«مدرسة الروابي للبنات» أزمات المراهقة تبدأ من المنزل! | كتبت سلمى محمود 

٩ سبتمبر ٢٠٢١
كتبت سلمي محمود

تابعت ردود الأفعال الإيجابية على مسلسل «مدرسة الروابي للبنات» الذي عُرض الجزء الأول منه على منصة «نتفليكس»، كنت قد بنيت حُكمًا مُسبقًا عليه لاعتقادي بكونه نسخة شبيهة عن المسلسل الاسباني «elite»، لكن بصبغة عربية مُثيرة للسخرية، لكن خاب ظني عندما شاهدته ووجدت نفسي أمام تجربة موفقة وثرية للغاية.

التنمر وأزمات المراهقات الأخرى

المسلسل من المُفترض أن فكرته الرئيسية تدور حول قضية التنمر، لكن الحقيقة أن العمل كان ثري للغاية بمختلف أزمات فترة المراهقة بصورة قريبة لما يحدث لمعظمنا في تلك المرحلة السنّية المُعقدة.

فما بين الأزمات الأسرية التي يعانينّ منها المراهقات وأثرها النفسي عليهنّ، ومشاكلهنّ داخل أسوار المدرسة، إلى جانب تحكم الأهل والتفرقة بين الذكور والإناث، المشاكل الأسرية والنفسية، التحرش وغيرها.

كلها مست كل واحدة منهنّ وتركت أثرَا بارزًا على شخصياتهنّ بكامل تناقضاتها، لنُدرك حقيقة هامة وهي أن أزمات المراهقة بدأت من مكان واحد وهو المنزل!، حيث عانت بطلات المسلسل من متغيرات عديدة داخل منازلهنّ ساهمت في تشكيل شخصياتهنّ بكل تعقيداتها، أهمها كان قلة خبرة الأهل في التعامل مع فترة المراهقة، فالبعض منهم لجأ إلى استخدام أسلوب التحكم الزائد وإلغاء شخصياتهنّ، والبعض الأخر «ترك الحبل على الغارب»، أهملوهنّ، لم يمنحوهنّ الثقة والاحتواء للحكي معهم بصدق، أو تصديقهنّ إن وقعنّ بمشكلة، والنتيجة في الحالتين لم تكنْ شيئًا يستحق الثناء!.

فـ «ليَان» المتمردة والتي كانت تتفنن في إحراج زميلاتها كانت تعاني من تسلط إخوانها الذكور وخوفها الزائد منهم، ودفعها هذا للبحث عن مأمن أخر غير عائلتها وهو صديقها «ليث» وقادهما هذا في النهاية لنهايتهما المأساوية، نفس الأمر لصديقتها «رانيا» التي كانت تعاني من إهمال أسرتها لها وعلاقتها المتوترة بوالدها، بينما صديقتهما «رُقية» فكانت تعاني من تنمر أمها وتهميش صديقاتها لها وإحساسها بعدم الانتماء لهنّ، كل هذا ساهم في تشكيل شخصياتهنٌ التي أصبحنّ عليها، فأزماتهنّ النفسية وأفعالهنّ السيئة لم تكن سوى نتاج تربيتهنّ الخاطئة وتصرفات الأهل تجاههم!.

العنف والتنمر قد يقود إلى القتل حرفيًا!

على الجانب الأخر نكتشف كيف تحولت «مريم» البريئة إلى وحش كاسر بعد أن تملكت منها بذور الشر التي زُرعت بداخلها بسبب تعرضها للتنمر من زميلاتها وادعاءاتهنّ الكاذبة بتحرشها بواحدة منهنّ، وضربها بوحشية لتأديبها، لتحاول بعد ذلك قلب الطاولة على كل واحدة تسببت في تخريب حياتها بطرق «شيطانية» وصلت إلى التحريض ضد إحدى زميلاتها والتسبب في محاولة قتلها!.

الأمر الذي يعود بنا أيضًا إلى المنزل، فالبعض يشجعون أولادهم على ممارسة العنف والتنمر تجاه زملائهم إعمالاً بمبدأ أن يكونون الطرف القوى، أو لا يتدخلون في مساعدة زملائهم عند تعرضهم للتنمر منعًا لإثارة المشاكل.

وعلى اليد الأخرى لا يُدرك البعض ما يعانيه أطفالهم عند تعرضهم للتنمر وحتى إن أدركوا لا يمدون لهم يد المساعدة، أو يحاولون حل مشكلتهم، بل يستخفون بمعاناتهم ويتفننون باتهامهم بالضعف وقلة الحيلة، ولا يعودون لرشدهم سوى بعد فوات الأوان!.

المرض النفسي ليس عيبًا 

لم يغفل المسلسل الإشارة تذكيرنا بأهمية الصحة النفسية، وأن المرض النفسي شأنه شأن المرض الجسدي كلاهما ليسوا شيئاً يستحق السخرية، من خلال عرض الأزمات النفسية التي تتعرض لها المراهقات إما بسبب مشاكل المنزل أو المدرسة أو غيرها، وحاجة البعض منهنّ إلى تلقي العلاج النفسي، وكيف يتم ذلك بعيدًا عن أعين الجميع خشية اتهامهنّ بالجنون وابتعاد الجميع عنهنّ!.

وهذا ما حدث بالفعل في قصة «مريم» التي سرقت زميلتها دفتر مذكراتها واكتشفت خضوعها لجلسات نفسية، واستغلت ذلك في توزيع كلماتها على الجميع بالمدرسة والترويج لكونها «مجنونة» وتعاني من اضطرابات عقلية مما أكسبها سُمعة سيئة عانت على إثرها الكثير..

التحرش جريمة ليست لها أية مبررات!

وإن تحدثنا عن مشاكل المراهقة فلابد من التطرق إلى قضية التحرش، فكلنّا في تلك المرحلة الحرجة تعرضنا إلى محاولة تحرش واحدة على الأقل طيلة حياتنا، منّا من كانت محظوظة بما يكفي لتقتصر التجربة على مجرد التحرش اللفظي، ومنا مَن كانت سيئة الحظ وتعرضت لما هو أقسى من ذلك كالتحرش الجسدي، ولكن رغم قسوة التجربة بُرمتها فهناك ما هو اسوأ، وهو عدم تصديق روايتنا أو محاولة إيجاد مبررات لفعل التحرش، فبدلاً من أن نحظى بالدعم والمساعدة من الأهل والأصدقاء نجد أنفسنا في موقع الجاني وليس المجني عليه!.

وهذا ما حدث في قصة «نوف» التي حاول أحدهم التحرش بها وخشيت الحديث خوفًا من لوم معلمتها لها بسبب ارتدائها ملابس كاشفة، ونفس الأمر لـ «مريم» التي اتهمتها إحدى زميلاتها كذبًا بمحاولة التحرش بها وبسبب نفوذها لم تستطع أيًا من باقي زميلاتها تكذيبها، وفي النهاية لم تصدقها أمها نفسها رغم كونها الأكثر علمًا بها وبأخلاقها، فالجميع كذب ادعاءاتها فكيف لها أن تُصدقها هي!، لربما لو صدقتها لما حدث كل هذا!. 

ختامًا

«مريم ونوف وليانّ ورانيا» ربما كُنّ شخصيات خيالية من وحي خيال المؤلف، ولكن في الحقيقة هنّ نحنّ في زمن ومكان أخر، فكلنا عايشنا واحدة على الأقل من تلك المواقف المؤسفة طيلة حياتنا، كلنا تحولنا إلى نسخًا لا تُشبه أنفسنا بسبب حدثً تغيرت معه مجرى حياتنا، ورغم اختلاف الأحداث ظاهريًا إلا أنها باطنيًا تحمل الأمر ذاته، وهي أن أزمات المنزل دفعتنا جميعًا إلى ما أصبحنا عليه اليوم.

فأشياء كثيرة كانت لتتغير للأفضل لو تغير سلوك الأهل أنفسهم، لو منحونا المساحة الآمنة للحكي دون خوف بدلاً من إجبارنا على البحث عن مَن يستمع لنا ويصدقنا حتى وإن لم يكُن أهلاً للثقة، لو منحونا الطمأنينة عند ارتكاب الحماقات بدلاً من الصراخ والعويل، لو صدقونا إن تعرضنا لأزمة تحرش أو تنمر بدلاً من إلقاء التُهم علينا، لو شجعونا على تحقيق أحلامنا بدلاً من تكسير مجدايف شحطاتنا، لو فقط أصبحوا أصدقائنا قبل أن يكونوا أباءً صارمين..

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

أضف تعليق