«اكتئاب وتنمر ومعاملة قاسية» الوجه المظلم للأولمبياد وما لا تعرضه منصات التتويج! | سلمي محمود

٢ أغسطس ٢٠٢١
كتبت: سلمى محمود

«شعرت أن ثقل العالم مُلقى على كاهلي»

هكذا صرحت نجمة الجمباز الأمريكية «سيمون بايلز» بعد انسحابها المفاجئ من دورة الألعاب الأولمبية للتركيز على صحتها النفسية والتي يبدو أنها عانت بسببهالفترات طويلة خاصة مع تأجيل الأولمبياد لمدة عام، ولكن «الشياطين التي حاولت طردها كثيرًا» على حد قولها آبت أن تظل كامنة بداخلها و«حضرت» في يوم الحدث الأهم لتخلق حالة من الجدل التي لن تنتهي قريبًا.

«يجب أن نكون هنا مستمتعين وهذا ليس هو الحال»

كنت أتابع التعليقات وانا أشعر بالذهول، لم توقع أن أجد جبهات مضادة طالما الأمر يتعلق بالصحة النفسية ولكن هيهات!. فالبعض تارة ظل يستخف بمعاناتها أو يكذبها بل ويحاول حصرها في محاولة جذب الانتباه وإثارة الجدل، والبعض الأخر ظل يستنكر الموقف برُمته، فهل هناك ما هو أهم من تلك اللحظة التي تقف بها البطلة حاملة علم بلادها بفخر بينما تحمل ميداليتها الذهبية في يدها الأخرى؟، أما الأخرين فظلوا يتساءلون باستنكار لماذا قد يشعرأي شخص بالاكتئاب وهو يعيش حياة مليئة بالترف والشهرة؟

«نحن لسنا رياضيين فقط، نحن بشر وأحيانًا ما علينا سوى التوقف والرجوع خطوة إلى الوراء»

في نفس الوقت كنت أتابع ردود الأفعال العنيفة على نتائج بطلات البعثة المصرية، كان البعض ينتقد تلك لفشلها في حصد ميدالية وينسج النكات ثقيلة الدم عن تلك لخروجها المبكر، بل ووصل الأمر إلى السخرية والتنمر وتوجيه السباب لهن أحيانًا.

بدأت أفكر كثيرًا في معاناة بطلاتنا اللاتي ربما لم يمتلكن الشجاعة الكافية لإظهارها أمام الجميع لأسباب عدة، فتخيل أن «بايلز» النجمة الأوليمبية التي حققت الذهب لعدة مرات لم تسلم من مقصلة الأحكام والتنظير، فماذا كان سيكون الموقف إن أعلنت واحدة من لاعباتنا المصريات عن معاناتها مع الاكتئاب أو غيرها من المشاكل النفسية من جراء الضغط المتواصل أو ردود الأفعال العنيفة بسبب النتائج المخيبة للآمال على حد قولهم، خاصة في مجتمع مازال يعتبر الأمراض النفسية أما جنون أو محاولة لجذب الانتباه، حتمًا سيكون الوضع مؤسفًا!.

«ضغط كونك رياضيًا مشهورًا عالميًا ليس بالأمر السهل في بعض الأحيان، خاصة عندما لا تفوز»

عُدت بذاكرتي إلى وثائقي «Weight of Gold» الذي كشف فيه السباح مايكل فيلبس وعدد من الرياضين عن الوجه الخفي من الأولمبياد، وكيف أن الحُلم الجميل الذين سعوا جميعًا لبلوغه أصبح بمثابة شبح يطاردهم في كل وقت.

تخيل أن تكرس حياتك لمدة أربعة أعوام، تتمرن يوميًا لعدد ساعات طويل وفق نظام قاسِ، تنعزل عن العالم بأكمله، فلا حياة خارج أسوار الصالات الرياضية، عليك تحمل الإصابات والضغط الجسدي والنفسي المتواصل لأجل هدف واحد دون غيره وهو تحقيق الذهب.أما الضغط المالي فحدث ولا حرج، فالتمويل والرواتب التي يجنيها الأبطال قليلة جدًا مقارنة باحتياجاتهم عكس ما يعتقد الجميع، فأحدى البطلات السابقات على سبيل المثال اضطرت للعمل في تحضير العصائر لتتمكن من تحمل التكاليف الباهظة.

«عليك التضحية بأي شيء لأجل الحلم الأوليمبي»

فلم تستطع «كاتي أهليندر» بطلة التزلج العودة لتوديع والدها إلى مثواه الأخير لذهابها في جولة مع الولايات المتحدة، أما «كيري ستراج» بطلة الجمباز فاضطرت للتحامل على إصابتها لتقتنص الذهب لفريقها، بينما مُنعت «أونا كاربونيل» من احضار طفلها اليابان رغم حاجته لها لأنها ترضعه رضاعة طبيعية.

