الهدية – قصة قصيرة كتبتها نوران شافعي

٤ يناير ٢٠٢١
كتبت نوران شافعي

مقدمة من الكاتبة: عندما قرأت عن مسابقة لكتابة قصة خيالية من 2000 كلمة حدثت في مصر القديمة، كان رد فعلي الأول هو تحدي نفسي، ليس مرة واحدة بل مرتين. هذه هي محاولتي الأولى لكتابة قصة قصيرة وباللغة العربية أيضًا. كان أحد شروط  المسابقة أن تتضمن القصة سحر، وبدأ خيالي يداعب فكرة الكاهن الأكبر، ولكن لم أتمكن من التوصل إلى اسم مناسب له. أخبرتني شقيقتي، وهي مرشدة سياحية لها خبرة كبيرة في هذا المجال،  عن اكتشاف حديث لمقبرة  واح -تي، بالإضافة الي 59 تابوتًا آخر في منطقة سقارة. وح- تي كان كاهنًا كبيرًا منذ أكثر من 4500 عام، وقد استعنت باسمه لقصتي الخيالية. بالرغم أني لم أفز في المسابقة، أنا سعيدة لأنني أثبتت شيئًا لنفسي. هذه هي قصتي وأتمني أن تنال إعجابكم.

الهدية – قصة قصيرة كتبتها نوران شافعي 

“واح-تي”

أنا الساحر

أنا الطبيب والمهندس والفلكي والشاعر

أنا العالِم الأوحد

أنا ممثل المعبود

أنا كاتم أسرار مليكتي

أنا كبير الكهنة

أنا كل هذا وأكثر، أنا “واح تي”، فكيف استطاعت تلك الغجرية أن توقع بي في شباكها،عيناها الجريئتان، وضحكتها البعيدة كل البعد عن البراءة، ولكنه القدر الذي طالما تحايلت عليه بسحري قد تخلى عني، هي لحظة ..  يسهو فيها العقل، فيهفو  لها القلب، جعلتني أتخلى عن نقائي، تخليت عن طهارتي، أغوتني فضعفت .. خنت العهد .. ولكن هل دنستني؟ كلا .. لقد أحيت في أحاسيسًا لم أكن أعلم أنها تختبئ في صدري.

بحثت عنها كثيرا، ولكن قومها كانوا من الغجر الرحالة.

عشت على ذكرى هذه الليلة لسنوات وسنوات إلى أن أتت إلى المعبد مرة أخرى ضمن من يقدمون القرابين للآلهة، لقد انطفأ البريق في عينيها ولكن نظرتها لي لم تختلف، كانت تصطحب فتاةُ صغيرة دون العشرة أعوام.

هذه ابنتك، صار عليّ الرحيل مرة أخرى، ولا أعلم إذا كان القدر سيسوقني إلى هذه الأرض مرة أخرى، ابقها معك تخدمك

تركتها وسط القرابين وكما ظهرت اختفت.

***

لا أستطيع أن أعترف بها، ولا يسمح ببقاء أنثى في سكني .. صارت حليقة الرأس بناءًا على أوامري، لباسها أصبح كأي صبي من خدام المعبد، سميتها “فيم” المحبة، اسم يقبل أن يكون لذكر أو أنثى، “فيم” أصبح خادمي الخاص المصاحب لي في كل خطوة وتلميذي الذي سرعان ما تعلم الكتابة والقراءة، كان ذكيًا لماحًا، تعلم من قومه الغجر فوائد النباتات والعقاقير والعزف على الناي، وتعلم مني شتى العلوم ولكن ما شدّه هو الفلسفة وفنون السحر.

مرت سنتان، اشتد عوده وزادت درايته وزاد علمه، لفت نظر مليكتي بقوامه المفرود وعينيه الكحيلتين المشعتين بالذكاء، تحدثت معه وأعجبت بعلمه ورجاحة عقله، وحينما سمعت عزفه على الناي حسبته سحرا، فلم يصل إلى أذنيها مثله من قبل.  دعته لغرفتها ليعزف الناي حتي يساعدها علي النوم، فقد كانت تعاني من الأرق خوفًا على كبيرها “ني-في”- الإبن الصالح- الذي طال غيابه، ولكنها هي التي أرسلته إلى فينيقيا ليتعلم فنون القتال عملا بنصيحتي.

