعات مختلفة عنهم، فنزلت آيات سورة المائدة، الآية الخامسة، وسورة المائدة نزلت في أواخر أيام الرسول، لتفتح الباب للمسلمين مع أهل الكتاب بتناول طعامهم والزواج منهم: “اليوم أُحل لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ.

أُحل للمسلمين طعام أهل الكتاب، لنا نحن المسلمين رجال ونساء، هذا ما حدث بالفعل، فلماذ يخص العلماء الزواج للرجال دون النساء؟ وقد سكت القرآن عن الاستطراد، فذلك الترك من القرآن عن التفصيل في بعض الأمور لرغبة الشارع في التفكر وتطوير الأمر حسب مقتضيات الزمان والمكان.

فلماذا الإصرار على تطبيق مغلق على علوم وأفكار زمن بعينه، دون تفكر في مقتضيات العصر، وتغيره، ودون اعتراف من أننا قد جمدنا علوم الشرع، ووضعناها دون تطوير منذ مئات السنين من غير العمل الجاد عليها، مثلما نفعل في كثير من العلوم! ولماذا ينبري الجميع للحديث دون التروي والبحث الجاد المحترم الذي يراعي تغيرات الزمن؟ لماذ الإصرار على إحراج المسلمات وجعلهن في طبقة متدنية عن الرجال، بسبب تشريعات قديمة، بل ويتوقعون منهن الرضى بما يقدموه من تفرقة واضحة تخالف المقتضى الإيماني بالمساواة، إن من أولى أقوال الرسول الكريم بعد نزول النور إليه أن الناس سواسية كأسنان المشط، فجر بها عليه صلوات الله وسلامه، نظامًا اجتماعيًا كان سائدًا بالعالم القديم أجمع، فعندما يطالب البعض بالتطوير والبحث والدراسة، فهو يطالب بالتأسي بالرسول الكريم ومنهج القرآن وليس خروج عليهما.

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

أضف تعليق