متى أصبحت هرمونات النساء مادة للسخرية والاستهزاء؟ | سلمى محمود

٢٨ سبتمبر ٢٠٢١
كتبت سلمي محمود

هناك حكمة تقول ما زاد عن حدّه أنقلب ضده، تذكرت تلك المقولة وانا في غُمرة تفكيري في موضوع «هرمونات النساء»، الذي أثار فضولي بشّدة، وعبثبعقلي كثيرًا بعد أن وجدت الكثيرين يتحدثون عنه مؤخرًا.

في البداية كنت مثل الكثيرات اللواتي يجهلنٌ طبيعة أجسادهنّ، ولا يفهمن كثيرًا التغيُرات الهرمونية والجسدية التي تحدث لهنّ، أعذروني ولكن هذا لم يكن جهلاً، ولكن الكثيرات ممَن هُن في مثل سني تربينّ بطريقة تُحرم الحديث في تلك الأمور النسائية الشائكة لأنها «عيب» ولا يصح أن نتداولها أمام الجميع، فقط نعلم مُجرد القشور عنها، أما الكثير منها فلا يُعتبر ضرورة مُلحة.

كنت سعيدة بشّدة عندما وجدت بعض الفتيات قررنّ كسر حاجز الصمت، والحديث باستفاضة عن الهرمونات النسائية، والأعراض التي تؤثر علينا في تلك الفترة بشكل غريب كُنا نجهل مصدره أو نفهم ماهيته، وبسبب حديثهنّ هذا، بدأت أفهم التغيرات الهرمونية التي تحدث لي قبل الدورة الشهرية أو ما يُسمى بفترةPremenstrual syndrome (PMS) والتي تحدث قبل أسبوع أو أسبوعين من الدورة الشهرية، وتعاني بسببها أغلب النساء بأعراض متشابهة، لكن تختلف حدّتها حسب طبيعة أجسادنا المختلفة.

فهمت الألم البدني والضغط النفسي الذي أتعرض له كل شهر في نفس الموعد، التقلبات المزاجية، الاكتئاب والقلق، العصبية غير المُبررة، والرغبة العارمة فيالبكاء، واضطرابات الشهية وصعوبات النوم والارهاق، وغيرها، لكن بسبب حديثهنّ هذا فهمت كل شيء، وأظن أن الكثيرات مثلي فعلنّ.

شعرت حينها وكأن الفرصة أصبحت سانحة ليعلم الجميع عنا وعن أجسادنا وتغيراتنا الهرمونية الدورية، لعلهم يفهمون قدر المعاناة التي تربينّ نحن دومًا على إخفائها عن أعينهم «علشان عيب وميصحش»، لكن «الحلو لم يكتمل»، فالأمر فجأة بدأ يأخذ مُنحدر أخر أكثر سوءًا، فالتوعية بالهرمونات النسائية أصبحت جُزءًا من نكتة كبيرة سخيفة أصبح يتم استغلالها للتقليل منّا والاستهزاء بنا

سأقص عليك النكتة التي أعلم إنها ستفشل في رسم الابتسامة على وجهك، القصة بدأت بسرد التغيرات الهرمونية الدورية التي تتعرض لها النساء لا لغرض التوعية، ولكن بصورة تُركز على أن المرأة تكون في تلك الفترة غير متزنة عقليًا ونفسيًا بسبب ما يحدث معهنّ من تغيرات، ولذلك يجب التعامل معهنّ بحرص«علشان مش بيكونوا في وعيهم» منعًا لأي خسائر، وهذا طبعًا حق يُراد به باطل!.

الأمر لم يقتصر على هذا وحسب، إنما بدأت النكتة في التطور أكثر حتى وصلت إلى مستوى أكثر سوءًا ورداءة، والمصيبة أن النساء أصبحنّ يشاركنّ في نشرتلك الادعاءات بحجة المزاح قبل الرجال أنفسهم!.

فلم يعُد شيئًا غريبًا أن نرى نساء يسردنّ قصص من وحي خيالهنّ عن السيدة التي أطلقت صرخة مدوية في المترو وأوسعت كل مَن وجدته أمامها ضربًا بدونسبب سوى أن «هرموناتها قامت عليها»، أو تلك التي قامت بفسخ خطبتها من خطيبها أو طلب الطلاق من زوجها أو التنكيد على صديقها في تلك الفترة لأنها لاتستطيع السيطرة على هرموناتها، أو حتى تلك التي أفسدت عملها وتسببت في خسارة شركتها ملايين الجنيهات بسبب عدم تركيزها في تلك الفترة بفعلالهرمونات، وغيرهنّ الكثير.

هذا بالإضافة إلى هؤلاء اللواتي يحاولن إلصاق كل أفعالهنّ السيئة في « الهرمونات»، فنجد تلك تُبرر تطاولها على صديقتها بسبب «الهرمونات»، وتلك تبرر فشلها في تجاوز الامتحان بفعل «الهرمونات»، وتلك تبرر سعيها الدائم في التنكيد على زوجها لأنها بالطبع تحت سيطرة «الهرمونات» وبالطبع كلها مشاعر غير حقيقية وليست سوى مشاركة في الترند والسعي وراء حفنة من «اللايكات».

قد تعتقدين أن الأمر لا يستحق كل هذا التهويل، لكن فقط تذكري كم مرة تم استغلال حِجة الهرمونات تلك لقلب الطاولة عليك وتحميلك جُرم لم ترتكبيه؟، كم مرة تم التعامل معك وكأنك مختلة عقليًا أو بكِ عِلة ما واستفزازك بأنك ناقصة عقل ولا يجوز مناقشتك والحديث معك بعقلانية؟، كم مرة سمعتِ أو قرأت تلك التعليقات التي تسخر منك ومما تعانينّ منه إن فكرت في مناقشة أحدهم وعندما أحتدم النقاش بينكم قرر اللعب بورقة الهرمونات تلك وقام بإنهاء حديثه معك بـ “أنتي عندك البريود ولا إيه؟”، كم مرة حاول البعض تجريدك من حقك الطبيعي في ممارسة بعض الوظائف بحجة أن تلك الهرمونات وأعراضها قد تُعيقك عن إتمام تلك الأعمال لأنها تحتاج شخصًا يستطيع السيطرة على مشاعره ويُمسك بزمام الأمور ولا تمر عليه أيامًا يفقد فيها السيطرة على كل شيء مثلك!، بالتأكيد مئات المرات!.

الحقيقة انا لست هنا في صدد التقليل من تلك الأعراض أو نكران وجودها من الأساس، فجميعنا تزورنا تلك الأعراض «الطبيعية» شهريًا باختلاف حدّتها، كلنا نصبح في حالة مزاجية سيئة ونحاول مصارعة تلك الألآم النفسية والجسدية لكي نُكمل أعمالنا بصورة طبيعية دون أن يدري أحد عنّا وعما نُعاني، منّا مَن تغلبها تلك الألآم ولا تستطيع السيطرة عليها من شدّتها، ومنّا مَن يكون الأمر معها أخف وطأة وتحاول إخفاء ألمها بعيدًا عن الأعين بفعل المسكنات والأدوية الأخرى حتى تتمكن من ممارسة حياتها بصورة طبيعية.

وسواء كانت الأعراض بسيطة يُمكن التعامل معها أو مؤلمة كالموت، لا نتحول بفعلها لشخصيات مُختلة عقليًا يُمسكن بالأسلحة النارية ويحاولنّ قتل وتدمير كل شخص يعترض طريقهنّ، فهذا من محض خيال المؤلف، ومجرد وافتراءات لا تحدث سوى في خيالهم المريض.

أخيرًا حديثي هذا ليس تقليلاً من هرمونات النساء، ولا هي كتمًا لأصوات النساء حتى لا يُعبرنّ عن ألامهنّ في تلك الفترة، بالعكس تمامًا أتمنى أن تُعبر النساء عما يشعرّن به ويشاركنّ تجاربهنّ مع الأخرين حتى يفهم الأخرين التغيرات المزاجية التي تحدث لنا، لعلهم يفهمون ما نمر به ويقدرون معاناتنا، لكن يجب أن يتم ذلك بشكل حقيقي، واقعي بعيدًا كل البُعد عن التهويل أو محاولة إضفاء لمسة ساخرة.

فهرمونات المرأة ليست مجالاً للسخرية و «تصدر الترند» بأي شكل كان، واستغلال ذلك كوسيلة في وصم النساء وتبرير السخرية منهنّ وقلب الطاولة عليهنّحتى لو كان الحق معهنّ، وحرمانهنّ من أبسط الحقوق ما هو إلا أسلوب رخيص وفي غير موضعه بالمرة.

** إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق