الأشياء الصغيرة التي تعتقد أنها صغيرة هي التي تخلق السعادة الحقيقية | د. إسراء البابلي

٥ مايو ٢٠٢٢
كتبت| د. إسراء البابلي

مع ضوء الشمس الآتي من النافذة يطلق الشروق نوره ليمنح الدنيا الحياة؛ العتمة تتحول لنور يضئ العالم بسرعة؛ وكأنه نداء يناشد العالم للمتابعة ويحفز مشاعرنا وحياتنا للانتباه. يخترق ضوء الشمس بنفس السرعة عيناي ويوقظها و ينبهني أن العالم يناديني.

«اعمل ، فكل ميسر لما خلق له» عبارة تزين منتصف الحائط، مكتوبة بخط اندلسي منسق يزيد من بريقها ومعناها. افتح عيني وأنا اتطلع لهذه الحروف المنمقة، وكأنها رسالة يومية تثير الحماسة في وجداني، وتنزل من علي عاتقي أعباء الحياة، وتيسرها.

وتفتتح عبارة الصباح يوم يليق بحماسي، أخرج للنافذة أبحث عن طبقي المفضل. اضع فيه بعض قطع الخبز. ربما هي عادة تشعرني بالسعادة حين أفعلها، وربما هي درس العطاء الذي تعلمته منذ صغري، من لا يعطي لا يوهب. فاعطي لمن لا يستطيع البوح بما يحتاجه.

هل أخبركن أنهم ينتظرون هنا كل صباح، يعلمون أنني لن اغيب عنهم يوما. في البدء كان يأتي الي عصفور واحد، وكنت أشعر دائما بزهوه بنفسه حين يهز جناحيه ليبهرني و ينبهني أنه هنا؛ درسا يجعلني أوقن أن هذا الصغير الذي لا يعرفني يساق إلي زرقه ويساق إلي طعامه بلا حول منه ولا قوة. يأتيني ليجد قوته.

ما يثيرني في الأمر انه لم يعد وحده. يأتي برفقة الجميع ولا أعلم من أين تأتي كل هذه الطيور، لكنها تأتي لتطرق بابي. ولما لا وأنا ولن أمنع الدخول يوما.

اعود الي جداريتي لأجد «كل ميسر لما خلق له» .

افتح النافذه الاخري لأجد ورداتي الثمينة تتلألأ في هذه الأيام من الربيع، تزهو وتزهر وتزدهر. تبهرني بألوانها. الأحمر منها يثير حماستي، والأصفر منها يرسم الابتسامة علي وجهي، والأبيض منها يدعوني إلي النقاء دائما.

ورداتي يمر عليها تتابع الفصول، يرهقها ويقصف اورقها وتذبل.

هل أخبركن عن ما مرت به هذه الزهور في موجة الصقيع الفائتة. شعرت أنها لن تقوم لها قائمه مرة أخري. تسألت أن كانت ستتحمل كل هذه البرودة وحدها وتقاوم. كل يوم كنت أتسأل، هل ستستمر أم ستسقط؟ هل ستقاوم أم ستستسلم؟

وتنقلب الأحوال بين يوم وآخر، حتي تدهشني في هذه الأيام، تبهجني وتريح قلبي حين أنظر إلي كل هذا الجمال. الورد بالرغم من شوكه مبهج و جميل، كانه يخبرك بان الحياة علشان تبقي حلوة لازم يكون فيه شوك .

أيقنت في النهاية أنه ليس علينا غير السعي. الطائر يسعي ليبحث عن طعامه، ونحن نهتم بالزرع لا نهمله. هكذا هي الحياة نسعي فيها. نسعي لنخبر العالم أننا هنا. نؤمن بتدبر الخالق ونعلم أن الله قبل أن يخلقنا ويضعنا في محل شئ، يعلم أننا تماما بقدره مقاما ومسئولية وتحملا.

ربما تأتي الأيام الثقال لكنها تمر. بعد كل ليل يأتي النهار، وبعد كل مشقة تأتي الراحة، وبعد كل حزن تأتي الابتسامة.

نسعي وما علينا إلا السعي، أما التدبير فلا تقلق «فكل ميسر لما خلق له».

*إذا أعجبتك هذه المقالة أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق