لماذا يبحث الرجال عن نساء يشبهنّ أمهاتهم؟ | سلمي محمود

١٧ أغسطس ٢٠٢١
كتبت | سلمي محمود

«أمي عاشت مع أبويا عمرها كلّه مرفعتش صوتها عليه، مكشرتش في وشه، كانت بتجيبله طشت كبير فيه ماية دافية وتدعكله رجله فيه، وتقوله يا سيدي يا تاج راسي»

في أحد المشاهد الآيقونية من الملحمة الدرامية «حديث الصباح والمساء» كان «داوود باشا» يتشاجر مع زوجته «سنّية الورّاق»، في مشاجرة كانت تحمل ورائها أسبابً كثيرة دائماً ما كانت تُشعل نيران الخلافات بينهم حتى وصلت إلى ذروتها في هذا المشهد.

تربى «داوود باشا» على قالب معين من قوالب «الزوجة المثالية» وظل حبيسًا بداخلها، وهنا كانت العقدة التي بُني عليها الخط الدرامي الذي جمعهما معًا طوال أحداث المسلسل، حيث ظل يُنبش داخل شخصية زوجته سليلة الحسب والنسب لعله يجد ملامح أمه القروية البسيطة مدفونة بداخلها، حلم أن يشكلها على يده ليصنع منها نسخة شبيهة بأمه، ولكنه فشل، بل وظل يكابر في الاعتراف بفشّله حتى جاء ردّها الصادم له بأنها «مش أمه .. إنما هي سنية هانم الورّاق» لتنتهي بذلك رحلتهما معًا.

دائما ما أتذكر هذا المشهد عند سماع البعض يردد جملة «أريدها مثل أمي» عند سؤالهم عن صفات فتاة أحلامهم، كثيرًا ما كنت أنتظر ردودًا مغايرة تتمحور حول الجمال وحُسن الخُلّق والمستوي الاجتماعي والحب بالطبع، لكني دائماً كنت أصطدم بتلك الإجابة..

أريدها مثل أمي!

يعتبر الابن أمه هي النموذج الأنسب لقالب «الزوجة المثالية»، دائماً ما يبحث هنا وهناك عن امرأة تحقق تلك المعادّلة الصعبة، امرأة تشبه روح أمه وتصبح زوجته بشخصيتها المستقلة في الوقت ذاته.

يتأثر الابن بكل ما تقدمه أمه له ولأسرتها في سبيل تحقيق سعادتهم حتى ولو على حساب سعادتها نفسها، يشعر بالفخر عندما يتندر الجميع بسيرتها الحسنة وخُلقها الطيب وروحها السمحة ونفَسها الذي لا يُعلى عليه في إعداد أشهى الوصفات، وتضحياتها المستمرة «علشان بيتها ميتخربش»، وطاعتها لزوجها ووقوفها بجواره في الأزمات مهما بلغت شدّتها، وتحملها إياه عندما يفقد أعصابه ويثور بوجهها حتى وإن لم تكنّ المخطئة.

بل وأكثر ما يُثير إعجابه عندما يراها تفعل كل هذا دون كَلّل ولا مَلّل، فقط تصمت وتتحمل وتَرسم على وجهها ابتسامة ساحرة تخطف أنظار كُل مَن يقابلها، يتمنى حينها لو تصبح كل النساء أمه!.

يعتقدون أن كل النساء أمهاتهم ..

يبدأ الرجل في البحث في كل فتاة يقابلها عن امرأة تُشّبه أمه، ليس فقط في صفاتها الحسّنة وروحها السمحة ولكن أيضاً في صبرها وقوة تحُملها وتضحيتها المستمرة، اعتقادًا منه أن هذا هو النموذج الأوحد «للنساء المثاليات»، أما مَن تخالف هذا فهي إما ناشز أو بها عِلّة ما أو مختلفة للحد الذي يجعلها تخرُج بلا رجعة من سباق اختيار «الزوجة المثالية».

العادات والتقاليد التي تربى في ظلّها أيضاً ساعدت على تدعيم فكرة أن الزواج المثالي دائماً ما يُبنى على منطق السيادة المطلقة للرجل والتضحية المستمرة وتحمل المسؤولية والطاعة للمرأة، إن عُنفت لا تشتكي، وإن أُمرت تُطيع، وإن مُنعت تستجيب..

يبدأ في التفتيش بين صديقاته عن مَن يجد ملامح أمه مدفونة بداخلها، يُنبش عن تلك التي تجمع عددًا لا بأس به من صفات أمه الحميدة، يُنقب عن مَن تتحمل عصبيته المفرطة وسوء معاملته وتحكمه الزائد عن الحد وتصرفاته التي لا ترضيها دون اعتراض أو مناقشة، يتابع البحث عن مَن تطيعه وتؤيد كل أفعاله وأقواله تأييدًا مُطلقًا، لا تقول سوى حاضر ونعم، تقف بجواره في الأزمات حتى وإن لم تجده بجوارها عند تعرضها لمثلها، مَن لديها الاستعداد للتضحية بكل شيء في سبيل تربية أطفالها وسعادة أسرتها..

كلهم داوود باشا لكن ليس كُلهن سنية الوراق!

عندما يفشل في إيجاد شبيهة أمه تبدأ حينها «الخطة ب» وهي إيجاد مَن تمتلك الحد الأدنى من صفات «الأم المثالية» ثم محاولة تقويمها لتصبح نسخة متكاملة عنها، يبدأ بعدها سباق المقارنة الذي لن يكون هناك فائز به، يحاول نقد جميع تصرفاتها بحجة إنها مخالفة لما كانت تفعله أمه، فلماذا ترد عليه رغم أن أمه لميرتفع صوتها يومًا على أبيه؟، لماذا لا تقدم نفس التضحيات التي قدمتها أمه له ولأسرتها؟، لماذا لا تتحمل عصبيته المفرطة وغضبه الجامح، أهي أفضل من أمه مثلاً؟، لماذا تترك منزلها وقت الخلافات رغم أن أمه لم تترك منزلها يومًا مهما تعرضت من عنف وقسوة؟، تشتعل الخلافات وتكثُر المشاجرات، حينها يكتشف شيئًا مهما وهو أن حتى أمه لا تشبه نفسها!.

أمهات لا يشبهنّ حتى أنفسهّن!

لا يعرفون أن أمهاتهم لا يشبهنّ حتى أنفسهنّ، فلا أحد يرى ما ورا القصة وما سكتنّ عنه كثيرًا!، لا يدركون أن المعاناة كانت خيارهنّ الوحيدة، فهذا ما تربين عليه طوال حياتهنّ؛ أن المرآة خُلقت لتتحمل وتُطيع وتستجيب، هكذا يمكن اعتبارها امرأه وزوجة مثالية، أما مَن تحاول الخروج عن كتالوج المثالية المزعومة هذا فربما يتم رجمها حية!، فثقافة النقاش أو الاعتراض أو حتى الطلاق لم تكن خيارات يمكن التفكير فيه حينها، إنما كانت تعتبر ضربًا من ضروب الجنون.

ومن ناحية أخرى فالبعض منهن أيضًا لم تكن أحوالهنّ الاقتصادية على ما يرام، لذا لم يمتلكنّ حرية التغيير أو الرحيل، والبعض الأخر حاولنّ بشتى الطرق حماية أسرتهنّ من التفكك والانهيار منعًا للقيل والقال، وحفاظًا على أولادهنّ حتى ولو على حساب أنفسهنّ.

لا يعرفون كم من الأيام جلسنّ باكيات حزينات على حياتهنّ التي ضاعت هباءً، وكم مرة مسحنّ دموعهنّ بعيدًا عن أنظارهم ثم وضعنّ تلك الابتسامة الساحرة على أفواههنّ التي كانت تحمل ورائها الكثير ولكنهم لا يعلمون وليتم فعلوا!، وكم تمنينّ لو امتلكن حرية الاختيار والتغيير لربما استطعنّ إنقاذ أنفسهنّ وتغيير كل شيء! .. 

أخيرًا، انا لست هنا بصدد إتهام الأمهات بشيء أو التقليل منهن، فالجميع يُدرك معاناتهن ويقدر تضحياتهن، لكني فقط أذكر البعض باختلاف الأحوال بين اليوم وأمس، وأن زوجاتهم لسنّ بالضرورة أن يصبحنّ نسخًا شبيهًا من أمهاتهم، وأن مَن ضحت وتحملت ربما لم تفعل هذا عن طيب خاطر، إنما ربما كان هذا هو خيارها الوحيد، لذا أتمنى أن يعي البعض هذا حتى لا تتكرر نفس مأساة أمهاتهم مرة أخرى ولكن تلك المرة في زوجاتهم!.

** إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني 

أضف تعليق