من روقة إلى سونيا يا قلب لا تحزن

٥ مايو ٢٠٢٢
كتبت رضوي حسني وسلمي محمود

كونك امرأة قررتِ الارتباط برجل ذكوريّ النزعة، والهوى؛ يؤسفنا إخبارك أنكِ على موعد مع الشعور بالحيرة والتشتت، إذا ما أقدمتِ على خطوة الزواج منه في المستقبل.

وسوف تنبع حيرتك حينها من كيفية تحديدك الشخصية الأنسب لك تقمصها في هذه العلاقة الزوجية؛ لنيل رضا زوجك – وفي الوقت نفسه – دون تقديمك لأية تنازلات قد تخسرين نفسك على إثرها؛ والسبب في الشعور بهذه الحيرة هو لأن هذه الشخصية التي تبحثين عنها “لتقمصها” هي أبعد ما يمكن أن تكون عن شخصيتك الفعلية، ولأنك تختاريها خيفة من إظهار طباعك الحقيقية.

وعليك أن تدركي أن الشخصية السوية هي التي تتمتع بجوانب من القوة، وأخرى من الضعف، وهي كذلك من تُعمل قلبها، وتُحكّم عقلها تبعًا للمواقف المختلفة التي تعايشها.

وفي حالتك أنت عزيزتي المرأة – بما أن شريكك في العلاقة – رجل شرقي ذكوري المبادئ، والطباع؛ فأنت واقعة بين اختيارين لا ثالث لهما.

الاختيار الأول هو أن تسعي لإرضاء غالبية المجتمع في عين زوجك، وتصبحين واحدة من بين كثيرات وضعهم المجتمع في نفس القالب، شاكلة “روقة”، المرأة التي تصنع من زوجها تاجًا على رأسها مهما كانت مكانتها هي عنده؛ ليكون القلب – لدرجة التطرف غالبًا – هو المتحكم الوحيد في هذه العلاقة.

والاختيار الثاني فهو أن تعدي العدة، والعتاد من أجل التأهب في معركتك مع الرجل، والتي يجب أن تكون حاسمة لصالحك، والفوز فيها حليفك؛ لتصبح العلاقة الزوجية بينكما أشبه بساحة الحرب؛ ويكون العقل – لدرجة التطرف أحيانًا – هو صاحب دور البطولة في هذه العلاقة مثل: سونيا، وحليفاتها في جمعية المرأة المتوحشة، والتي تخاف كل منهن مأمن الرجل، فتلعب دور المهاجم قبل أن تضطر للعب دور المدافع.

وبالحديث عن النموذج الأول، روقة هي تلك المرأة عديدة النسخ، وصاحبة الصفات الأعم بين نساء مجتمعاتنا من الزوجات، وكذلك هي حاملة المواصفات الحالمة التي لطالما بحث عنها الرجل في شريكته.

فهي التي تنير له أصابعها العشر شمعًا، وتجعل منه ملكًا في مملكة الزوجية؛ حتى لو تحقق هذا على حساب أحلامها، وحريتها، وصحتها، فقط كل ما تدركه هذه الروقة هو أن زوجها قوام عليها حتى لو فقد أهليته للقوامة كحال كثير من الرجال في مجتمعاتنا الشرقية.

روقة هي الزوجة التي ترى في تضحياتها، وتنازلاتها تلبية لأوامر زوجها وسيلة للتقرب منه، والتعبير عن مدى حبها واحترامها له، حتى ولو على حساب نفسها؛ ليتحول الأمر بعد وقت حق مكتسب من قبل الزوج، ولو حاولت استرداده فيما بعد ستكون ضحية احدى ألعاب الابتزاز العاطفي التي يلعبها الذكوري بإتقان، واحترافية.

روقة أيضًا أم أنجبت أطفالها عقب زواجها مباشرة؛ حتى تثبت لزوجها أنها جديرة به، وتبرهن للمجتمع على أنها سيدة مكتملة الأنوثة؛ وليست بأرض بور – كما يطلق ذكوريي المجتمع على المرأة التي لا تنجب – ليس هذا فحسب، روقة هي أيضا حريصة على العمل بنصيحة أمها، وجدتها ” اربطيه بالعيال” أملًا في الحفاظ على استمرارية زواجها على حساب أطفالها، حتى دون أهليتها للأمومة، ومع عدم استقرار حياتها الزوجية.

روقة كذلك لا تثور كثيرًا إذا ما تعرضت للعنف إعمالًا بمبدأ هو الرجل، وقد لا ترى في الاغتصاب الزوجي بمسألة كبيرة، كيف لا وهو زوجها سيد مملكتها، ومن السهل أن تسامحه إذا تعرضت من قبله للخيانة فهو لديه قدرة بهلوانية على اللف ثم اللف ثم العودة إليها من جديد!

ولكن السؤال هنا، هل روقة فعليًّا امرأة جامدة المشاعر، لا ترى في حياتها – على النحو السابق – حلقة مفرغة لازمة الكسر؟

بالطبع لا؛ روقة مجرد ضحية مجتمع فرض عليها العديد، والعديد من المبادئ النمطية، وحاسبها عليها إذا ما قررت التمرد، والاعتراض يومًا ما؛ ولم يُسأل هنا زوجها؛ رغم أنه بمنتهى السهولة قادر على التخلي عنها مهما قدمت من واجبات، ومهما أنارت من شموع، ومهما ربطته بأبناء.

فالرجل الذكوري بعد ضمان حصوله على روقة كزوجة؛ يبدأ رحلة بحثه من جديد عن تلك المرأة صعبة المنال.. عن سونيا.

«سونيا» وقعت فريسة الخطابات الحماسية التي تدفعها لتصبح نموذج مُغاير لما تربت عليه طيلة عمرها، حتى أصبحت هذه الخطابات مرجعًا لها لا يجب أن تخل به أو تحيد عنه.

تدفعها تلك الخطابات تجاه نموذج المرأة القوية العنيدة، وتجبرها أن تقدم أوراق اعتمادها لتنضم لجمعية «المرأة المتوحشة»، تُغير قناعتها  وآرائها واحدة تلو الأخرى، تارة بالإقناع وتارة بالصوت العالي.

تأخذ تلك الأصوات بيديها نحو طريق المرأة القوية، ليس بمفهومها الطبيعي ولكن بالنموذج «الترند» الذي يحمل صفات العند والكبر والتمرد على كل شيء، ووضع خيار«ترك كل شيء ورائها والرحيل في أقرب فرصة» فوق كل الخيارات.

الخطابات الحماسية تدفعها لأن تصبح نموذجاً عنيداً لا تعرف من قاموس اللغة العربية سوى كلمة «لا»، تعترض بسبب أو بدون على قرارات وآراء زوجها حتى لا يتحكم بها أو يفرض آرائه عليها، فالصورة الذهنية المتأصلة في ذهنها صورت لها الرجل دائمًا كعدو، مهما كان قربه لها أو طريقة تعامله معها، ولذا فقد تمرست علي أن تصبح متحفزة لكل أفعاله وتسبقه بخطوة الاعتراض قبل أن يعرض رأيه عليها من الأساس.

تشك في بخله وإن كان يغمرها بكافة الهدايا في كل المناسبات التي تستدعي ذلك، فعليها أن تحترس لأن معظم الرجال بُخلاء، فهذا ما أخبروها به..

لا تعرف معنى الدلع واستغلال أنوثتها، فهذا مغاير لصفات المرأة القوية التي أخبروها عنها، عليها أن تمتلك نبرة صوت مرتفعة عدائية، فهذه طريقتها المُثلى لطلب حقها. أما الحوار والمناقشة فهي لغة الجبناء «مكسوري الجناح» ولذلك تبتعد عن ذلك الطريق وتسلك دائما طريق الصوت العالي والعناد، لأنه الطريق الوحيد الذي تعرفه لنجاح العلاقة.

اّقنعوها أن الزواج ليس شراكة أو علاقة هادئة بين شخصين، ولكن ساحة حرب عليها أن تُبرز سيفها دائمًا وتبقى في وضع الاستعداد للشجار والمشاحنات اليومية. زرعوا في عقلها أن الانفصال هو الحل الأول دائمًا في أي خلاف، حتى وإن كان بسيطًا قد يسهل حله بابتسامة وحوار عميق بين الطرفين.

غرسوا في ذهنها أن كل شيء يدور حول الخيانة الزوجية والتشكيك المستمر، إن تأخر زوجها خمس دقائق عن موعده فهو يخونك، إن لم يرد على مكالمتك فبالتأكيد هو رفقة صديقته، إن تحدث بصوت منخفض فهو يتحدث لفتاة أخرى، وهكذا، كل فعل أصبح يُبرر بالخيانة، ولكي تكتشفها فهي لايجب أن  تتحدث معه أو تحاول الاستفهام منه، ولكن بالبحث والتفتيش عن خيوط الجريمة؛ في هاتفه وسيارته والسي وراءه متخفية الوجه حتى تحصل على دليل، وإن لم تجد فهذا لا يُثبت براءته ولكن يُثبت عدم كشفه بعد، وربما عليها تطوير مهاراتها البحثية قليلاً فيما بعد .. وهكذا يتحول يومها من يوم مُعتاد لزوجة إلى يوم خاص بشرطي يعمل في قسم الحوادث!

تستمر في السماع لهم حتى لو كلفها هذا الهدوء والسكينة والراحة وأصبحت حياتها بسببهم ملاذًا للمشاجرات والمشاحنات وتدبير المكائد اليومية، وفي غمرة ذلك تفقد زوجها وحياتها الزوجية يومًا بعد يوم. يغضب هو في البداية، ثم يمل، ثم يبدأ في البحث عن نموذج أخر يفضله وهو نموذج «روقة» التي تُطيب خاطره بكلماتها العذبة؛ وفي رفقة أنوثتها وطاعتها المطلقة وضعفها أمامه ينسي مشاحنات ومشاجرات «سونيا»، ثم يقرر البقاء معها وترك كل شيء وراءه، في نهاية كُتبت على يد «المرأة المتوحشة» بينما أزاحت الستار «الأنثى روقة».

نهاية القصتان واحدة أو يمكن اعتبارها حلقة مُفرغة تسير بها «روقة» لتصل إلى «سونيا» وتقابل «سونيا» على الجهة الأخرى «روقة» لتأخذ بيدها نحو طريق واحد وهو الهاوية!

فالأولى سارت على نفس كتالوج الأنوثة المزعوم الذي كتبه أفراد المجتمع ومنح كل مَن تلتزم به ختم القبول المجتمعي، بل وصنع منها نموذجًا مثاليًا على جميع النساء الالتزام به وإلا سيتم طردهنّ من جنتهم والزج بهم إلى الجحيم.

أما الأخرى فوقعت فريسة لأعضاء حزب «المرأة المتوحشة»  اللواتي دفعن بها لتصبح نموذجًا شرسًا، قاسيًا، دائم الاعتراض والتذمر لا يرضى بأي شيء، بحثت عن الجنة معهن فلم تجن سوى الجحيم.

في النهاية خسرت «روقة» ولم تربح «سونيا» الأولى تركها زوجها بحثًا عن الثانية، والثانية أوصلت زوجها بيديها إلى الأخرى.

هذا ليس تبريرًا للخيانة ولا دعوة للتمرد، إنما لتصبح كل منا نفسها لا تلتفت لأي أصوات خارجية تدفعها لافتعال ما ليس بها لـ ترضيهم، فتخسر نفسها وحياتها، أو تسير عكس التيار فتفقد كل شيء..

*إذا أعجبتك هذه المقالة أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق