رجلان وامرأة واحدة .. «عن الزواج الثاني للمرأة» | سلمي محمود

٢٧ أكتوبر ٢٠٢١
كتبت سلمي محمود

منذ فترة رأيت «بوست» على فيس بوك لمجموعة من الشباب يحتفلون بزواج والدتهم، كان يمكنك بمجرد النظر إلى الصور أن تلمس شعور الفرح الذي كان يظهر ملياً على وجوههم، كل شيء كان يبدو مثاليًا حتى وصل الأمر إلى «السوشيال ميديا» وأنت تعرف البقية.

فجأة وجدت سيل من ردود الأفعال السلبية التي طالت كافة الأطراف، بدءًا من الهجوم والتجريح الذي طال السيدة ووصفها بأسوأ الأوصاف، مرورًا بالشتائم والخوض في الأعراض، ووصولاً لتوجيه السباب لأولادها ووصفهم بالـ «الدياثة» وقلة الرجولة، مع تحذيرهم بنبرة صارمة بأن ما فعلوه سيظل وصمة عار تطاردهم طوال حياتهم.

بدأت أفكر حينها فيما فعلته تلك المرأة المسكينة وأولادها حتى تُصيبهم سهام التجريح والسباب، رغم كونه حق الأم الشرعي الذي لم يُحرِمه دين ولم يجرمه قانون، وأيضًا حدث بمباركة عائلتها الذين من المُفترض كونهم الأطراف المعنين الوحيدين بهذا الأمر، لكني عندما قربت الصور أكثر بدأت حينها أفهم أن الأمر لا يتعلق بزواج تلك السيدة بعينها إنما بزواج أي امرأة للمرة الثانية!.

لماذا يعارض المجتمع حق الزواج الثاني للمرأة؟

 لا أجد سببًا مُقنعًا لذلك، ربما لأن العادات والتقاليد وضعت قانونًا خفيًا يُحتم على النساء أن يخوضنّ تلك التجربة مرة واحدة فقط طيلة حياتهنّ، فهناك مَن تُجبرها الظروف على أن تقضي طيلة حياتها حزينة على زوجها إن توفاه الله وتبقى مُخلصة لذكراه، وهناك مَن لا تملك سوى أن تعض أصابع الندم على زيجة لم تنجح وتقضي بقية عمرها تُربي أطفالها دون سند، وهناك مَن تقع فريسة لزوجها السابق الذي يُساومها على حقوقها أو أطفالها ليُجبرها على البقاء وحيدة ويعيش هو في المقابل حياته بهدوء.

هناك بضع سيدات أيضًا يقودن فريق المعارضة ضد الزواج الثاني للمرأة ربما حقدًا على امرأة فعلت ما فشلن هن به، ففي حين ضربت هي بنظرات المجتمع المشوهة وأحاديثهم البالية عرض الحائط وقررت المضي قدمًا في طريقها لازلنّ هنّ يضعنّ «الناس هتقول علينا إيه» و«عيب عليكي في السن ده وهتتجوزي» فوق رؤوسهم بدلاً من المضي قدماً في طريقهنّ، لذا بدلاً من دعمها أو محاولة حذو نفس طريقها قررنّ أن يقلبنّ الطاولة عليها بلا رحمة ويشاركنّ المجتمع أحاديثه البالية حتى وإن لم يقتنعنّ بها يومًا. 

وهناك جانب يخص المرأة نفسها وهو تربيتها على أنها الطرف المُضحي دومًا الذي يجب عليه أن يُبادر بالتنازل عن حقوقه حتى وإن لم يُطلب منه أن يفعل، لذا تختار «هي» الوجهة الأسهل دائماً، تضحي، فتخسر، فتتناسى كونها امرأة لديها احتياجات ومتطلبات وظروف ويتناسى معها المجتمع كونها امرأة أيضاً، وإن قررت العدول عن قرارها في لحظة شجاعة عابرة يكون الأوان قد فات.

وهناك مَن تقع فريسة لأنانية عائلتها الذين يعارضون فكرة زواجها أملاً في استغلالها وحتى يظل «ينوبهم من الحب جاب»، ومن جانب أخر يخشى البعض منهم كلام الناس والتشكيك في إخلاص وتضحية ابنتهم المزعومة.

ومن ناحية أخرى يأتي جانب الأنانية من جهة الأبناء الذين لا يعتبرونها أكثر من مُجرد «أم» عليها أن تُلبي احتياجاتهم وتظل بجوارهم طول العمر دون النظر إلى احتياجاتها أو متطلباتها كـ «امرأة» تحتاج إلى سند يبقى بجوارها ويُعينها على تجاوز لحظات الحياة ، أو ونس تشاركه ليالي الشتاء الباردة، أو رجل تحتمي به ويساعدها على تدبير ظروف المعيشة الصعبة، ولأنها «أم» تُقرر الرضوخ لهم حتى ولو على حساب نفسها!.

الجميع يبحث عن الأسباب

لا أفهم الحقيقة أيضاً السعي غير المبرر من الجميع للبحث عن الأسباب الخفية وراء الزواج، جربِ طرح هذا الموضوع أمام مجموعة من البشر سواء كان يتعلق بزواجك أنتِ أو غيرك ستجدين أول كلمة تخرجك من أفواههم بعد شعور الصدمة والضحكات الخفية بالطبع هو سؤال «لماذا»؟

كأن الأمر غير طبيعي أو حدثًا شاذًا مثلاً، وقتها تختفي رُخصة الشرع ومباركة العائلة وقبل كل ذلك حقك الشرعي في الزواج ويأتي محل ذلك مناقشة أسباب الزواج واستنكار كونك «جربتي حظك في الجواز قبل كدة وفشلتي لسه هتتجوزي تاني؟، هو أنتي لسه صغيرة على الجواز تاني؟، عاوزة تجيبي لعيالك جوز أم مش خايفة عليهم منه؟ …..»، رغم أن الموقف لو حدث معكوسًا وفكر أي رجل في الزواج للمرة الثانية والثالثة والعاشرة لن يجد رد الفعل المبالغ فيه هذا، أو قد يناقشه أحد في أسباب زواجه أو يستنكرون فعلته، بل قد يتطوع البعض في البحث عن عروس تناسبه لأنه رجل ولديه احتياجات، أما «هي» فتمثال مصنوع من الشمع لا يشعر ولا يحس!.

تريدونالأسباب، ها هيالأسباب!

تحتاج المرأة لتجربة الزواج مثلها مثل الرجل تمامًا لأسباب عِدة منها احتياجها إلى وجود رجل تتكئ عليه ويصبح سندًا لها ويساعدها على ضبط بوصلة حياتها، ومنها احتياجاها إلى ونس يدفئ جدران منزلها بعد أن غادره الجميع لظروف الحياة المختلفة، هناك مَن تبحث عن أب يساعدها على تربية أطفالها معها وتأمين حياة مستقرة لهم وحمايتهم من العالم وبطش فترة المراهقة والشباب، هناك أيضاً الاحتياج الجنسي لكونها إنسانة ولديها احتياجات مثل الجميع، والاحتياج المادي لإيجاد مَن يعينها على تحمل متطلبات وتكاليف الحياة الصعبة بعد أن هجرها الجميع، وأخيراً تبحث المرأة عن رجل لكونها إنسانة مازال لديها قلب ينبض قد يقع في الحب، وقد ترغب في اتخاذ قرار تكرار تجربة الزواج مرة أخرى في حال وجدت شخصًا مُناسبًا لها ومُرحبًا به من الجميع.

الخلاصة

حديثي هذا لا يناقش فكرة الزواج الثاني من عدمه ولا يُجبر أحد على خوض التجربة فلكل منه ظروفه التي لا تشبه أحد، لكنه يُذكر البعض أن قرار الزواج قرار شخصي بحت يتعلق بالمرأة وحدها دون غيرها، فهي مَن تملك حق الرفض والقبول، مع مراعاة اختيار طرف مناسب يراعي الابناء ولا يسبب لهم أي ضرر وأن يتم القرار بالتشاور مع عائلتها وأولادها بالطبع.

هذا بالطبع بعيدًا عن الصورة النمطية التي تضع زوج الأم في منزلة الساحر الذي سيأتي ليقلب المنزل رأسًا على عقب ويُدمر كل مَن يعيش بداخله، فهذا ليست القاعدة دائماً، فقط يتطلب ذلك حُسن الاختيار والقرار.

القرار الذي قد يحمل ورائه أسباب خفية أو قد يكون مبني على احتياج طبيعي بحت، في كلتا الحالتين قرارها لا ينقص من قدرها شيئاً، ولا يمنح أحد الحق في انتقادها أو استنكار فعلتها، فهي وحدها مَن تعلم الأفضل لها ولعائلتها، وهي مَن ستتحمل مسؤولية قرارها في النهاية.

** إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

1 comments

اترك رداً على Abubaker Jandan إلغاء الرد