في شهر المرأة العالمي: «حلم النسوية يبدأ من المنزل» | سلمى محمود

٨ مارس ٢٠٢١
كتبت – سلمى محمود

(Shutterstock/File)

«نشأتها كانت ذكورية أما نشأته فلم يغلب عليها النسوية قط»، في منزل بسيط تربت «هي» رفقة أخ يصغرها بِعدة سنوات، العمر كان الامتياز الوحيد الذي حظيت بهطوال حياتها ولكنه كان امتيازًا صوريًا، ميزة على الورق فقط لم تنصفها يومًا في معارك الدفاع عن حقوقها المهدرة، أما «هو» فرغم كونه سُلب عنوة من ميزة العمر إلا أن الأسرة والمجتمع منحوه عدة امتيازات أخرى كتعويض عن خسارته، امتيازات جعلته يتفوق في كل شيء أخر تقريبًا، فهكذا هي الحياة في مجتمعنا الامتياز للأنثى أمامه ألف خسارة أما الخسارة للرجل تأتي مقابلها مكاسب عدة!.

عاشت «هي» حياة صارمة عنوانها الأوامر والرفض والتبريرات، ُحرمت من أبسط حقوقها بحجة أنها فتاة، فُرض عليها السمع والطاعة وقول «حاضر ونعم» على كل شيء، لم يكن مسموحًا لها بالخطأ أو التجربة فالخطأ للبنت يساوي فضيحة ستنال من سمعتها وسمعة عائلتها، مُنعت مما حُلل بسهولة لأخيها الأصغر سنًا «لأنه ولد وهي بنت» تلك الجملة التي يأتي بعدها سلسلة لا تنتهي من القيود والمحاذير لها، والعكس من التبريرات والمباحات له، تم حصرها من قِبلهم في سلسلة أدوار نمطية قيل أنها تناسبها وأنها خُلقت خصيصًا لها، تعلمت الصمت لأنه من شيم الفتاة الصالحة والخوف من كل شيء؛ فالأنثى دائما ضعيفة أما القوة فتلتصق فقط بمَن يحمل صفة رجل. تعلمت أيضًا أن تعاني ليعيش من حولها في رفاهية، فالمعاناة صفة أنثوية أصيلة. كل ذلك أدى إلى طريق واحد وهو الكراهية، ليست كراهية الأشخاص، إنما كراهية نفسها وجسدها وكونها أنثى من الأساس!.

أما «هو» فعاش حياة ذكورية خالصة لا تختلف كثيرًا عن الحياة التي يعيشها نسبة كبيرة من الرجال في مجتمعنا، زُرعت بداخله بذور الذكورية السامة منذ نعومة أظافرهوبُثت في عقله سموم الأفكار المُحقرة للمرأة، لا يبكي لأن البكاء صفة أنثوية تنم عن الضعف وهو لا يحب أن يُوضع في سلة واحدة مع كائنات تتسم بالضعف، يُحلل له ما يُحرم عليها لأنه «ولد وهي بنت» ورقة سحرية يعلم أنه سيربح بها الكثير من معاركه فيما بعد، لا يقوم بأبسط الواجبات المنزلية لأنها بالطبع حكرًا خاصًا على المرأة،حصل منذ يومه الأول على رخصة تصنيف النساء والحكم عليهن والتدخل في شؤونهن وكأنه واصيًا عليهن حتى لو كان أصغر منهن سنًا!، باختصار عرف معنى الحقوق والامتيازات لكن لم يدري يومًا معنى الواجبات!.

هذه واحدة من القصص التي تنقل لك تجربة حية واقعية لما يحدث داخل منازل نسبة لا بأس بها من الأسر في مجتمعنا، إذ يستمر بعض الآباء والأمهات في إتباع طرق التربية العتيقة المأخوذة من الأجداد والجدات بكل مساوئها ونتائجها السلبية دون أن يعتقد معظمهم بأن هناك ثمة شيء خاطئ في نمط التربية من الأساس فهذا ما وجدنا عليه ابائنا وأجدادنا وسيتوارثه الأجيال من بعدنا، ولا يستفيقون حتى عندما تصيبهم سهامهاهم أنفسهم قبل غيرهم، حينها بدلاً من مواجهة أنفسهم ومحاولة إصلاح ما تم إفساده يبدأون في إلقاء التهم على الأخرين وينسون أنهم المتسبب الأكبر في تلك المشكلة، أما البعض الأخر فيخشي الخروج عن النمط المألوف في التربية والسير عكس التيار حتى لو كان عكس قناعاتهم خوفا من «مقصلة» المجتمع.

دائمًا أؤمن بمقولة «من شبّ على شيء شاب عليه»، فمَن تربى في بيئة سوية متعاونة يحترم أطرافها بعضهم البعض، وتم إرساء مبادئ المساواة وعدم التفرقة والاحترام والحب والمشاركة بين جميع الأطراف، أتوقع أن ينشا بفطرة سوية وسليمة. أما على الجانب الأخر فيمكنك تخيل ما تفعله التربية الذكورية بالأبناء، فالطفل الذي تربى وسط أسرة لا يحترم فيها الزوج زوجته ويتطاول عليها ويقلل من قدرها، سيفعل الشيء ذاته مع زوجته وربما بطريقة أسوأ. أما مَن نشأ على تصنيف النساء وإصدار الأحكام سيكبر ليصبح واحدًا من تلك النماذج التي تترك التعليقات المسيئة على صفحات التواصل الاجتماعي، أو مَن يكتفون بالمشاهدة عند تعرض أحدى الفتيات للعنف أو التحرش بدلاً من مجاولة مساعدتها. وأيضًا مَن كبر وهو يسمع عبارات مثل «مفيش راجل بيعيط»، «استرجل ومتبقاش زي البنات» وغيرها سيتحول في المستقبل إلى نسخة جافة المشاعر، جاحدة لا تُقدر ظروف ومشاعر حتى أقرب الأشخاص إليه. أما مَن تعود على الاتكالية في سن العاشرة لا تنتظر منه أن يتغير في سن الثلاثين بل سيبقى الحال على ما هو عليه. وأخيرًا مَن نشأ في أسرة تشجع العنف والتحكمات يمكنك ببساطة أن ترى فيه ذلك الأب المستبد والأخ المتحكم والزوج القاسي!

نفس الشيء على الجهة الأخر فالإناث التي تربت في نفس الظروف تفشل الكثير منهن في الخروج من القوالب الذكورية فتجدها تعيد الأدوار مرة أخرى بنفس الصورة، فالابنة المضطهدة تكبر لتصبح أمًا تضطهد ابنتها بنفس الطريقة، ومَن تم تضييق الخناق عليها في صغرها ستفعل الشيء ذاته عندما تتاح لها الفرصة، ومَن تربت على تصنيف النساء والتمييز بينهن رغمًا عنها ستتعامل بشكل سلبي مع كل مَن تسير عكس تيار شكل وطبيعة الحياة التي نشأت عليها، ومن نشأت على حصر المرأة في نمط وأدوار معينة، ستكبر لتنتقد كل مَن تفكر في الخروج عن هذا النمط وتوزع الاتهامات عليهن دون وعي!.

يؤمن البعض بأن الفطرة السليمة تربح دائمًا، وأؤمن انا أن التربية الصحيحة هي أساس الفطرة السليمة، فلا أحد منا يولد حاملاً كتاب النسوية أو الذكورية، لكن ما تربينا ونشأنا عليه داخل منازلنا وما اكتسبناه في أعوامنا الأولى هو أساس كل شيء؛ نعم المجتمع والاصدقاء والأعلام وكل هذا يلعب دورًا هامًا في تشكيل سلوكياتنا وربما أحيانًا تحويلها في مسار أخر مغاير لما نشأنا عليه .. لكن كما يقولون الفطرة السليمة رهان ناجح دائمًا!

لذا أوجه حديثي للوالدين وخاصة الأم في شهر المرآة العالمي، بأن تُلقي كافة الأفكار المغلوطة عن التربية خلف ظهرها وألا تقع في فخ الذكورية السامة، وأن تربي ابنائها تربية سوية مبنية على العدل والمساواة والحب واحترام الأخرين دون تفرقة أو تمييز. عليها أن تعلم ابنائها الذكور كيف يعاملون النساء بشكل صحي وإيجابي، يؤمنون بأن لهم حقوق وعليهم واجبات، لا يعرفون للعنف طريقًا، بل يحاولون ردع مَن ينتهج السلوك العنيف والمؤذي ضد النساء. اجعليهم فخورين بك وبأخواتهن وزوجاتهن وبناتهن وبأي أنثى تحقق إنجازًا حتى ولو كانت أكثر نجاحًا منهم. علميهم إظهار مشاعر الحب والخوف والرضا فكلها مشاعر طبيعية لا تُفرق بين ذكر وأنثى. أكدي لهم أن الحياة مشاركة وليست مغالبة وإنه لا يجب إصدار الأحكام على الأخرين والتقليل من شأنهم بأي شكل. أحميهم من بذور الذكورية السامة واصنعي منهم أشخاص أسوياء. وأخيرًا علميهم أن مناصرة حقوق المرأة لن تنتقص من قدرهم بل ستعلي من شأنهم وتجعلهم أشخاصًا أفضل.

أما الابنة فأهم درس لها هو أن لا فارق بين «ولد وبنت»، فالخطأ خطأ على الجميع والصواب. كذلك علميها أيضًا حب ذاتها وألا تخجل من كونها «أنثى». اصنعي منها فتاة إيجابية، قوية، طموحة تؤمن بحقوقها ولا تتوان عن إنجاز واجباتها، تساند رفيقاتها وتقف بجوارهن، تشارك في صنع القرارات ولا تكن متفرجًا صامتًا. كوني لها الجمهور الأول والسند والداعم الأكبر. آمني بها وبأحلامها. أظهري لها فخرك واعتزازك بكل نجاح تحققه وكل تجربة صعبة تخرج منها أقوى. امنحيها الحب والحنانوأكدي لها لأي درجة تجعل عالمك أفضل. اكسبيها كصديقة ولا تخسريها كابنة!

أخيرًا اصنعي بتربيتك نسخًا إيجابية تحمل لواء الانسانية قبل النسوية .. وتذكري أن كل شيء يبدأ من المنزل!.

31530792_2118869535025007_2375980014135934976_n
سلمي محمود

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **




1 comments

أضف تعليق