دينا حافظ | من خلال عدسة نسوية، تحرر التراث من رواسب الاستعمار

٢٠ يناير ٢٠٢١
كتبت ـ اليكساندرا كينياس
ترجمة ـ يارا حامد

سيدة اليشمك – دينا حافظ

دينا حافظ هي فنانة ومصممة معروفة بأسلوبها المميز في أعمالها الفنية المتنوعة التي تجمع الفن الحرفي، الفن الرقمي، تصميم الجرافيك، والتصوير الفوتوغرافي. يتناول فنها الحركة النسوية من منظور ثقافي وتاريخي. يتناول فنها من خلال عدسة نسوية تحرير التاريخ المصري من رواسب الاستعمار. تحاول دينا من خلال عملها معالجة المفهوم الخاطئ الذي فرضه علينا الغرب، والذي يستند إلى التصوير الفوتوغرافي “المستشرق”- في الفترة ما بين منتصف القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. ففي خلال تلك المائة عام، كان التصوير حكرًا على حفنة من المصورين الغربيين الذين كان هدفهم بيع صور مسرحية مصطنعة للحياة في الشرق للسائحين الأجانب 

تعمل دينا على تغيير هذا التمثيل بإعادة كتابة تاريخ المواد الأرشيفية الفوتوغرافية التي تمتلكها مصر لتلك الحقبة. وقد عملت دينا على ثلاثة مشاريع مختلفة حتى الآن. أحدث مشروع انتهت منه هو ” نساء يصعدن الهرم”، حيث استبدلت مجموعة من الرجال البيض بنساء مصريات. 

دينا حافظ

شغفها للعب بالخرز منذ الصغر نما وتطور على مدار السنيين حتى أصبح الخرز واحدًا من المواد التي تستخدمها اليوم في صنع بعض قطعها الفنية المستوحاة من التراث المصري، والتي تهدف من خلاله إلى الحفاظ علي هذا التراث. مشروعها “وجوه عير مألوفة” مبني على هوايتها في طفولتها، وهو عبارة معرض يضم سبع صور لنساء مصريات مجهولات الهوية، ومن خلال لوحات جذابة استخدمت لها تصميمات ملونة وخرز لامع، تسعي دينا إلى مناقشة علاقة المصريين بتراثهم وكيف يرتبطون به. 

وهي تعمل حاليًا على مشروع آخر قيد التنفيذ يُدعى ” اسمي هو” حيث تمنح أسماء وتختلق قصصًا حياتية لنساء مجهولات الهوية في صور فوتوغرافية قديمة. والقطع النهائية للمشروع مصممة يدويًا من خلال التطريز على القماش. 

حصلت دينا على درجة البكالوريوس من الجامعة الأمريكية في القاهرة وماجستير في إدارة الفنون والتراث من جامعة ماستريخت بهولندا. وتعمل منذ أكثر من ثلاثة سنوات من خلال الفن والحرف اليدوية على استكشاف مفاهيم الهوية، إنهاء الاستعمار، والنسوية. حاليًا، تعمل دينا كمتخصصة في واحدةً من أكبر مشاريع حفظ التراث الثقافي في مصر. وبالإضافة إلى كونها زوجة وأم، تعمل أيضًا كرائدة أعمال لماركة للمنسوجات والإكسسوارات المنزلية، “زاهية أرتيسنال.”    Zahya Artisanal

سيدات مصر: هل يمكنكِ أن تخبرينا أكثر عن سلسلة “اسمي هو”.

دينا حافظ: سلسلة “اسمي هو” تسعي إلى الاعتراف بوجود هؤلاء السيدات [في الصور القديمة] من خلال منحهن أسماء. عندما يربط الناس الوجوه بأسماء، تتحول النساء في تلك الصور من مجرد “أشياء” في صور إلى “أشخاص” لهم قصص. وآمل أن أيًا ممن سيشاهد تلك الصور، سيتفكر في تلك السيدات كأشخاص من الماضي يمكن أن تربطه صلة بهن. فتلك النساء عشن في نفس الوطن، وكان لديهن عائلة وأصدقاء. كن أمهات، أخوات وزوجات لهن أحلامهن وآمالهن، وأنا متأكدة أنهن كانوا سيُحببن أن تعُرف صورهن وحكايتهن.  

إسمي هو – تصميم دينا حافظ

وكيف من وجهة نظرك سيساعد هذا المشروع الفني في استعادة تراثنا؟   

تراثنا غالبًا ما كان يُروى بواسطة المستعمرين. وهذا المشروع في رأيي يساهم في استعادة جزء من هذا التراث لانك أنت تسترجعي شيء ما لك عن طريق استرداد ملكيته، وذلك من خلال سرد جانبك الخاص من القصة، والتوقف عن كونك متلقيا سلبيا لكل ما يُقال أو يُمنح لك. أنا أعمل في هذا المشروع لأنني أريد، ولأنني أستطيع، ولأن هذه الصور هي أيضًا جزء من تاريخي كمصرية. هذا الشعور بالمسؤولية لم يكن دائمًا موجود لدي، ولكنها رغبة ولدت وتطورت مع مرور الوقت. 

بصفتي سيدة حرفية، أفتخر بالعمل بيدي على القطع التي أصنعها. وعلى الرغم من أنه تم استبعاد الحرف اليدوية من عالم الفن لكونها “شيء نسائي”، الا ان هناك في مصر اهتمام متزايد بالصناعات اليدوية المعاصرة. فنحن في مصر لدينا تاريخ طويل مع الحرف بشكل عام، ولكن كصانعة حرف حديثة، فأنا مهتمة أكثر بتحديث التقنيات والتطبيقات التقليدية للحرف والخامات. 

سيدات مصر: هل بإمكانك توضيح كيفية ضياع التراث المصري بسبب الاستعمار؟

دينا حافظ: لقد تم استعمار التراث المصري وربما لازال (مستعمرا) إلى يومنا هذا، على الأقل جزئيًا. فالسيادة الاستعمارية بشكل أو بآخر لازالت موجودة في الحاضر أكثر من وجودها في الماضي. مبدئيا، التحرر من الاستعمار يشير إلى العملية التي خاضتها الدول المحتلة لتحرير أنفسهم من سيادة الاستعمار. ولكن اليوم، المصطلح أصبح أوسع من ذلك بكثير فأصبح يضم مطالب: فلسفية، أخلاقية، اجتماعية، روحانية، وحتى حقوقية ويشير هذا إلى أننا لا زلنا تحت رحمة الاستعمار فكريًا. فمفهوم مثل ” من يمثل هذا التراث؟”، من لديه القرار في تحديد أن هذا تراث وهذا ليس تراث، من يحدد كيفية إسهامنا في تجديد تراثنا بالقصص والمصادر التي تمت محوها منه بشكل منهجي؟ جميع تلك الأسئلة عالمية ولا تقتصر على السياق المصري فقط. ومع ذلك، يقتصر النقاش في مصر على عدد قليل فقط، لأسباب عديدة خارجة عن نطاق هذا المقال. ولكن على العموم، طرح الأسئلة وحتي مع عدم ضرورة وجود إجابات لها، يعد بداية جيدة. في الوقت الراهن، خلق الحوار وإشراك جميع أفراد المجتمع هو السبيل للمضي قدمًا. فالفن هو أحد الطرق لإثارة فضول الناس وخلق مساحة لوجهات نظر وروايات متعددة. 

 سيدات مصر: لماذا في رأيك كان المصورين في مطلع القرن مفتونين بنساء الشرق؟ 

دينا حافظ: كان هناك اهتمام متزايد في النصف الثاني من القرن الـ 19 بمنطقة الشرق الأوسط عمومًا، ومصر والاردن وسوريا والقدس خصوصًا. إنه افتنان الغرب “بالآخر”، “بالغريب”. وقد أشبع المصورين الأجانب هذا الاهتمام و الهيام بما يسمي ” التصوير المستشرق.” ففي مصر، كان لدينا الأخوان اليونانيان زنككي، والفرنسيون فيليكس بونفيس وإميل بشارد، والإيطاليان أنطونيو بيتو ولويجي فيوريللو، والتركي من أصل كردي باسكال سيبا. وكانت صورهم تستهدف زبائن معينة وهم: العدد المتزايد من السياح الأوروبيين والأمريكيين الذين يزورون مصر. وبإستثناء أعمال فيوريللو، فإن معظم الصور التي تم التقطها في ذلك الوقت لم تكن بغرض التوثيق بقدر ما كانت لأغراض تجارية. فتقريبًا معظم الصور تم تصويرها في الاستوديوهات أو خارجها. 

تصوير المصورون للحياة في ذلك الوقت عمد إلى نشر الصور المبتذلة التي تسيء إلي كامرأة وكمصرية. وهذا الإبتذال في تصوير المرأة المصرية هو الذي أهتم بتغييره. فالصور تفتقر للعمق ولا تنطوي على تمثيل حقيقي لأحوال المرأة المصرية في ذلك الوقت. كانت النساء كالعرائس التي يتم التحكم بها على خشبة المسرح. فقد تم تصويرهم إما بطريقة جنسية معينة لتأكيد تخيلات الغرب “للحريم” أو تصوريهم على أنهم أشياء غريبة ترتدي ملابس تقليدية ويقفن خلف المشربية أو يرتدين الحجاب. ويجب علينا أن نذكر أن النساء في ذلك الوقت لم يكن مسموح لهم بالتحدث مع رجال غرباء وبالتأكيد المصورين الأجانب. لهذا السبب اضطر المصور إلى اللجوء لخياله و [الاستعانة بسيدات تسمح لهن ظروفهن بالتصوير]ه. 

من السهل جدًا أن تقع فريسة لجاذبية تلك الصور وأن تشعر بحنين يغمرك للماضي . لذلك، أجد أنه من الضروري تشجيع الناس على التفاعل مع تلك الصور بشكل تحليلي. ولا مشكلة في أن تكون رومانسيًا فيما يتعلق بالمشربية والعربات الكارو ، طالما يدرك المرء الصورة الكاملة للحياة بعيدا عن تلك اللحظة التي تم التقاط الصورة فيها.

سيدات مصر: لماذا في رأيك تناسى بعض الناس أصولهم وثقافتهم، حتي أن هناك البعض ممن يحاولون أن يتماهوا مع ثقافات غربية أخري غير ثقافتهم الأصلية؟ وكيف يمكن وقف ذلك؟ 

دينا حافظ: هناك رأيين عندما يتعلق الأمر بالجذور والهوية في عالم جديد منفتح. الرأي الأول يؤمن بأنه كلما أصبحنا أكثر انفتاحًا، كلما أردنا أن نتماشي أكثر مع الثقافة الغربية وأن هذا الاهتمام بمحاكاة الثقافة الغربية سيقودنا في النهاية إلى التخلي عن ثقافتنا وتقاليدنا وتحولنا إلى “مواطنين عالمين”. أما الرأي الآخر فهو النقيض، فهو يرى أن انفتاحنا على العالم سيرجعنا مرة أخري إلى تراثنا وتقاليدنا. أنا أؤمن بالتوازن بين هذا الرأي وذاك. فالتكيف مهم للبقاء وكذلك أيضًا فهمنا العميق لشخصنا وهويتنا. فأنا أرى الجذور كالأرواح. إنها تمييز لهويتنا. وأنا فخورة جدًا بكوني مصرية. وتعريفي الخاص لما تعنيه “مصري” يخصني أنا وحدي. وأنا ممتنة للانتماء لمثل هذا البلد ذو التاريخ الغني والتراث الثقافي الهائل. وأحتفي بذلك في جميع التصاميم التي أصنعها. وسواء أكان ذلك العمل وسادة أو عمل فني ما، فإنها جميعًا تحكي قصة وتبدأ حوار.

في عام 2011، عندما بدأت في صنع التصميمات ممزوجة بصور من مصر القديمة أو من تاريخنا الحديث، قال لي بعض الأصدقاء “ولكنه لا يوجد أي سائحين الآن، من سيشتري عملك؟” وهذا صدمني فعلًا لأن السياح ليسوا الفئة المستهدفة الأساسية لأعمالي، هدفي الأول والأخير هو المصريون. وهذا بالضبط ما أسعى إلى تغييره؛ فكرة أن تراثنا ليس لنا. فلقد أصبحنا بعيدين جدًا عن ماضينا لدرجة أننا أصبحنا نراه كسلعة للأجانب. بدأت من حينها ببيع قطعي الفنية ومعظم زبائني مصريون. وأشعر بالسعادة العارمة حين يبدأ الناس في الانفتاح على وجهات نظر وإمكانيات جديدة. وعلى غير المتوقع وعكس الشائع، فإن التراث ليس متعلق في المقام الأول بالماضي، بل بالحاضر. فالتراث يستخدم عظمة الماضي لإرساء أسس العلاقات الاجتماعية والثقافية الحالية.

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

أضف تعليق