أصبح “فيم” من الحاشية المقربة لمليكتي، يستخلص الزيوت من جذور النباتات التي يزرعها ويسقي مليكتي منها ليساعدها على الاستغراق في نوم عميق علي أنغام الناي.

تمضي سنتان أخريتان، لا أحد يعرف حقيفة “فيم”، فقد نجح في تخبئة أي مظهر للأنوثة بملابسه الفضفاضة، وربما بعقاقير أخري من صنعه، حتى أنني نسيت من يكون، علا شأنه وذاع صيته، ولم يعد ذلك الفتى الملازم لظلي، لا أكاد أعرف عنه شيئًا.

تعم الفرحة القصر، وصل المرسال مبلغا مليكتي أن “ني-في” في طريق العودة من فينيقيا. تقام الموائد ويزدان كل شبر في القصر، وحتى المرسى الملكي علي النيل حيث سوف ترسي بارجة أمير البلاد.

تقام الصلوات في المعبد حمدًا للآلهة، البهو يرن بصدى أصوات الكهنة، وأدخنة البخور المنبعثة من المباخر الألبستر  تحمل روائح الشرق. يتقدم موكب مليكتي وتبدو في غاية رونقها، يعلو رأسها تاج القطر، يليها في الموكب “فيم” ثم الوصيفات. أقف في إستقبالها لكي أباركها قبل أن يتجه موكبها إلى المرسى.

تدق الطبول، ويعلو صوت النفير .. تقترب السفينة وسط هتافات الشعب، وشيئًا فشيئًا تتضح معالم ركابها من حراس وجنود يقفون في ثبات وصرامة كتماثيل أسلافهم على  جدران المعابد. ما أن تستقر السفينة أمام المرسى حتى يصطف الحراس في صفين مفسحين الطريق لأميرهم. تزداد الهتافات ويترجل “ني-في” متجها نحو عرش مليكتي، ينحني له أفراد حاشيتها وبدوره ينحني ابنها و يركع أمامها، مقدما رمحه الذي ورثه عن أبيه، لقد أصبح صبيها رجلًا، وها هو الآن يقدم  روحه فداءا لبلده الممثلة في مليكتي.

***

“فيم”

أنا “فيم”

أنا المُحبة

ولدت إبنة لأمي وصرت ابنا خادما لأبي

فُرضت عليّ حياة لم أخترها، تحملت البعد عن أمي  وأنا في أحوج الحاجه إليها، كنت أتشوق لمعرفة أبي عن قرب، لم يضمني إلى صدره كما حلمت، بل قام بقص شعري الأسود الكثيف الذي طالما تباهيت به، أصبحت صورة مصغرة منه في الشكل والملبس، أحلق شعر رأسي يوميا كما يفعل، وأتلو وراءه الصلوات في المعبد. 

كان يومي يبدأ بالدرس وينتهي بالدرس، اللهم إلا الوقت الذي كنت أختلسه في جانب من حديقة القصر المطلة علي النيل، أزرع النباتات الطبية كما تعلمت من عشيرتي وأدون فوائدها على قصاصات من البردي. عرف عن عشيرتي أنهم سحرة أتوا من الشرق، ولكنهم في حقيقة الأمر سخروا معرفتهم بفوائد أوراق وزهور وجذور مختلف الأعشاب لنيل مرادهم، كما استخدموا سموم الثعابين ومخالب الطيور الجارحة وعيون الأسماك وشعر الحيوانات المفترسة .. وكان هذا كنزي .. المعرفة .. زائد زجاجة صغيرة كانت مدلاة بخيط طويل من عنقي، فيها خلاصة مركزة، نقطة واحدة منها على عشب مختار تحول فائدته من علاج لأي داء إلى ما يشل الأعضاء أو يسبب العمى أو الموت البطئ .. إنه العلم وليس السحر .. فالتعويذات ما هي إلا هراء وعبث. 

نسيت أنني أنثى حتى ظهرت العلامة الحمراء التي حذرتني منها أمي، فهي بداية علامات أخرى ستفضح حقيقتي، تغلبت على الأوجاع الشهرية بشرب بعض الجذور المغلية، لففت شريطًا طويلًا من الكتان وشددته حول صدري حتى اختقى تماما، وهكذا كنت أنام، فقد حذرني الكاهن الأعظم من أن يكتشف حقيقتى أحد، كنت أشكي آلامي للناي، الشيء الوحيد الباقي لي من أمي، أنين الناي يذكرني بصوتها، أعزف وتنسال دموعي حتي تجف. 

لا أعرف إن كان تقربي للملكة نعمة أم نقمة، فقد كان لزامًا عليّ أن أتقمص الشخصية  الذكرية طوال الوقت، كان صوتي هو العائق الوحيد، كنت أعزف الناى ولكن إذا غنيت كان صوتي يفضحني، حتى أنني لم أسلم من ذظرات الجواري وتلميحاتهم، فقد كنت الذكر الوحيد المسموح له بالتواجد في جناح الملكة. قمت بعدة تجارب منها أكل قرون الشطة حتى تحتقن الحنجرة فيخشن الصوت، ولكن لم تنجح على المدى الطويل، في النهاية استطعت التغلب على مشكة صوتي بإستنشاق مسحوق حبوب لقاح متطايرة كنت قد جمعتها وخبأتها في منديل حريري، فهي أيضا تلهب الحنجرة وتجعل الصوت أجش.

أغدقت عليّ الملكة بكرمها وعطفها، مسست منها جانبا طالما نجحت في إخفائه عن حاشيتها وشعبها، فبمجرد أن تخلع شعرها المستعار ومجوهراتها وزينته تصبح كأي سيدة عادية .. كأمي، أمي التي حرمت منها ..

كان دوري يتلخص كل ليلة في غلي ما استخلصته من جذور النباتات وتقديمه لها في الفراش، ثم العزف على الناي حتي تستسلم لسبات عميق.

كانت دائمة الحديث عن ابنها “ني-في” الذي طالت غيبته، أعلم أن لها ابنتان  تسكنان في قلعة حصينة في منف بعيدًا عن العاصمة “طيبة” ومكائدها، ولكن “ني –في” كان محور حديثها في كل مناسبة.

وها هو الآن ينحني أمامها بكل بهائه مقدمًا رمحه للملكة، أقف وراءها بخطوات، أكاد أن أشم عبق رجولته، يخفق قلبي لأول مرة، وأشعر بنار تؤجج وجنتي، يقف مرة أخرى بعد أن تستلم منه الرمح مادة يدها نحوي به، يرمقني .. ولوهلة تتشابك أعيننا قبل أن تحتضنه أمه .. وفجأة تذكرت أنني أنثى.

عشت في صراع بين ما أظهر وما أخفي، قمت بمهامي على أكمل وجه، ونجحت في إخفاء ما حاولت أن تبوح به عيناي كلما وقعتا على “تي –في”.

كنت أراقبه عن كثب كلما سنحت لي الفرصة فآلفته خليطًا غريبًا يجمع بين الصرامة وعذوبة اللسان، محبا لأمه، سريع الإلمام بأمور البلاد، التف حوله الوزراء فوجدوا من يستمع لهم ومن ثم ينقل آراءهم للملكة التي كان كل شاغلها تأمين بلادها بجيش قوي يحمي الحدود من هجمات الطامعين في خيرات أراضيها، وجهت كل الموارد لهذا الغرض وفرضت الضرائب القاسية فظهر على الشعب الفقر والإستياء.

ومن هنا بدأ الصراع بين الملكة والأمير، القديم والحديث، أمن البلاد وراحة الشعب، وكأن من المستحيل أن يجتمع الاثنان ..

وكان النقاش بينهما يشتد يومًا بعد يوم، عملت جاهدة على تهدئة الملكة كل ليلة كالمعتاد، صاحبتها كل صباح للمعبد، عسى أن يستطيع الكاهن الأعظم تهدئة روعها بالصلوات، لكني رأيت في عينيها عند وكبرياء لم آلفهم من قبل. 

لقد آن الوقت أن تفسح الطريق للمك الجديد، وهكذا بدأت أن أضيف نقطة من زجاجتي الصغيرة إلى  مستخلص الجذور التي كانت تحتسيها الملكة قبل النوم.

***

“واح-تي”

لقد غابت مليكتي عن زيارة المعبد لفترة طويلة على غير المعتاد، طرقت باب جناحها في كل أوقات النهار، جاريتها الخاصة تقول أن مليكتي نائمة ولا تجرؤ على إيقاظها .. هناك أشياء غير مفهومة .. “فيم” يبدو وكأنه شارد الذهن في كل الأحيان، لا يستطيع أن يفسر سبب نوم مليكتي طوال النهار ويقظتها ليلًا وهو المقرب إليها. ظننت أن مليكتي سيهدأ بالها بعد عودة الأمير “مي-في”، ولكن يبدو أن نقاشها الدائم معه أرهقها .. هو يبذل ما في استطاعته لإدارة شؤون البلاد، ولكن ليس لديه السلطة أن يأخذ أي قرار. 

مرت أيام وأيام على هذا الحال .. مليكتي لا تبرح جناحها، مررت تحت شرفتها في ليلة مقمرة وسمعت صوتها يعلو، دققت النظر فوجدتها واقفة فى الشرفة! يا إلهي لقد أفاقت، ولكن إلى من تتحدث؟ وماذا تقول؟ استرقت السمع ودمعت عيناى .. مليكتي كانت توجه كلامها للقمر، تارة بكلمات حب، وتارة أخرى بلوم شديد .. كانت مليكتي تهذي. 

أدركت أنها النهاية .. نهاية هذه العظيمة التي تولت مقاليد البلاد بعد موت ملكها، الجميلة التي تغنى بوصفها الشعراء، الذكية التى حافظت على أمن بلادها.

ما كانت إلا أيام وانعقد مجلس سري أخذ فيه قرار بوجوب تنازلها عن العرش لإبنها، وحتى إن لم تعي ذلك فالأمر قاطع وسينفذ .. 

توالت الأحداث بسرعة، فعلى الامير “ني-في” أن يتزوج قبل أن يتوج، والأمر محسوم، فزوجة المستقبل التي لم يراها منذ سافر إلي فينيقيا وحتى الآن كانت تقيم مع شقيقتها الصغيرة وحاشيتهما في ”منف”، الأميرة “تاي” .. أخته.

القصر مضطرب بين فرحة وحزن، والشعب لا يسعه إلا أن يأمل بالخير تحت قيادة الملك المنتظر الذي يقرر أن تعم الفرحة أرجاء البلاد باختيار يوم عرسه وتتويجه متزامنًا مع الاحتفال السنوي بوفاء النيل، تيمنًا ببركه الآلهة.

إستدعيت “فيم” لمقابلتي، لم تعجبني أحواله مؤخرًا، فبعد أن لمع كخادمي ومن ثم الجليس المقرب لمليكتي، لم يجد لنفسه مكانًا مرة أخرى في المعبد.

ـ “يا بني، حاولت بل نجحت أن أجد لك مكانًا ووظيفة حتى الآن، فهل تنكر ذلك؟”

ـ “كلا، سيدي”

ـ”وهل تثق في اختياري القادم لك؟”

ـ “نعم، سيدي”

ـ “ابنتي، نعم أنت ابنتي، أعطيك شرفًا تحلم به كل فتاة في القطر، تشهد الآلهة على ككبير الكهنة وخادمهم أنني لن أجد أفضل منك كهدية .. وبصفتي منوط بالقيام بهذا الاختيار، فقد اخترتك كعروس لنيلنا العظيم”

لم أدر ما يدور بذهنها ولكنها سرعان ما أجابت

ـ “أبي .. اسمح لي أن أناديك بذلك لأول وآخر مرة .. لي شرط واحد، أن أمضي آخر يوم لي مع الأمير”

ـ ”لك ما تطلبين، وشرطي أنا أن تفارقيه كما قابلتيه .. عذراء .. فالنيل يفيض غضبا ويُغرق ضفافه، أو يجف عندًا، وفي كلتا الحالتين تجوع البلاد ويسودها الفقر والمرض”

***

“ني-في”

أنا الشاب المحارب

أنا حامل رمح الملك

أنا وريث عرش مصر

أنا “ني-في”

عدت من فينيقيا وكلي أمل، متشوق لخدمة والدتي الملكة العظيمة في إدارة شؤون البلاد، لمست مشاكل شعبنا عن قرب في رحلة العودة من فينيقيا، حاولت إقناعها بتخفيف الضرائب وبالتالي العبء عن شعبها، ولكن إصرارها وعنادها كانوا سببًا في مشاحنات كثيرة بيننا أدت إلى مرضها .. تدهورت حالتها وأجبرت على التنازل عن عرشها لي، وها أنا أستعد لتولي مقاليد بلادي .. اليوم سأحمل لقب زوج وملك، شعبي ينتظر مني الكثير، وأنا أهل لهذه المهمة، أما الزوجة .. شقيقتي فكل ما كانت ترجوه هو لقب الملكة، ليس أكثر.

تقف بجواري الآن حيث يتمم “واح-تي” الكاهن الأعظم مراسم الزواج، لا أكاد أعرف عنها شيئًا، أختلس النظر إليها، لا أستطيع أن أميز ملامحها.. وجه مرسوم جامد المعالم، شعر مستعار، ملابسها تظهر جسد لا بأس به.. ولكن أين هي من هدية “واح-تي” التي هاداني بها بالأمس.. فتاة مكتملة الأنوثة، سحرتني بعينيها وجمالها الطبيعي.. لا مساحيق.. لا زينة.. ثوب بسيط يكسوها من أعلى رأسها وحتى قدميها، لا يكاد يداري مفاتن جسدها.. لمست ذكاءًا وأسرارًا مخفية في عينيها.. هذه ليست كأي جارية مرت على من قبل، أخذنا الحديث فبهرتني بعلمها ومعرفتها، أدركت أن وراءها قصة طويلة..

انتهت مراسم الزواج وبدأت مراسم التتويج، أجلس على عرش مصر العظيمة ويضع الكاهن الأعظم التاج الذي إعتلى رأس أبي وجدي، مرددًا القسم الذي رددوه من قبلي، داعيا أن أتقدم موفقًا، واثق الخطا في مسيرتي.

مأدبه تكفي لإطعام القطر بأكمله في انتظارنا.. ولكن الطعام معها بالأمس كان له مذاق آخر، أسترجع ضحكتها وأبتسم، وأفيق من غفوتي لأرى انسحاب عروسي مع حاشيتها إلى جناحها في انتظار أن ألحق بها بعد أن أخرج لشعبي وأحتفل معهم بوفاء النيل.

موكب كبير أتقدمه وأنا محمول على العرش متجها صوب النيل، تدق الطبول ويعلو صوت شعبي داعيًا لي بطول العمر، أتوسط المنصة محاطًا بكبار رجال دولتي. كبير الكهنة يعطي إشارة البدأ.

عشرون فتاة يعزفون آلات الهارب، يزفون عروس النيل إلي مركب يأخذها لأبعد نقطة عن الشط، وسط صمت يغطي المشهد يعلو صوت “واح-تي” بالصلوات والدعوات، تقف الفتاة بثوبها الأبيض على حافة المركب، تمد قدمها بلا تردد وتميل نحو مياه النهر الذي سرعان ما يبتلعها وسط هتافات الشعب.

مر اليوم بسلام ولا يبقي إلا أن أذهب لعروسي حتى يبارك ليلتنا الكاهن الأعظم، تركع بجواري لا أكاد أرى وجهها تحت شعرها المستعار، ينحني “واح-تي” ويتلو صلوات ويده فوق رأسي، وحينما يقترب منها تعلو وجهي ابتسامة حين تهمس في أذنه: “سلالتك سوف تحكم هذه الأرض يا أبي.”

تمت.


إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **



1 comments

اترك رداً على Abubaker Jandan إلغاء الرد