أما بعد انتهاء الحدث الاوليمبي يبدأ انطفاء الشغف في التسرب إلى نفوس الرياضين وتحاصرهم الأسئلة، ماذا الأن؟، هل على أن أمر بكل هذا مجددًا؟، ماذا إن لم أحقق الذهب تلك المرة؟، ماذا إن فشلت مرة أخرى؟، ماذا إن استبدلوني بشخص أصغر وأكثرًا نشطًا وحيوية؟، ما مصيري بعد الاعتزال؟، مَن انا خارج حدود الصالات الرياضية؟، يكتشف كل منهم أن هناك حياة اجتماعية بعيدًا عن التمرين لكنهم لا يعلمون عنها شيء.

البعض يتمكن من التغلب على هذا وتوليد شغفه من جديد، أما البعض الأخر فتتملك منه الأمراض النفسية مثل الاكتئاب والقلق ولا يستطيع التعبير عن هذا ولا يجد مَن يساعده أو يفهم معاناته، فالرياضة عنوان القوة فكيف يشعر الرياضي بلحظات ضعف؟، وقد ينتهي الأمر في النهاية بأسوأ صورة ممكنة وهو الانتحار..

اعتداءات جنسية وتحرش ومعاملة قاسية

وإلى جانب الضغوطات والأمراض النفسية والرواتب الهزيلة، هناك مَن تعرضن إلى ما هو أكثر من ذلك، فلاعبات الجمباز الأمريكي ومن ضمنهن «سيمون بليز»تعرضن إلى حادثة اعتداء شهيرة من طبيب المنتخب «لاري نصار» والذي كان يمارس جريمته أثناء الكشف الطبي على اللاعبات مستغلاً سمعته الحسنة وجهلهن بمهنة الطب ولكن تم كشفه وحكم عليه بالسجن.

الملفت بالأمر وما تم عرضه خلال وثائقي «Athlete A» والذي كشف عن قُرب حياة لاعبات الجمباز اللاتي يتعرضن لضوابط صارمة ما بين تدربهن في سن صغيرة للغاية والبقاء في الصالات الرياضية لساعات طويلة ومراقبة أوزانهن، بالإضافة إلى المعاملة القاسية أحيانًا، أما إن تعرضن لأي إصابة أو أخطئن عليهن مواصلة الابتسام وإكمال الطريق، كل هذا حولهن إلى روبوتات خاوية بلا روح، فقط جسد يتحرك، يقفز، يرسم ابتسامه، يحقق الميدالية ثم يعود لنقطة البداية ليكرر الأمر.

وما هو أكثر من ذلك!.

فبعض الدول كانت على استعداد للتضحية بالرياضيات أنفسهن لحصد ميدالية، فعلى لسان لاعبة الجمباز التشيكية «فيرا كاسلافسكا» التي صرحت أن مدرب الاتحاد السوفيتي أجبر الفتيات على الحمل ثم الإجهاض في الأسبوع التاسع أو العاشر بسبب اكتشافه أن في تلك الأوقات تحدث زيادة حادة في مستويات هرمونات الذكورة في جسم المرأة ، مما يزيد من قوة العضلات والليونة وقدرة الرئة، لأنهن ينتجن المزيد من خلايا الدم الحمراء، وبالتالي تكون الفرصة سانحة لهن لتحقيق الذهب وهو ما حدث بالفعل وقتها.

أو ألمانيا الشرقية في السبعينات عندما قاموا بحقن فتيات السباحة – دون علمهن – بهرمونات الذكورة لتسمح لهن بالتدرب بقوة ونمو عضلاتهن بشكل أفضل، متجاهلين الآثار الجانبية مثل نمو الشعر من نوع الذكور والأصوات العميقة إلى أمراض الكبد والقلب والاكتئاب وغيرها.كما انتشرت شائعة مفادها أن بعض الدول تقوم بحقن لاعبات الجمباز أدوية لتأخير سن البلوغ، حيث من المعروف أن لاعبات الجمباز يعتزلن في سن مبكرة.

كما انتشرت شائعة مفادها أن بعض الدول تقوم بحقن لاعبات الجمباز أدوية لتأخير سن البلوغ، حيث من المعروف أن لاعبات الجمباز يعتزلن في سن مبكرة.

ملخصًا
كتبت هذا المقال ليعلم الجميع ما تمر به البطلات منذ البداية وحتى الوصول للحلم الأوليمبي، أعلم أن كل هذا لا يحدث للجميع، ولكن في النهاية المعاناة واحدة حتى وإن أختلف مسارها، فالكل يعاني ليحقق الإنجاز، جميعهن يرغبن في تحقيق الذهب ورفع العلم عاليًا، ولكن الظروف والضغوطات أحيانًا تكون أكبر وتأثيرها أعمق عليهن، تذكر إنك لا ترى سوى الإنجازات المؤثرة فقط، أما كيف وصلت اللاعبة إلى تلك المرحلة الصعبة وما دفعت ثمنه غاليًا من ضغوطات وتكاليف باهظة ومشاكل الإدارات وصعوبات اللعبة نفسها والإصابات الطارئة والتنمر والسباب وما هو أكثر من ذلك فلا يعلمه غيرهن، فهذا الجانب المظلم الذي لن تتمنى أن تعيشه 

** إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق