“الدبلوماسية بعيونهن” : حوار مع قرينة السيد وزير الخارجية بمناسبة مئوية وزارة الخارجية المصرية | حاورتها: ميساء جيوسي

٩ مارس ٢٠٢٢

“الدبلوماسية بعيونهن”
حوار مع قرينة السيد وزير الخارجية بمناسبة مئوية وزارة الخارجية المصرية

حاورتها: ميساء جيوسي
ميسا جيوسي حرم سكرتير أول جمال عطا

تبوأت المرأة المصرية على مر العصور والأزمنة مكانة رفيعة في مجتمعها حيث كانت ولا تزال ترساً أساسياً في عجلة تقدم مصر وازدهارها. فالمرأة المصرية سليلة حضارة تبلغ من عمر الزمن آلافاً من السنين، وتعود مشاركتها الفاعلة تاريخياً إلى مستويات لم تصلها الكثير من النساء إلى يومنا هذا. 

 هذه المكانة تظهر بما لا شك فيه في كل المعابد والمواقع الأثرية المصرية التي لا يخلو أي منها من رسومات توضح دور المرأة ومكانتها في مصر القديمة. نقوش تقدم المرأة بأبهى صور الشراكة المجتمعية في البيت والحقل والدراسة والحكم والسياسة والفلسفة. باختصار كان دور المرأة في مصر على مر العصور تنويرياً بامتياز. 

 اليوم ومصر تخطو بخطى ثابتة نحو مستقبل منير يحمل للأجيال القادمة شعلة التنوير والازدهار لا تزال المرأة المصرية تتبوأ ذات المكانة وذات القدر. وليس أكثر دلالة على هذا من استعراض بانورامي سريع لعدد النساء اللاتي تتبوأن مناصب عُليا في مصر وفي منظمات دولية ذات أهمية بالغة، جنباً إلى جنب مع صدارة المرأة المصرية في مجالات التعليم والعمل وريادة الأعمال. هذه الإنجازات تم تأطيرها بالإستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية والتي أعدها المجلس القومي للمرأة بهدف تعزيزها ما أمكن. ومن المهم الإشارة بأننا لا نعني بالمشاركة فئة معينة بعينها، فالمرأة في صعيد مصر تسهم إسهاماً يوازي نظيراتها في القاهرة والإسكندرية والغربية والشرقية إلى آخر القائمة، كل في مكانها وفي مهامها التي تصب في منحى واحد، ألا وهو رفعة الوطن وتقدمه. 

 اليوم وفي ذات السياق، ووزارة الخارجية المصرية تحتفي بإيقاد شعلة مائة عام من العمل الدبلوماسي المصري الأصيل، ننتهز هذه الفرصة المميزة لإلقاء الضوء على دور زوجة الدبلوماسي ومهمتها المحورية في مشاركة زوجها رحلة العمل الدبلوماسي بكل ما تحمل من مكونات، وتحديات، وإنجازات ومهام. وفي هذا المقام لا نجد خيراً من محاورة سيدة بلغت من خبرة العمل الدبلوماسي أوجها كونها قرينة السيد وزير الخارجية “سامح شكري” والذي تولى وزارة الخارجية في العام 2014 إلى يومنا هذا. عقود من التنقل في العديد من الدول في مختلف قارات العالم، مرافقة لزوجها في تدرجه في سلم الدبلوماسية المصرية بكافة درجاتها. علّنا في البدء نشير لحرص قرينة السيد وزير الخارجية على التواصل الدائم بشكل بنّاء ومباشر مع زوجات الدبلوماسيين خلال تواجدهم في مصر، وحرصها الدائم على الالتقاء بهن وجهاً لوجه، لكن ظروف الوباء خلطت أوراق العالم بأسره، وهنا لم تتردد قرينة السيد الوزير في مخاطبة الزوجات في هذه المناسبة التي تحتفي بها أسرة الخارجية المصرية بكل فخر وإكبار. 

بداية، كيف ترى قرينة السيد الوزير مصر حالياً؟

– مصر اليوم تمر بمرحلة تقدم وازدهار في جميع المجالات ويجب علينا كسيدات أن نكون جزءاً من هذا التقدم ونساعد بمجهوداتنا وبكل ما نستطيع أن نشارك بمهاراتنا وخبراتنا وعلمنا وأن نغتنم هذه الفرصة لإظهار من هي المرأة المصرية وما هو دورها لهذه المرحلة المهمة في بلدنا.

ما الذي يمكن لقرينة السيد الوزير أن تقدمه من نصح لزوجات الدبلوماسيين على اختلاف درجاتهم؟ 

– دائماً أقول لزوجات الدبلوماسيين المصريين أني أولاً فخورة بدورهن لأني أعرف الصعوبات التي تواجههن وأطلب منهن أن يكن أهلاً للدور العام الذي يلعبنه في الخارج والداخل من دعم لأزواجهن وتمثيل بلدهن بأحسن صورة والاهتمام بتوعية أولادهن وأن يكونوا دائماً في صورة مشرفة لبلدهم ويحاولن أن يثقفن أنفسهن ويطورن ويعلمن أنفسهن لأن دائماً يوجد مجال جديد للمعرفة وذلك سيكون سلاحاً لهن يساعدهن في حياتهن الدبلوماسية لاختيار كلامهن بدقة وتصرفاتهن العامة.

ما هي الدول التي تنقلت بينها قرينة السيد الوزير خلال خدمة زوجها الدبلوماسية؟

– “خدمنا” كلمة أحبها لأنها تدل على الخدمة وهو الشيء الذي فعلاً نقوم به في الخارج خدمة الوطن وليس السفر في حد ذاته من متنزهات وغيرها بل هي مجهود شاق لكن نكون سعداء حينما تكون في النهاية الخدمة أتت بنتائجها المطلوبة، فمن ذلك أقول أنى خدمت في لندن وكان ذلك أول بوست في نهاية السبعينات إلى 1982 ثم سنتين في القاهرة والبوست الثاني كان في الأرجنتين من 1984 إلى 1988 وأيضاً سنتين في القاهرة بعد ذلك سنة 1990 ذهبنا إلى نيويورك وكان وقتاً صعباً وقت العدوان على الكويت وحرب الخليج وكان مجلس الأمن وقتها دائم الانعقاد، ثم بعد رجوعنا إلى القاهرة سنة 1995 أمضينا خمس سنوات في القاهرة ليعين زوجي بعد ذلك سفيراً في النمسا لمدة أربع سنوات ثم القاهرة مرة أخرى سنتين وجنيف في سويسرا كان ثالث بوست متعدد ثم في واشنطن أنهينا خدمتنا بعد أربع سنوات مليئة بالأحداث.

في تقدير قرينة السيد الوزير، كيف يمكن لزوجة الدبلوماسي أن تعد نفسها وأسرتها للانتقال للخارج؟

– الانتقال للخارج هو من أصعب الأشياء التي تواجه زوجة الدبلوماسي، عليها أن تفكر في البلد الذي تذهب إليه وتقوم بدراسة الحياة التي ستواجهها في هذا البلد الذي هي ذاهبة إليه مع أسرتها واحتياجاتهم فيه فيجب أن تبحث عن أين يدرس أولادها في هذا البلد، والأشياء التي يجب أن تأخذها معها من مصر من أثاث لبيتها في الخارج وأن تؤهل أولادها الذين سيتركون أصحابهم وأهلهم لينتقلوا لمكان جديد لم يعرفوه من قبل وحياة جديدة.

هل يمكن أن تعرض قرينة السيد الوزير رؤيتها للتحديات المرتبطة بتربية الأبناء، وما يتطلب للحفاظ على الهوية المصرية؟ 

– تحديات تربية الأبناء كثيرة كما قلت لأنهم صغار في البداية ثم كبروا وتعرضوا لتنقلات كثيرة وتغيرات من بلد لآخر بما فيها من ترك أصدقاء وعمل أصدقاء جدد في بلاد بها ثقافات ولغات متنوعة وكان عليهم أن يعودوا أنفسهم على كل ذلك في سن صغيرة ثم الأصعب حينما كانوا يكبرون فكان علينا دائماً التحدث لهم بالعربية وعن تقاليدنا لأن في هذا الوقت كانت الغربة صعبة لعدم وجود أية وسائل تواصل بيننا وبين بلدنا الأم غير التليفون أو الخطابات مرتين كل شهر والحمد لله تغير ذلك والآن يمكن لأولادنا أن يتواصلوا مع الأهل والأصدقاء مما يزيد من شعور الانتماء ولكن ما زال دور الأم زوجة الدبلوماسي كبيراً في دعم الأولاد والحفاظ على هويتهم ووضعهم دائماً على الطريق السليم للاحتفاظ بها وبوطنيتهم .

إذا أردنا أن نضفي على الحوار روح المرح، هل يمكن لقرينة السيد الوزير أن تشاركنا واحداً من المواقف الطريفة التي تعرضت لها خلال مسيرتها الدبلوماسية؟ 

– أكثر المواقف طرافة كان في مقتبل حياتي الدبلوماسية وكنّا نخدم في سفارتنا في لندن أواخر السبعينات والتقاليد هناك أن الملكة تقوم باحتفال سنوي في حديقة القصر للدبلوماسيين وسعدت بهذه المناسبة واستعددت بالملابس اللائقة وأحضرت قبعة وحرصت أن أكون في أحسن صورة وكنت وقتها في انتظار مولودي الثاني، ووصلنا في الميعاد لكن وقفنا فترة طويلة جداً قبل بدء المراسم ودخول الملكة. فإذا بي مرة واحدة أشعر بغثيان ثم حالة إغماء ونظرت إلى أعلى لأجد أعضاء السفارة ملتفين حولي وينظرون إلىّ من أعلى وأنا قد سقطت على الأرض وقبعتي بجانبي. وفى ثوان وجدت كرسياً متحركاً يتجه إلىّ مع ممرضة ووضعتني عليه وتوجهت بي إلى خيمة الطواريء التي لم يأت لها أحد كما قالوا لي منذ عشرين سنة فكانوا مهتمين بي جداً وجعلوني أكتب شيئاً للذكرى في كتاب لم يستعمل من قبل، وفى النهاية توجهوا بي للعربية التي أتيت بها والطريف بالنسبة لي كان الاستعدادات الكبيرة التي قمت بها من بحث عن ملابس للمناسبة وسعادتي بالدعوة كزوجة صغيرة في مقتبل عمري وفى النهاية لم أجد شيئاً أحكيه لأصدقائي عن الاحتفال الذي لم أر منه شيئاً ولا حتى الملكة.

بالتأكيد يتعرض الدبلوماسي خلال مسيرته الوظيفية لأحداث مهمة على كافة الأصعدة، فما هي الأحداث السياسية المهمة التي مرت عليكم خلال سنوات العمل الدبلوماسي؟

– الأحداث السياسية التي تعرضت لها ومرت علينا كانت كثيرة ومتنوعة في مسيرة حياتنا الدبلوماسية الطويلة من آخر السبعينات إلى سنة 2012 ولكن بدون شك 2011 كانت الأصعب نظراً لوجودنا في واشنطن في هذه المرحلة التي كانت تمر بها بلادنا. فكان دائماً وفى كل المناسبات تكون هناك أسئلة كثيرة من الناس لأشرح لهم ما يحدث في مصر في هذا الوقت وكان زوجي دائم المشاركة في الأحاديث لشرح موقف بلدنا وما يجرى من أحداث الذي كان مفيداً جداً لتصحيح أي لبس وتوضيح الرؤية.

ننتقل إلى تفاصيل الحياة بعد الانتقال للخارج، فما هي طبيعة النشاطات التي قامت بها قرينة السيد الوزير خلال المراحل المختلفة لحياتها الدبلوماسية؟

– منذ زمن بعيد وأنا أحاول دائماً إلى جانب دوري كزوجة دبلوماسي أن أكون ذات فائدة وتأثير على المستوى الشخصي، خاصة عند عودتي من الخارج، وأنا بطبعي أميل دائماً إلى العمل التطوعي، فكنتُ أحرص على أن أذهب للمدارس وأقرأ للأطفال قصصاً مترجمة، ثم تطور ذلك إلى المساعدة في الجمعيات الأهلية المختلفة الناشطة في مجالات رياض الأطفال والتعليم الأساسي. ومنذ عودتي النهائية إلى القاهرة وأنا أقضي جُل وقتي في جمعية خيرية تقوم بأعمال ومجهودات عظيمة لتحسين جودة التعليم من خلال إنشاء رياض للأطفال في مشروع الأسمرات، وهو مشروع يفتخر به كل مصري لنقل الأسر إلى حياة كريمة حضارية. وتطمح الجمعية في أن تسهم المؤسسات التعليمية المنشأة في إعداد جيل جديد متعلم ومتحضر على أعلى مستوى، وأنا سعيدة وفخورة بما أراه من تغيرات جذرية حدثت في حياتهم وحياة أسرهم التي نعمل على دعمها دوماً بالمعلومات والمحاضرات لمساعدتهم على فهم أشياء كثيرة مثل التغذية السليمة للأطفال، وأهمية التعليم، وطرق التربية العصرية مع التمسك بتقاليدنا والتسامح والانتماء وتقبل الآخر.

هل تختلف طبيعة العمل التطوعي لزوجة الدبلوماسي بين الداخل والخارج؟

– العمل التطوعي في الخارج في معظم الدول شيء طبيعي ومطلوب فمثلاً كنّا نساهم باستمرار مع عضوات السفارة في جميع البازارات التي تقام سواء في مراكز الأمم المتحدة أو في الجمعيات الخيرية. وكنّا نقوم بشراء “المنتجات المصرية المتنوعة” حينما نأتي للقاهرة في الإجازة التي تمثل حضارتنا وثقافتنا، ثم نعرضها للبيع في البازار مع المأكولات المصرية التي نصنعها والعائد كان دائماً للخير.

هل يمكن لقرينة السيد الوزير أن تعطينا لمحة أكثر تفصيلاً عن دور زوجة الدبلوماسي في الخارج؟

– دور زوجة الدبلوماسي إن كان عضواً يختلف بعض الشيء عن كونها زوجة سفير ولكن نستطيع أن نقول إنها البداية والإعداد للدور الأكبر ولكن ذلك لا يقلل أبداً من دور زوجة الدبلوماسي حتى في أصغر المناصب لأن كلها خبرة هي في حاجة لها. ويكون عليها عبء أكبر لأنها تكون لها مسئوليات كبيرة وغالباً ما تكون بمفردها معظم الوقت لأن الزوج تكون له مشغوليات كبيرة فيجب أن تعوض هذا النقص. مثلاً عن نفسي أنا كنت في نيويورك وزوجي في بعض الأحيان كان لا يستطيع أن يحضر حتى العشاء الذي عزم فيه دبلوماسيين أجانب بعضهم أنا لم أتعرف عليهم أو على زوجاتهم وذلك لوجود اجتماع طارئ في مجلس الأمن فكنت أنا أضطر أن أقابل الضيوف وأقوم بدوري لكي لا أشعر أحداً أن زوجي غير متواجد وهم كانوا يتفهمون ظروف البلد والشغل فكانت عليّ أعباء تحضير كل شيء يخص العشاء وفوق كل ذلك مقابلة الضيوف والاحتفاء بهم. كان ذلك قبل أن يصبح زوجي سفيراً وكل هذه الأشياء تجعل زوجة الدبلوماسي تتعلم أكثر وتتأهل للدور القادم. أما زوجة السفير فهي غير أنها تقوم بكل مسئولياتها تجاه البلد الذي تمثله كذلك الحياة الاجتماعية على حسب البلد الذي تعمل فيه وتقوم بكل الأنشطة المختلفة كما أنها يجب أن تكون مرشدة ومساعدة لزوجات الدبلوماسيين الأصغر ومثلاً أعلى لهن وتحتضنهن لأن ذلك هو الشيء الذي يجعلها معلمة لهن فقط أن ينظرن كيف تكون سفرتها أو ملابسها أو طريقة كلامها ومظهرها العام ومظهر السفارة التي تمثلها وهو عبء كبير لكن في النهاية هذا هو دورها في الوقوف بجانب زوجها وخدمة بلدها.

اليوم وأسرة وزارة الخارجية تحتفي بمائة عام على بدء الدبلوماسية المصرية الحديثة، ما هي الرسالة التي تود قرينة السيد الوزير توجيهها لأسرة الدبلوماسية المصرية في هذه المناسبة؟ 

– نحن ننتمي لمؤسسة عريقة وطنية وهى مؤسسة الخارجية المصرية وفى عيدها المئوي أود أن أقول أن تعاليمنا ثابتة وتتلخص في الاحترام للكبير والصغير على السواء في الخطاب والمعاملة، والالتزام بالمواعيد واحترامها شيء ضروري في حياة الدبلوماسي، والاهتمام بالمظهر لأنه أول شيء نراه ويكون انطباعاً في مخيلتنا، واللباقة والذكاء في الحديث لأنه لا يصح أن يتعرض أحد للحرج حتى لو اختلفنا معه في الرأي أيضاً، وإتقان الأمور المراسمية لأننا نتعرض لمناسبات كثيرة يجب علينا أن نكون على دراية كاملة بطريقة التصرف فيها، وأن نضع بلدنا نصب أعيننا دائماً لأن هدفنا هو مزيد من التقدم والارتقاء والمعرفة وقبل كل شيء خدمة الوطن.

مائة عام على عمل وزارة الخارجية، ما الذي تتمناه قرينة السيد الوزير لزوجات الدبلوماسيين في هذه المناسبة؟

– أتمنى لهن دائماً الخير والسعادة والتوفيق في عملهن وحياتهن وأن يكن أهلاً لهذه المسئولية وأن يضعن دائماً بلدهن أمام أعينهن منذ مائة سنة والسيدات في وزارة الخارجية يعملن في صمت وشجاعة بجانب أزواجهن لخدمة الوطن، وأتمنى أن يكملن المشوار وأن تتعلم الأجيال الجديدة من السيدات زوجات الدبلوماسيين ممن سبقنهن في هذا المجال وأن يكن مثلاً أعلى للأجيال الجديدة.

ظهر المقال في مجلة الدبلوماسي عدد يناير – فبراير ٢٠٢٢

*إذا أعجبتك هذه المقالة أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق