سالمة والأمير: حكاية من التراث النوبي | سحر جبر محمود

١٢ يونيو ٢٠٢١
كتبت| سحر جبر محمود

يحكى أنه عاش فى قديم الزمان أخوان، لأحدهما ابنة تدعى سالمة وللثانى ابن يدعى ذهب، وكان والد الشاب فخورا بابنه القوي المغتر بنفسه، أما أخوه فكان يحب ابنته البارة الذكية التى حولت بيتهم إلى جنة رغم فقرهم. 

سافر ذهب بتجارة كبيرة أعدها له أبوه، ولكنه لم يكن بارعا فى التجارة، فأسرف، وحاول تعويض خسائره بالمتاجرة فى بضائع تمنعها البلد فتمت مصادرتها، وخسر ماله كله، وخجل من العودة لبلدته، فبحث عن عمل فى بلده البعيد حيث لا يعرفه أحد – بينما ظل أبوه ينتظر عودته ويسخر من أخيه قائلا: “لو كان لك ابن لخرج للتجارة مثل ذهب وعاد إليك بالذهب.” فيحزن الأخ ولا يقول شيئا.

وذات يوم، سألت سالمة أبيها عن أحواله، فصارحها بصعوبة العمل مع تقدمه فى العمر، فقالت له: “لماذا لا تعطينى فرصة لمعاونتك؟ دعنى أخرج للتجارة.” 

ودعمتها أمها: “إن سالمة ذكية، ومعروفة ببراعتها فى المقايضة، وقد قرأت عن أحوال البلاد التى ستذهب إليها.”

فرد الأب: “من أين لنا بالمال؟ كما تعلمان بصعوبة سفر الفتيات فى هذه البلاد.”

أخرجت الأم حلية ذهبية وقالت: “كنت أحفظها لزواجها، أذهب وأرهنها.”

قالت سالمة: “لا تقلق يا أبي، سأخرج مرتدية ملابس الرجال، لعل الله يبارك فى تجارتى، فأعود إليكما بربح يكفينا شر الحاجة.” 

شرحت سالمة لأبيها خططها وأقنعته برأيها، فرهن الحلية وجهزها بالتجارة والزاد. تنقلت سالمة بتجارتها بين البلدان، واستخدمت ذكائها وما تعلمته من الكتب، وكانت مثالا للأمانة، فبارك الله فى تجارتها، فأزدهرت.

وفى أحد البلاد، التقت سالمة بابن عمها، فعرفته ولم يعرفها ووجدته يبيع العرقسوس، فطلبت كوبا ودفعت ضعف ثمنه وقالت: “تبدو غريبا عن هذه البلاد. ما قصتك؟” حكى لها ما جري معه، فقالت له: “لقد تأثرت لقصتك وسأعطيك مالا تعود به لأهلك.” لم يصدق ذهب نفسه، وقال: “شكرا لك أيها التاجر الطيب، أنا مستعد لفعل ما تأمر به.” ردت سالمة: “شرطى الوحيد أن تكتب تعهدا بألا تتزوج من فتاة دون موافقتها.” 

دهش ذهب المغرور من شرط التاجر الغريب، وفكر من تلك الفتاة التى سترفضنى وأنا الشاب الوسيم القوى، فوافق على توقيع التعهد، وأخذ المال وعاد لبلدته.

ذاع صيت التاجر سالم وبضاعته التى جلبها من مختلف البلاد، وأتى الأمير جاسر ابن ملك البلاد للشراء منه، وكان شابا ذكيا ذو أخلاق طيبة، فأعجبت به سالمة.

أعجب الأمير جاسر بأمانة التاجر سالم وذكائه، فدعاه للإقامة معه في قصره، ومع مرور الوقت، أصبحا صديقين، ولاحظ رقي ذوق سالم وفهمه لمشاعر الفتيات وتعاطفه مع البشر وعطفه على الفقراء والضعفاء، كما لفت نظره رفضه للخروج للصيد وعطفه على الحيوانات، وبدأ يشك أن سالم فتاة.

ذهب جاسر لمربيته العجوز الحكيمة واستشارها، فقالت له: “لاعب صديقك الشطرنج، وستغلبه بسهولة لو أنه فتاة لأن الفتيات لا يجدن لعب الشطرنج.” وفى اليوم التالى، لعب الأمير الشطرنج مع سالمة، فغلبته فى كل مرة، ولكن الشك لم يفارقه.

وعاد لمربيته، فقالت له: “تكلم معه عن السياسة والتاريخ، لا تعرف الفتيات الكثير عن هذه الأمور.”

تحدث جاسر مع سالم، فوجد لديه سعة إطلاع ومعرفة بأحوال البلاد وتاريخها، فاقتنع أخيرا.

بعد أيام، قررت سالمة الرحيل، فخرج الأمير ليودع صديقه التاجر الذى أعطاه صندوقا ورجاه ألا يفتحه إلا بعد يوم من سفره. وعندما فتح الصندوق، وجد ياقوتة ثمينة ورسالة تشكره فيها سالمة على كرم ضيافته وتعترف له فيها أنها فتاة وأنها احبته ولكن واجبها يحتم عليها العودة لأسرتها، فحزن جاسر وقرر البحث عنها. 

عادت سالمة لبلدتها، ففرح والداها بعودتها، وانتشر خبر ثراءها، فأسرع ابن عمها ذهب بالتقدم لخطبتها، رغم علمه برفضها، فقد كانت عادة هذه البلاد أن ابن العم أولى بالفتاة.

وسألها أبوها إذا كانت توافق على الزواج من ابن عمها، فأخرجت سالمة التعهد الذى وقعه ذهب، وحكت قصتها معه، وانتشرت قصتها في القرى المجاورة، حتى وصلت إلى الأمير جاسر، فعرف قريتها وأتي ومعه هدايا كثيرة إلى أبيها وخطبها منه، وتزوجا. كانت سالمة نعم الناصحة لزوجها تعينه على الخير وما فيه صالح المملكة فازدهرت أحوال الناس، وعاشوا فى سعادة.

سحر جبر محمود جبرسحر
مترجمة وكاتبة وباحثة فى الحكاية الشعبية

• حصلت على الليسانس ودبلوم الترجمة إنجليزي من قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب، جامعة القاهرة، ودبلوم الترجمة الصحافية من مركز التعليم المستمر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، ودبلوم الادب الشعبى من المعهد العالى للفنون الشعبية، اكاديمية الفنون، وتقوم حاليا بإعداد رسالة الماجستير عن الحكايات الشعبية النوبية.
• عضو اتحاد كتاب مصر
• لها عدد من الإصدارات منها أنا جوليت (ديوان نثرى) وعالم دان براون، وجحا النوبى (علينتو).
• قامت بترجمة أكثر من ثلاثين كتاب ورواية منها ثلاث روايات من سلسلة هاري بوتر لجي كي رولينج وحول العالم في ثمانين قطارا لمونيشا راجيش، وأخرها النخلة النوبية الأيقونة والرمز لدكتورة ناهد بابا وأمي مثل الوردة لدكتورة ماندي فيسندن براور.


إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

2 comments

  1. بحق .. أكثر من رائعة
    مجهود مشكور للروائية الكبيرة سحر جبر محمود
    مع تمنياتنا بقراءة المزيد من إنتاجها .. وبالتوفيق دائما ..

اترك رداً على اسامة شمس إلغاء الرد