لماذا يرفض الرجال في مجتمعاتنا العربية إعلان نسويتهم؟

٥ يونيو ٢٠٢١
كتبت | سلمي محمود

(Image via Everyday Feminism)

طرح أحد المستخدمين على منصة ريديت ((Reddit سؤالاً يبدو إنه ظل طويلاً يبحث عن إجابة له دون جدوى أو نتيجة، لذا قرر مشاركته مع الأخرين لعله يجد ضمن إجاباتهم ما يُرضي فضوله ويريح عقله.

كان السؤال هو “لماذا لا يرغب الرجال خاصةً في مجتمعاتنا العربية في إعلان نسويتهم حتى وإن كانوا مساندين للحملة وداعمين لها بشكل كبير، لماذا يرفضون الانضمام إلى رَكب النسوية وينددون بها وبأفكارها على الملأ وأمام الجميع بينما يدافعون عن أفكارها ويؤيدون مبادئها في الخفاء؟”.

ربما دار هذا السؤال في أذهان الكثيرين من قبل لكن إجابته دائمًا ما كانت تمثل شيئًا مبهمًا، غامضًا أو على الأقل لم يرغب أي شخص في قولها “صريحة” لأسباب عِدة تم تناولها خلال النقاش الذي أمتد طويلاً وكان مدججًا بالإجابات التي دارت معظمها حول الخوف من الوصم بعدم الرجولة أو الاتهام “بالدياثة” أو استغلال الأمر لاصطياد الفتيات. ..أتفق  البعض علي هذه الإجابات، أما البعض الأخر فاعتبروها ضد المنطق والعقل بل وتجني وافتراء وسرد وقائع ليست حقيقية بالمرة.

في النهاية رغم الاختلاف أعتقد أن الإجابات أرضت فضول الجميع وكشفت لهم حقائق واضحة ربما لم يعلموا بوجودها من الأساس أو لم يعيروها اهتمام قط!.

نسوي أم ديوث؟

ضمن سلسلة الأحكام الممنهجة والإرهاب المجتمعي الذي يُمارس ضد أي رجل مختلف عن الصورة النمطية للرجل الشرقي في مجتمعاتنا العربية دائمًا نجد كلمة “ديوث” تتصدر القائمة والمشهد بأكمله، فبالتأكيد صادفت تلك الكلمة كثيرًا لدرجة شعرت معها وكأن العالم أكتشفها حديثًا أو تمت إضافتها إلى قواميس اللغة مؤخرًا.

يُعرف الرجل الديوث في قاموس لغة المجتمع الشرقي بأنه الرجل الذي يخالف الفطرة الشرقية المتعارف عليها في مجتمعاتنا العربية، شخص يتقبل الاختلاف والأفكار المعارضة لمبادئه وأراءه، يسمع ويناقش ويعرض رأيه باحترام وود دون توجيه مسار الحديث تجاه التقليل من الجنس الأخر أو إنهاء الحديث مستخدمًا الكليشيهات الذكورية المعتادة، يحترم قرارات النساء في حياته، يدعمهن، يساندهن ولا يتدخل في اختيارات حياتهن، يعترف بكيان المرأة وأهمية وجودها، يفرح بإنجازاتها ولا يقلل منها وأيضًا لا يحاول توجيه أصابع الاتهام إليها كلما حققت إنجاز يعلم كامل استحقاقيتها له، يدافع عن حقوقها ويدعمها حتى لو كان مقابل تلك الحقوق التخلي عن بعض الصلاحيات والمزايا التي منحها المجتمع له، يرفض إتباع أساليب العنف بل ويحتقر مَن يتبناها ويدعمها!، يعترف بالحقوق والواجبات المتساوية ولا يتنصل من مسؤولياته بل يتحملها كاملة دون تأفف أو تذمر.

فبينما يحتفي البعض بنموذج الرجل الصارم عدو المرأة والحريات، داعم العنف والقسوة الذي لا يتوانى في إيذاء النساء من حوله وتنغيص حياتهن وتقييد حريتهن وقمع رغباتهن وطموحهن تحت ستار الدين والعادات والتقاليد والأخلاقيات المزعومة والأخر الذي يلتهم حقوق النساء ويسوق لذلك مئات الحجج التي تبرر أفعاله، أو يتنصل من مسؤوليته ودوره كزوج أو أب أو تحت أي مسمى، وغيرها من تلك النماذج التي يفترض أن يلفظها المجتمع، لكنه بدلاً من ذلك يضعها على رأس قائمة الفرسان بل ويمهد الطريق لفرض تلك الصورة بانها النموذج الطبيعي للرجل الشرقي، أما غير ذلك فيجب أن يتم رجمه حيًا والتنكيل به لفظًا وفعلاً.

في المقابل تجد كمًا لا بأس به من التعليقات الغاضبة التي تتهم شخص بآنه “ديوث” ويحاربون لنزع صفة الرجولة منه فقط لآنه يحتفي بزوجته “الغير متوافقة مع الكود الأخلاقي لهم” لتحقيقها إنجاز ما، أو يدافع عن حقوق السيدات في أي قضية جدلية معتادة، أو يرفض بخس حقها أو يعترف بحقيقة سلبية عن بني جنسه لطالما حاولوا نفيها!.

لذا فالخوف من الرفض المجتمعي والاتهام “بالدياثة” يُعتبر على رأس قائمة الأسباب التي تدفع الرجال إلى إخفاء هويتهم النسوية في العلن حتى وإن كانوا يساندونها قلبًا وقالبًا في الخفاء!. فمَن سيدخل تلك الحرب التي حتمًا سيخرج منها خاسرًا رجولته ونفسه والجميع من بني جنسه، بل وقد يُحاسب كل يوم على ذنب لم يرتكبه.. مَن مجنون سيقف بوجه الطوفان وحيدًا ويتوقع أن ينجو منه!.

الخوف من فقد اليد العليا

“الست طالما مسكت فلوس في إيديها مش هتعرف تلوي دراعها تاني” سمعت تلك الجملة من أحد الأشخاص خلال ما يسمى “بجلسة صلح”، وعلى الرغم أن الجلسة يفترض أن يكون غرضها الأساسي تصفية الأجواء إلا أن المشهد حينها كان يبدو أقرب إلى كواليس عرض جديد للمصارعة الحرة، تحديدًا هذا المشهد عندما يقف الكل وراء المصارع ويتسابقون على حشو عقله بالأحاديث السامة التي تجعل الدم يغلي في عروقه وتحفزه على الانتقام من منافسه وإشباعه ضربًا حتى ينتهي كل شيء ويفوز بتلك المعركة.

المؤسف حينها أن هذا الرجل  لم يكن من ضمن هؤلاء الرجال أصحاب العقلية الذكورية المنغلقة إنما كان داعمًا لحقوق المرأة ومبادئها إلى حد كبير، لكن ما حدث في جلسة “إشعال الأمور” تلك هو ما يحدث في الواقع المؤلم، فمن خلال مبدأ “الزن على الودان” يقرر المعارضين للنسوية بث سمومهم في وجوه كل مَن يتبني أفكارًا نسوية تعارض الصورة النمطية للرجل الشرقي. 

القصة دائمًا تبدأ منذ الصغر إذ يتربى الكثير من الرجال على احتقار النساء والتقليل منهن من جانب وممارسة الوصاية عليهن من جانب أخر، حيث يتم حشو عقولهم من اليوم الأول من خلال الآباء، الأهل والأصدقاء وأحيانًا بمساعدة النساء أنفسهم، بأفكار سامة تتعلق دائمًا بالاستحقاقية المطلقة وكونهم الطرف الآمروالناهي والمتحكم في كل شيء يخص نسائه بما في ذلك قرارات حياتهن، أحلامهن وحتى ما يفكرن به، أما المرأة فهي فرز ثاني عليها السمع والطاعة فقط.

مع تلك الحالة من الاستحقاقية المطلقة يتولد شعور الرهبة لدى بعض الرجال من فكرة حقوق المرأة برُمتها إذا يعتقدون أن مساواتهم بالنساء أو حصولهن على حقوقهن ربما يتسبب في خسارة امتيازاتهم الذكورية، فالمساواة ستلغي تلك الحواجز بين الطرفين ومعها سيفقد الرجل يده العليا وبدلاً من ذلك سيتقاسمان كل شيء، لن يستطيع فرض وصايته عليهن أو التحكم في كل شيء يخص حياتهن وقراراتهن، لن يجد مرة أخرى نوعية النساء الضعيفة الني تتحمل وتصبر على وضع لا يرضيها لآنه خيارها الوحيد، لن يلعب دور “سي السيد” مرة أخرى لآنه لن يجد “أمينة” تسمع وتطيع بعد ذلك!.

لذا فالكثيرين حتى وإن قرروا خلع عباءة الذكورية من عليهم وآمنوا بمبادئ النسوية وأفكارها يحاولون إخفاء الأمر علنًا .. فأي عاقل قد يضحى بكل تلك الامتيازات ويقف أمام القطار المندفع من أجل أفكار لن تنفعه بشيء بل قد يخسر معها أكثر مما يربح!.

جذب أنظار الفتيات ومحاولة الإيقاع بهن

الصورة النمطية التي يحتفظ بها الكثيرون عن الرجال المساندين للحملات النسوية تتمثل في كونهم مجرد رجال “مدعيين” يتخذون حقوق المرأة كغطاء مبطن لاستدراج الفتيات خاصة صغار السن منهن، وذلك عن طريق المدخل المعتاد المتمثل في الحرية والثورية والنسوية وغيرها من الكليشيهات والتي لا تمثل لهم أكثر من مجرد شعارات زائفة لا يؤمنون بها ولا يتفقون مع مبادئها من قريب أو بعيد، ولكنها الطُعم الذي يجتذبون من خلاله الفريسة لتقع في شباكهم ويحدث ما يحدث دائمًا.

الحقيقة رغم أن ذلك نظريًا يحدث كثيرًا على أرض الواقع، فبعض الرجال يدَّعُون الانتماء لفكرة حقوق المرأة والتصديق بمبادئها بينما هم في الحقيقة أبعد ما يكون عن ذلك بل ويستغلون الأمر فقط لإرضاء أهوائهم وشهواتهم والإيقاع بالفتيات صغار السن، لكن رغم تواجد تلك الفئة وانتشارها على أرض الواقع إلا أن هناك مَن يؤمن بالفكرة بالفعل ويتفق مع مبادئها، لكن بسبب تواجد تلك الفئة بشكل كبير وتصدرهم المشهد، يخشى البعض الأخر ممن يؤمنون فعلاً بالقضية ويساندون مبادئها الاعتراف بالأمر علنًا، خوفًا من تشويه صورتهم أو أن تنالهم مقصلة اتهامات المجتمع على جريمة لم يرتكبها آيًا منهم، خاصة أن جسر الثقة صار مشروخًا من كثرة الاتهامات من المجتمع من ناحية واستغلال الأمر من الفئة السيئة من ناحية أخرى.

ختامًا

الحقيقة أن المشهد من بعيد قد يبدو مُظلمًا، صعبًا ومحبطًا، إذ يبدو إننا ندافع عن حقوقنا ونحارب لأجلها في جهة بينما على الجهة الأخرى من “الطرف الأخر” لا نجد الدعم والمساعدة الكافية، بل يظهر لنا إن القضية والفكرة برُمتها بعيدة كل البعد عن نقطة التقاء واضحة بين الطرفين. لكن إن قربت الصورة أكثر وأكثر ونظرت عن قُرب وفهمت أبعادها ستجد أن هناك ضوء خافتًا يلمع من بعيد يحتاج فقط مَن يقوم بشحن بطاريته أكثر ليظهر الضوء أكثر وأكثر.

فعلينا أن نعلم أن هناك الكثير من الرجال يقفون بالفعل بصفنا لكنهم فقط بحاجة إلى تشجيعنا ليعلو صوتهم فوق صوت ضغط المجتمع وأحكامه، منهم من نشأ وسط عائلة سوية تحترم النساء وحقوقهن وقرر السير على نفس النهج وتبني نفس الأفكار، ومنهم مَن قرر التمرد على وضع لم يحبه يومًا وُضع فيه رغمًا عنه فقرر السير عكس الاتجاه وألا يكون الطرف السيء المستبد في القصة فقط ليحظى بالتأييد الاجتماعي أو يحصل على امتيازات لم تكن من حقه يومًا..

هؤلاء الرجال بالفعل يحترمون المرأة ويقدرونها، بل وبعضهم يسعى ويساعد بشكل فعلي في سبيل أن تحصل النساء على حقوقهن مهما كان وضعها أو توصيفها، لكن الإرهاب المجتمعي الذي يُمارس ضدهم والخوف من الوصم المجتمعي بالعار ونقص الرجولة، وتصدر الفئة المدعية النسوية لأغراض أخري، دائما ما يقف كل هذا كحائل أمام إعلان نسويتهم..



1 comments

  1. الرجل الذي يساند المرأه و يشجعها و يساعدها و يدعمها في نظر المجتمع ديوث،،،لأن المجتمع اصلا مريض و يتبني أفكارا عقيمه، ،،عفي عليها الزمن، ،،،،نحتاج لمن يحرر تلك العقول من أفكارا مسمومة لكي لا يقع الاجيال القادمه في نفس المأزق

أضف تعليق