متى يتحول الستر لجريمة! بقلم رشا سنبل

١٦ مارس ٢٠٢١
كتبت : رشا سنبل

رشا سنبل

قامت الدنيا بعد جريمة هتك عرض طفلة، انتشرت على صفحات الفيس بوك، تم استدراجها من قبل شخص بالغ عاقل، تظهر عليه أمارات الاحترام، أعطى الطفلة بعض الحلوى، كشف عن ملابسها، حتى استوقفته سيدتين شهتدا الموقف من خلال كاميرات مراقبة، من أمام معمل التحاليل الذي تعملان به، ثم وضعت أحدهما المشهد كاملًا على صفحتها، انتشر الخبر بسرعة كبيرة، وسارعت جهات الأمن بالقبض على المجرم خلال ساعة واحدة! بينما تشير بعض الأمور لكثير من التفاؤل، ثار لغط غريب غير مفهوم على الشاشات، أين كانت أمها! لماذا لم تستنجد الطفلة بأحد ما! لقد كانت مستسلمة تماما له! لماذا فضحت السيدتان الرجل، كانتا صرفتاه وانتهى الأمر، كان عليهما ستره! وملئت الدنيا الأحاديث والآيات تذكرنا بالستر وعدم الفضيحة، فلهذا الرجل أسرة وأطفال، ولو رأيت الفضيحة بعيني لسترتها بردائي، فإن مذياع الفاحشة كفاعلها كما قال الإمام علي، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب الآخرة، ومن ستر على مسلم، ستره لله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد، ما كان العبد في عون أخيه” رواه مسلم! 

الستر من أصول تفكيرنا وتكويننا المصري المرتبط بالدين، أقباط، ومسلمين، لكن عن أي ستر نتحدث!  لماذا لا نتستر على القاتل، ومرتكبي الجرائم بشكل عام، نوبخهم ثم نصرفهم لعلهم يتوبوا إلى الله، ولماذا لا يستر أحدهم غيره، حينما لا يستطيع دفع دينه، أو ثمن إيجار شقته، ويصرف بعض الأموال من بنك الستر، هذا عبث، وفساد كبير، قال ابن عبد البر أن الستر أولى بالمسلم على نفسه! ذلك المراد بالستر( الستر على المسلم إن وقع في معصية، شريطة ألا يعلنها، ويجهر بها) 

 كثير من المصريين يروا أن التحرش ليس بالحدث الضخم، أو ذو أهمية، وبالتالي فغض النظر عنه أولى، وكأن أحدنا هش ذبابة من على أنفه ببساطة، لكنه لا يسأل نفسه ولو للحظة ما تأثير ذلك النفسي أو السلوكي على الطفل أو الطفلة، لأن التأثيرات عنيفة، قد تصل لكراهية الذات والرغبة في الانتحار، ويختلف الأثر الذي يسببه التحرش على نفس الطفل/ة باختلاف عوامل كثيرة، منها  درجة التكرار للتعرض للتحرش، فكلما ازادات عدد مرات التحرش ازداد معه التشوه في شخصية الطفل/ة، من الأضرار النفسية التي يتعرض لها عدم الثقة بالنفس والآخرين، الشعور بالقلق الدائم، لوم النفس، جلد الذات، ومن الجدير بالذكر أنّ المجتمع يُسهم في زيادة حدة هذه الآثار حينما يُلقي اللوم على الطفل لأنّه لم يَحْمِ نفسه أو أنّه لم يتحدّث عمّا حدث معه منذ البداية، فنجعله متواطئًا في الجرم مع المتحرش، فيفقد الطفل/ة الثقة في الأسرة، والمجتمع، فينشأ الطفل/ة بشخصية مهزومة ومهزوزة. ومن الأمور الهامة العلاقة بين المتحرش والمجني عليه/ها، فكلما زادت درجة القرابة ازداد سوء الأثر النفسي، فلو كان أحد الوالدين أو الأقرباء أو المعلم، أو المدرب بالنادي.. فهذا يسبب صدمة نفسية، وشعور بالاغتراب، مما يترك أضرارًا أكثر عمقاً من المتحرش الغريب، ويضطرب مفهوم الطفل/ة عن الأسرة، والمجتمع، فيصبح لديه/ها تشوه في المعايير الأخلاقية، وعلى غير المعتقد فإنّ التحرش بلطف قد يترك أثرًا نفسيًا أكبر من التحرش العنيف؛ لأن الطفل/ة يصاب بحالة من الارتباك والشعور بالذّنب الشديد. 

أما التأثير السلوكي للتحرش على الطفل/ ة عند التعرض للتحرش، خاصة حينما يكتم الأمر عن والديه، يولّد التحرش الشعور بالخجل، لذا يتّجه الطفل إلى الابتعاد عن من هم حوله حتى لا يظهر عليه آثار التحرش، وأيضًا رغبة منه بالاختلاء بنفسه، كما يولد التحرش الشعور بالغضب فيؤذي المقربين منه بسهولة وبسرعة من دون أي تفكير، خاصة لو كانوا أصغر سنًا منه، الرغبة في الغياب المتكرر عن المكان الذي يتعرض له الطفل/ ة للتحرش، المدرسة، النادي، المسجد، الكنيسة.. إيذاء الذات، يلجأ الطفل المتحرّش به إلى إيذاء ذاته بشكل متكرر، وقد يصل ذلك إلى الانتحار رغبة منه في إنهاء هذه المعاناة!

التحرش، والتعدي الجنسي ليس بالأمر الهين، فنحن  نتكلم عن خلق أطفال مشوهين، ذو نفسيات وسلوكيات مليئة بالغضب، والحقد، والكراهية، والكيد، وهدم الذات، فالتحرش جريمة عنف ضد الآخر، ولا ينبغي علينا الستر عمن يفسد في مجتمعنا، ويعرض أطفالنا لأمراض لا حصر لها تحت سقف دعاوي فاسدة، بل يجب عقاب هؤلاء عقاب رادع، فهم يسرقون براءة اطفالنا، ينتهكون سلامهم النفسي والجسدي.

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

أضف تعليق