«عفوا لا نوظف سوى العازبات» عندما يمنعك خاتم زواجك من وظيفة أحلامك! | كتبت سلمي محمود

٩ أغسطس ٢٠٢١
كتبت : سلمي محمود

«ما هي حالتك الاجتماعية؟» كنت دائماً أتساءل عن جدوى وجود هذا السؤال في استمارات التقديم للوظائف، فمن المُفترض أن كل سؤال يتم إدراجه في تلك الاستمارات لابد أن يحمل بين طياته مغزى معين يقيس من خلاله طالب الوظيفة جانب ما في المتقدم، وقد يُؤثر فيما بعد على قرار قبوله أو استبعاده، فالمظهر مهم إن كانت الوظيفة تتطلب حُسن المظهر، القُرب الجغرافي منعًا لتأخر الموظف وتعطيل العمل، أما الخبرات السابقة فيتم الاستفادة منها في قياس قدرات المتقدم وإن كان سيلائم الوظيفة أم لا، لكن الحالة الاجتماعية؟ لم أفهم ابدًا ماذا سيضيف للوظيفة إن كُنت «متزوجة» أو «عزباء» أو حتى «في علاقة معقدة» ؟، وكيف قد يؤثر ذلك على قرار توظيفي من عدمه؟

«الحالة الاجتماعية تسبق الكفاءة أحيانًا»

سألت عدد من صديقاتي إن كُنّ تعرضنّ إلى أي شكل من أشكال التعسف أو التمييز بسبب حالتهن الاجتماعية، وهنا جاءت المفاجأة عندما قمنّ بإخباري أن حالتهن الأسرية قد آثرت على قبولهن في كثير من الوظائف، حيث أن بعض الشركات تضع الحالة الاجتماعية «للنساء» كمعيار أساسي للاختيار، بعضهم يعلنها صريحة بأنه لا يوظف سوى «العازبات»، والبعض الأخر يجعل الأمر مبطنًا قليلاً من خلال مقابلة شخصية مدججة بالأسئلة الصعبة التي تنتهي دائمًا بعدم قبولك بالوظيفة. 

سمعت حكايات كثيرة عن جزء لا يُستهان به من «النساء المتزوجات» من ذوي الكفاءات اللاتي ذهبنّ إلى مقابلات عمل كثيرة ولم يتم قبولهن لأنهن «متزوجات»، فعلى ما يبدو أن هناك توجهًا خفيًا من أرباب العمل لتفضيل «العازبات» وإقصاء «المتزوجات» بحجة أن الحياة الأسرية قد تؤثر عليهن في العمل، فقد تجدين عشرات الفُرص إنك كُنّت «عزباء» لكنها ستختفي عن الوجود إن كُنت تحملين خاتم الزواج في يدك اليُسرى أو اليُمنى..

«كيف يتم انترفيو الحالة الاجتماعية؟» 

يبدأ طالب الوظيفة بسؤالك عن مؤهلاتك وقدراتك، ثم ما أن يلمح الخاتم الذهبي يحتضن أصبع يدك اليسرى أو اليُمنى يتغير كل شيء بعدها، وجهه، أسئلته وحتى قراراه بقبولك من عدمه، بعضهم يكون صريحًا إلى حد البجاحة ويبدأ بطرح الأسئلة التي تحمل طابعًا شخصيًا مُحرجًا مثل «هل هناك مشروع زواج قريب؟»، «هل هناك خطط للإنجاب حاليًا؟»، «إذا رفض زوجك تعاملك مع زملائك الرجال، ماذا ستفعلين؟»، «ماذا سيكون رد فعل زوجك في حال تأخرتِ في العمل بعد ساعات العمل الرسمية؟».

أما البعض الأخر فيميل إلى التلميحات التي تُشدد على الالتزام وتطلُب الوظيفة العمل بعد أوقات العمل الرسمية وقلة الإجازات وغيرها من الأشياء التي تحمل معانٍ خفية تفيد بعدم مناسبتك للوظيفة، ورغم تأكيداتك بأن وضعك لا يدعو للقلق ولن يؤثر على أدائك الوظيفي، إلا أن في النهاية النتيجة واحدة وهي عدم قبولك بالوظيفة.

الجميع يعاني!

قد تعتقد أن الأمر يقتصر على عدة وظائف بعينها تتطلب التفرغ والتأخر لساعات طويلة وهو ما قد يتعارض مع أولويات بعض «المتزوجات» لكن الحقيقة لا، فأحدى الصديقات أخبرتني بعدم قبولها في وظيفة مسوقة إلكترونية، رغم أن الوظيفة الشاغرة لم تكن تتعارض بأي شكل مع وضعها الأسري، حيث أنها لا تتطلب التواجد في مقر العمل ويُسمح بممارسة مهامها عن بُعد، ورغم ذلك تم تفضيل «العزباء» عليها.

كما حُرمت صديقتي الأخرى من وظيفة أحلامها بسبب حملها، حيث تقدمت للعمل في إحدى الوظائف ورغم إعجاب طالب الوظيفة بمؤهلاتها العلمية، إلا أن هذا الإعجاب تحول إلى حسرة بعد معرفته أنها «متزوجة» وحامل في طفلها الأول، ورغم قُرب الوظيفة من منزلها وتأكيدها على عدم تأثير وضعها الأسري على عملها، إلا أنه اعتذر عن قبولها للوظيفة وتم استبدالها بموظفة أخرى «عزباء» تحمل التخصص ذاته.

الأمر أيضًا يحدث إن تزوجَت أو خطبت إحداهن أثناء العمل، حيث يبدأ وقتها فصل جديد من مسلسل الابتزاز المعنوي، الكُل يراقبها لتقييم عملها، نظراتهم المتربصة وأحاديثهم السامة تلاحقها كأنها ينتظر منها ولو خطأ بسيط حتى يتم تحميل مسألة زواجها مسؤولية الأمر، ممنوع منعاً باتاً الحديث عن خطبتك أو ترتيبات زواجك أو خطط الإنجاب أو غيرها أثناء العمل حتى لا يتم توجيه أصابع الاتهام لك بفقدان تركيزك وتعطيل العمل بسبب الانشغال بأمور الزواج والمنزل وغيرها.

ليس هذا وحسب، فحتى «المطلقات» لم يسلمن من التعسف والتمييز، حيث أن بعض الشركات ترفض تعيين مَن تحمل لقب «مطلقة» سعيًا للحفاظ على سمعة الشركة، ولا أدري أية شركة قد تُلطخ سمعتها لمجرد عمل سيدة فشلت في تجربة زواج سابقة بها؟ 

لماذا يفضل أصحاب الشركات «العازبات» على «المتزوجات»؟

أفضلية تعيين «العازبات» على «المتزوجات» ترجع إلى الصورة الخاطئة عن بعض «المتزوجات» بعدم قدرتهن على التوفيق بين الحياة الأسرية والمهنية، بل أن البعض منهن في نظرهم قد يتهربن من مسؤولياتهن ويحملن باقي الموظفين أعباء إضافية بحجة انشغالهن بأمور المنزل والزواج، ورغم أن هذا قد يحدث أحيانًا إلا أنها ليست القاعدة، فمثلما توجد النماذج السيئة توجد النماذج الناجحة أيضًا وبكثرة ممن لم يعيقهن الزواج أو الإنجاب عن استكمال طريقهن رغم كل ما يتعرضن له من مصاعب.

السبب الأخر هو رغبة الشركات في تحقيق الاستفادة القصوى من «الموظفات»، «فالمتزوجات» قد يواجهن بعض الأزمات تتمثل في عدم تفضليهن العمل لساعات متأخرة ليلاً أو العمل وقت الإجازات الرسمية لانشغالهن بأمور المنزل، عكس «العازبات» اللاتي قد يمتلكن وقت أطول بسبب تفرغهن الكامل، كما أن القانون يكفل للمتزوجات الحق في إجازات مدفوعة للوضع والحمل بالإضافة إلى ساعات رضاعة يوميًا، لذا يتم تفضيل «العازبات» لأنه لا يترتب عليها أي حقوق مثل «المتزوجات».

ختامًا

أود القول أن الإجحاف بحق «النساء العاملات المتزوجات» يعد أمرًا تعسفيًا كونه يقصي شريحة كبيرة من النساء من حقهن بالعمل، فبعضهن أن امتلكن الفرصة لأثبتن وجودهن في قطاعات شتى، وهن بالفعل قادرات على التوفيق بين حياتهن الأسرية والعملية وتحقيق النجاح، ومثلما تحمي القوانين «صاحب العمل» في حال إهمال الموظفة سواء كانت متزوجة أو لا، فالقوانين تكفل تكافؤ الفرص لجميع المواطنين دون تمييز، مع الوضع في الاعتبار الخبرات والمؤهلات العلمية والإلمام بشؤون الوظيفة، فهذا هو المعيار الذي يجب أن يتم على أساسه الاختيار بغض النظر عن الحالة الاجتماعية مهما كانت.

** إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

1 comments

أضف تعليق