هل المرأة تقصد حقًا ما يتفوه به فمها؟ | كتبت سلمي محمود

٦ فبراير ٢٠٢٢
كتبت: سلمي محمود

لاحظت منذ فترة بعض الكتابات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي والتي كانت تدعم عدّة أقاويل لا أساس لها من الصحة عن النساء، على رأسها أن المرأة لا تعني حقًا ما يتفوه به فمها، فإن قالت لك «لا» فهي تقصد «نعم» فلا تصدقها أو تستجب لها، وإن خرجت من فمها كلمة «توقف» أو «ابتعد» أو «لا أريدك» أو غيرها فهي تريدك أن تبقى وتُكمل فعلتك بشدّة، أما إن اخبرتك إنها «تكرهك» فلا تصدقها فهي تعشق تراب قدميك!

في البداية ذُهلت وتساءلت عن مَن تلك التي قد تتفوه بالكلمة وتقصد عكسها ولماذا قد تفعل ذلك إلا لو كانت في العاشرة من عمرها مثلاً وتريد أن تتدلل على والديها!، ثم ظننت إنها مجرد كتابات حمقاء خرجت من بعض الألسنة الذكورية بغرض المزاح ثم انتشرت عدواها بين بعض النساء خاصةٍ «صغيرات السن» اللواتي رددنّ الجملة دون فهم أو إدراك، ثم فهمت إن الأمر أكبر من مجرد هراء فارغ إنما أخذ الأمر مُنحنى أكثر سوءًا وإزعاجًا.

أصبحت تلك الجملة مؤخرًا بمثابة حقيقة مطلقة غير قابلة للنقاش أو التعديل، تُدين النساء ويتم تداولها كل يوم لإثبات «كونهنّ ناقصات عقل ودين» لا يمتلكنّ قولاً واحدًا «ثابتًا» ولا يُمكن فهم ما يدور بداخل عقولهنّ أو ما يُفكرنّ به أبدًا، فكل كلمة تخرج من أفواههنّ قد تحمل معنى أخر مُبطن بعيد كل البُعد عن المعنى الظاهر أمامك.

بدأ الأمر يتطور شيئًا فشيئًا، حيث بدأ البعض في استخدام تلك الحجة للتنكيل بالنساء وارغامهنّ على أشياء كثيرة لا يردنّ القيام بها حقًا بحجة إنهنّ لا يقصدّن حقًا حديثهنّ بالمعنى الحرفي، فحتى لو رفضنّ ألف مرة فرفضهنّ هذا أمام الجميع يعني القبول أحياناً!.

أما ما زاد الطين بلّة هو ظهور الأحكام المبنية مُسبقًا على النساء بكونهنّ لا يستطعنّ قيادة السفينة في المنزل أو العمل وغيره، ناهيك عن كونهنّ لا يصلحنّ للعمل في الكثير من الوظائف التي تتطلب رؤية سديدة وقرارات مُحكمة، فشخص يُغير حديثة بين الحين والآخر ويتفوه بكلمات ثم يقصد عكسها بالتأكيد لن يمتلك الكفاءة المطلوبة لشغل تلك الوظائف «الصعبة»!

«السكوت علامة الموافقة» القصص المؤسفة دائمًا ما تبدأ بنفس الطريقة. تصمت الفتاة بسبب قلة حيلتها وعدم تملُكها لقرارها بيديها، ولعلمها بعدم قدرتها على إبداء رأيها بصراحة في تواجد الرجال والأكبر سنًا من حولها فيرقص الآخرون فرحًا على موافقتها «الضمنية» على العريس وتعُم الفرحة الإرجاء، بينما تحترق هي غضبًا وحُزنًا على حالها الحالي والمستقبلي، تصمت «هي» أمام تحرش غريب بها خوفاً من تطاوله عليها وتبرير الأخرين لفعلته فيتهمها الجميع بأنها هي مَن أغرته ليقوم بفعلته تلك «فلو كانت رافضة إنه يلمسها متكلمتش ليه؟»، تصمت «هي» أمام معاكسة غريب لها لعلمها إنها لن تجني سوى الإساءة «والبهدلة» فيتمادى المتحرش في فعلته «لأنها لو كانت متضايقة كانت اتكلمت»!

أما إن تحدثت فلا يستمع الجميع إليها وان فعلوا قد تجدهم يسوقون ألف تفسير وتفسير يُثبت عكس مقصدها الفعلي، تصرخ في أحدهم طالبة منه التوقف عن فعل لا ترغب به فيُكمل ما يفعل غير مُبالي لقولها، فهو يعلم أن النساء لا يعنينّ دائمًا ما تتفوه به ألسنتهنّ، تخبره إن علاقتها به لن تنجح ويجب إنهاء الأمر فيُكمل طريقه معها لربما كانت تعني بذلك إنها تريد لعلاقتهما أن تستمر طيلة الحياة، فهذه رؤيته عن المرأة إنها لا تقصد حقًا ما تقوله، تختفي عن الأنظار هربًا منه فيفهم إنها «تتقل عليه»، يتمادى في حديثه معها فتطلب منه التوقف لكنه يُكمل طريقه ظنًا منها إنها «بتدلع عليه»، فتوقف تعني استمر في قاموس المرأة بالطبع!

هكذا تظل «هي» تصمت برهة وتتحدث كثيرًا ويفتعلون «هم» في المقابل عدم الفهم وكأنها تتحدث لغة غريبة وصعبة الفهم على الجميع، فالمرأة بالنسبة لهم أصبحت كائن مُعقد صعب الفهم والتفسير، حتى لو كان حديثها مباشرًا ويُصيب الهدف!.

في النهاية أتمنى أن يتوقف الجميع عن ترديد تلك المُزحة السخيفة التي تحولت بفضلهم «رجال ونساء» إلى حقيقة مُطلقة لا تقبل النقاش أو الجدال ظُلمت على إثرها العديد من النساء في حياتهنّ الشخصية والعملية، وتدمرت بسببها الكثير من العلاقات بسبب الفهم الخاطئ المتبادل بين الطرفين. 

** إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني 

أضف تعليق