رحلة داخل عقل المرأة المقبلة علي الإنجاب | مقال رأي، لـ جهاد رفعت

٢٣ سبتمبر ٢٠٢١
كتبت جهاد رفعت

المقال يعبر عن رأي كاتبته فقط
عزيزتي الفتاة المقبلة على الزواج.. سيدتي، الزوجة التي سأمت من “المطالب الشعبية” كي تنجب.. ولي العهد. عزيزتي،  إنا كنت مقبلة على اتخاذ قرار الإنجاب.. أو يراودك فضول عما يدور في رأس بعض السيدات المقبلات عليه.. فاسمحي لي أن أصطحبك في رحلة  مع أفكار بعض من سبقنك في هذا الأمر..لتري بعيونهن ما قد يكون خفيا عليك. 

ملحوظة: الهدف  من هذا المقال ليس دعم أو رفض  لفكرة الإنجاب ..بل هو استعراض  لضغوطات عانت منها بعض النساء واللآتي قررن المشاركة بتجربتهن

الإنجاب هو “أمر شخصي “.. فلا يوجد أحد غيرك سيكون مسؤول عن هذا الطفل .. و بالتالي.. ليس لأحد الحق في تحديد متى تتخذين أنت و شريكك مثل هذا القرار.. لكن الواقع يختلف بعض الشيء.

تقول (أ.20 سنة)،  “كنت قد إتخذت قرار بتأجيل الإنجاب لأني تزوجت صغيرة في السن، لكن أهل زوجي ضغطوا علينا، وأنجبت وتحملت مسؤلية طفل في سن صغيرة، وأشعر بأني قد أصبحت أكبر سنا من كل صديقاتي اللآتي في نفس عمري. 

عادة ما تتعرض المتزوجات حديثا أيضا الي السؤال السخيف: “مفيش حاجة جاية في السكة ؟” أنت لست بحاجة لأن تجيبي عن هذا السؤال، بل عن السؤال الأهم، وهو “من سيربي الطفل؟ من سيتحمل الضغوطات والمسئوليات؟ 

ومن المبررات التي يذكرها بعض ممن يضغطون علي السيدات للإنجاب،  هي أن “اللي متخلفش متبقاش ست”.. أو ” لازم تخلفي عشان يبقي ليكي لازمة في المجتمع”

تساؤل مشروع، لكن إذا كان الأمر هكذا.. فما حال من لم ترزق بنعمة الإنجاب؟ هل أتى بها الله إلى الدنيا ليحكم عليها مسبقاً أن تكون بلا قيمة؟

تقول (د .30سنة)، “كنت أري أن السيدة بدون الإنجاب عديمة الفائدة، وأنجبت طفلين فقط لهذا السبب. الحمد لله استطعت أن أربيهم تربية حسنة، ولكني أهملت في نفسي، ونسيت كيف استمتع بالحياة، وشعرت أني أيضا أصبحت بلا فائدة. 

إنجاب طفلا لا يثبت أهميتك.  أهميتك  تكمن داخلك وأنتِ وحدك التي تستطيعين خلقها، من خلال تأثيرك في المجتمع بشكل أيجابي . يمكنك الشعور بأهميتك إذا ساعدتي أحدا ما، أو أنتجت شيئا، أو حققت نجاحا في العمل، أو أعددت طبقا شهيا لزوجك أو العائلة، أو حتي كتبتي منشورا علي الفيسبوك يساهم في حل مشكلة ما.  الشعور بالذات لا يقتصر علي إنجاب طفل فقط  وهناك العديد من الاختيارات.

كم إمرأه تسأل نفسها “أنا ليه عاوزة أخلف” ؟ الإجابة الأولي هي قطعا “لأن هذا هو الطبيعي” . وهي إجابة  أراها تنم عن الأنانية. ما الطبيعي في إنجاب طفل لا تستطيعين تربيته ليصبح فردا سويا منتجا؟ ما الطبيعي في إحضار طفلا الي هذا العالم دون أن تضمني له حياة كريمة؟  

لا أنكر أن الضمان بالله وحده ولكن إن لم تكن المؤشرات الأولية دالة على أن الظرف العام يسمح بتولي مثل هذه المسؤولية، فأنت تتحملين جزء كبير من المصير المجهول لهذا الفرد. و تتجسد هذه المسؤولية على الأقل في توفر الحد الأدنى من المادة لتوفير القدر الطبيعي من الاحتياجات لهذا الفرد، ووجود شريك يعينك على تحمل هذه المسؤولية.. وهو بالضبط ما لم تدركه صاحبتي الحالتين الآتيتين.

تقول (ن 50 سنة) “لدي ثلاثة أطفال. الأول أدخلناه حضانة خاصة للغات. عندما أنجبنا الطفل الثاني كانت الإمكانيات المادية قد قلت بسبب صرفنا على  الطفل الأول، فألحقنا ثاني أولادنا بحضانة حكومية، ومع إنجابنا الطفل الثالث، كانت مستوانا المادي قد تعثر كثيرا، فأدخلنا  ثالث أبناءنا حضانة خيرية بالقرب من البيت!”.

قبل أن تنتقد و تؤكد على أن “العيل بييجي برزقه” فإعمال العقل و الانتباه للمؤشرات الأولية لا يتنافى مع مبدأ التوكل على الله.. و لكن اعقلها و توكل.

يدهشني زوجان عانا من مشاكل مادية بعد إنجاب الطفل الأول، ومع ذلك قررا إنجاب طفل ثاني وثالث! هذان الزوجان يمثلان نسبة ليست بالقليلة من الأزواج، ومع الأسف ما زالوا  ينجبون المزيد دون مراعاة إمكانية توفير الاحتياجات المادية للأبناء. بالتأكيد هناك فرق بين طفلين، أحدهم وفر له الأهل  كل ما يحتاج من تعليم ومأكل وملبس وترفيه، وبين طفل آخر عانى من نقص احتياجاته الأساسية. 

أما عن جانب الشريك المناسب، فتقول (ن 30 سنة )، “كنت خائفة من الوحدة.. زوجي سلوكه طائش وغير منضبط، وفكرت انه عندما يصبح أبا “هيعقل”. أنجبت و إزادت الأمور سوءا، و أشعر بندم كبير، لا استطيع طلب الطلاق لأن الإنجاب قيدني.”  

الزوج ينبغي أن يكون الرفيق والسند، والونس الأول والأخير. إذا إحسنت إختيار شريك حياتك، سيكون هو رفيق دربك حتي النهاية وفي أسوأ الأوقات. أما اذا لم توفقي في إختيارك لرفيقك، فهذا سبب أدعي يجعلك تفكرين ألف مرة قبل إحضار طفلا يحمل إسمه، قد يعاني من الإضطرابات بسبب توتر العلاقة والمشاحنات بينكم.  

هذا عن الشريك أما عن فكرة أن “الطفل يقتل الملل بين الزوجين”، تقول( م.40 سنة)، “بعد الزواج بفترة مرينا بحالة من التعود، فقررنا الإنجاب لتجديد روح البيت، ولكت حدث العكس، لم يعد بإستطاعتنا السفر أو السهر وقتما شئنا كما كنا قبل الإنجاب، وأصبح الإنجاب هو المتحكم بنا.”

عزيزتي، هناك العديد من الأنشطة التي تساعد علي قتل الملل أو الحد منه بدلا من إنجاب طفل، ,علي سبيل المثال وليس الحصر مشاهدة أفلام أو مسلسلات علي نيتفليكس أو غيرها من المنصات المتوفرة، زيارة الأقارب، الخروج مع الأصدقاء، السفر داخل وخارج البلاد، عمل مشروع ما، ممارسة الرياضة، تنمية موهبة، أو غيرها. إنجاب طفل ليس وسيلة لملئ الفراغ، بل هي مسئولية كبيرة.

هذه النماذج السابقة هي نماذج معبرة عن أسباب دعونا نصفها بـ “الدوافع المفتقرة للعقلانية” و هي تعكس عدم وعي بعض النساء بالهدف الحقيقي للإنجاب. إذا كان هدفك من الإنجاب واحدا من الأسباب السابقة فرجاءا أن لا تنجبي طفلا لا يعرف حتي سببا حقيقيا لوجودة في هذا العالم. 

تتعدد الأهداف النبيلة للإنجاب، أهمها رغبتك في تقديم فردا للمجتمع وللوطن يترك أثرا نافعا، أو رغبتك في تلبية نداء شعور “حقيقي” داخلك وهو الأمومة بدون ضغط من أحد. مهم أيضا ألا تنسي أهم متطلبات الإنجاب، وعلي رأسها وعيك الكامل بالمسئولية العظيمة التي ستتولينها طيلة حياتك، والأهم هو اختيار أب يمكن أن يكون قدوة صالحة لطفلك.

عزيزتي …الحمل والإنجاب لا يستغرقان سوي تسعة أشهر، لكن التربية السوية تستغرق سنوات. وبالرغم من زيادة أعداد المواليد، لا  يترك الكل أبناءا مؤثرين صالحين.

أخيرا، أنا لست ضد الإنجاب، ولكني ضد من جعله ” فطرة وغريزة”، ومكملا لأنوثتي . إني أنادي بحرية اللاإنجابية وأن يتقبلها من حولي، مثلما أتقبل الإنجابية وأحترمها “بأهدافها النبيلة” .

** إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني 

أضف تعليق