«التحرش في بيئة العمل».. أوجه متعددة وجريمة واحدة

٣ يوليو ٢٠٢١
كتبت ــ سلمي محمود

«أثناء عملي في إحدى الشركات كنت ألاحظ أن أحد زملاء العمل يتصرّف معي بغرابة شديدة لم أعهدها منه من قبل، كنت أظنه في البداية يتصرف بلطف زائد فقط، حيث أن بيئة العمل التي كنا نعمل بها كان يسودها الاحترام والود، كما أن الشخص نفسه كان معروفًا باحترامه مع الجميع وهو ما كان يجعلني أشك بنفسي مع كل موقف يصدر منه أكثر مما أشك به، لكن بعد ذلك بدأ الأمر يأخذ منحنى أكثر سوءًا وهو ما جعلني أتأكد أن زميلي متحرش جنسيًا!».

قد تعتقد إنها مجرد حادثة فردية لكنك في الحقيقة لا ترى الصورة الكاملة، فقط أنظر حولك واستمع إلى شهادات النساء وسوف تدرك الحقيقة كلها!.

فالكثير من النساء من مستويات اجتماعية وثقافية ومهنية مختلفة تعرضن «ومازلن» إلى «التحرش في مكان عملهن» مرة على الأقل طيلة حياتهن بما في ذلك المضايقات والتجاوزات الأخلاقية وأحيانًا الاعتداءات الصريحة من الزملاء ورؤساء العمل وغيرهم دون وجود إجراءات محاسبة أو قوانين واضحة لردع المتحرش وحماية الضحية.

لماذا تخشي النساء الحديث عند تعرضهن «التحرش في مكان عملهن»

رغم أن النساء أصبحن أكثر دراية لحقوقهن مؤخرًا خاصة مع وجود الحملات المهتمة بتوعية النساء ومساعدتهن، إلا أن بعضهن مازلن يخشين الحديث خشية «الفضيحة» وتحميلهن «ذنب التحرش بهن» في بيئة مازالت تبرئ المذنب وتلقي اللوم على الضحية لمظهرها أو سلوكها أو حتى قبولها بالعمل في مكان يفرض عليها التعامل مع الرجال أو البقاء لساعات متأخرة ليلاً.

الشيء الأخر هو عدم إدراك الكثيرات أن ما يحدث معهن يعد انتهاكًا لهن ولمساحتهن الشخصية، خاصة أن «التحرش» في الأغلب لا يبدأ فجأة دون مقدمات، إنما قد يبدأ الأمر بعلاقة زمالة عادية يسودها الاحترام والتقدير ثم يتطور إلى صداقة تستهدف كسر الحواجز وتجاوز الخصوصيات وحين تكون الفرصة سانحة ينتهي الأمر بالانقضاض على الفريسة والاعتداء عليها وانتهاك مساحتها الشخصية.

اكتشاف «التحرش داخل مكان العمل» لا يعتبر شيئًا سهلاً على الإطلاق خاصة إن كان «المتحرش» يرتدي وجهًا بريئًا أمام الأخرين عكس ما يظهره أمام النساء «المٌتحرش بهن»، حيث يعتمد على سمعته الحسنة وعدم قابلية تصديقه في جعل الضحية تشك بصدق روايتها وتخشي الإفصاح لمن حولها خوفًا من عدم تصديقها، لذا إما تقرر السكوت خوفًا من الفضيحة التي قد تلازمها طيلة حياتها وأيضًا بسبب احتياجها للعمل أو تترك العمل برُمته.

لكن كيف يمكننا اكتشاف أن زميلرئيس العمل «متحرش جنسيًا»؟

في البداية يجب فهم أن أي تصرف غير مقبول لكِ من أي ناحية سواء اجتماعيًا، أخلاقيًا، دينيًا أو يجعلك تشعرين بعدم الارتياح أو الخوف يصدر من شخص لا يجمعك به سوى علاقة «علاقة العمل» التي من المفترض أن تكون علاقة مهنية يسودها الاحترام بين الطرفين لا يمكن وضعها سوى أسفل بند «التحرش»، فالقبول هو المحرك الاساسي للعلاقات بين الأفراد أما ما دون ذلك فلا يمكن اعتباره سوى انتهاكًا صريحًا لمساحتنا الشخصية.

ومن أمثلة «التحرش داخل نطاق العمل»

  • النظرات المريبة التي تتفحص جسدك بصورة تُشعرك بعدم الارتياح.
  • التعدي على مساحتك الشخصية وتصويرك دون علمك أو الاحتفاظ بصور لك واستخدامها دون إذنك.
  • اقتحام خصوصياتك والحديث في أمور شخصية خاصة لا تشعرين بالارتياح أثناء مناقشتها مع شخص غريب عنك.
  • الاقتراب الجسدي الشديد منك بما فيها محاولة لمس يدك أو وضع يده على كتفك أثناء العمل سويًا بصورة تبدو عفوية.
  • التعليق على شكل جسدك أو ملابسك من خلال كلمات خادشه للحياء حتى إن أبديت انزعاجك منها.
  • الحديث معك في أوقات متأخرة ليلاً وتحويل مجرى الحديث باستمرار ناحية الإيحاءات والحديث غير اللائق.
  • إرسال صورًا غير لائقة لك أو محاولة عرضها عليك تحت بند «الفن أو الجمال» أو غيرها
  • تبادل النكات المسيئة بحجة محاولة كسر الحواجز والتقرب منك.
  • استخدام الشتائم والتلميحات الجنسية وسط الحديث العادي بصورة تبدو غير متعمدة.
  • مشاركة عبارات الغزل والمدح بصورة فجة لا تليق بعلاقة الزمالة بينكم.
  • استغلال مديرك لسلطته في العمل ومساومتك على ترقية أو علاوة مالية أو تسهيل خدمة أو أي امتيازات وظيفية أخرى مقابل الحصول على خدمات جنسية منك.
  • إجبارك على طريقة لبس وتعامل غير لائقة لجذب العملاء.

ماذا تفعلين عند اكتشاف التحرش؟

عزيزتي أعلم أن الأمر قد يبدو في غاية الصعوبة، أستطيع تمييز حالة الصدمة والخوف التي تشعرين بها في بداية الأمر ثم حالة الإنكار التي تسيطر عليك والأفكار التي تلتهم رأسك عن «هل حدث هذا فعلاً؟»، «هل هو متحرش فعلاً أم انا المخطئة؟»، «هل أتحدث عن الأمر وأتحمل عواقبه أم أبقيه سرًا»؟

المواجهة حتى وإن كانت صعبة تبقى الحل الأمثل!، تحدثي مع «المتحرش»، بصرامة وأخبريه بوضوح أن ما يفعله يتجاوز الحدود المسموحة له وإن لم يتوقف ستضطرين إلى اتخاذ رد فعل قاسي، إن لم يتوقف أعدي شكوى رسمية مدعومة ببعض الأدلة التي تدعم موقفك سواء كانت شهادات ضحايا أخريات أو تفريغ كاميرا المراقبة التي تظهر «واقعة التحرش» أو شهادة أحد المقربين منك وقومي برفعها إلى الإدارة، أخيرًا إذا لم تجدي أي رد فعل من الإدارة اتركي العمل في الحال وقدمي كافة الأدلة إلى أحد المحاميين الحقوقيين المختصين في قضايا التحرش لرفع قضية وإثبات حقك.

أخيرًا «التحرش في بيئة العمل» ظاهرة حقيقية يجب التسليم بوجودها وأيضًا تصديق النساء اللاتي تعرضن لها بل ومحاولة مساعدتهن للحصول على حقوقهن ومعاقبة «المتحرش» وأيضًا توفير آليات واضحة لكيفية التبليغ عند حدوث تلك الجريمة وآليات عقاب المتحرش وحماية الضحية..

** إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق