الأهلية لميراث كامل | رشا سنبل 

١٠ مايو ٢٠٢٢
رشا سنبل

في زمن حُرمت فيه المرأة من الميراث، جاء الإسلام فأرسى قواعد جديدة، شرع فيها الذمة المالية المنفصلة للمرأة عن الذكر، منها الميراث، فآيات المواريث جاءت لتصحيح وضع اجتماعي جاهلي حرم المرأة من حقها، كانت القبيلة تمنح الإرث للابن الذكر الأكبر سنًا في العائلة، أو للشجاع المقاتل في الحروب، وللوارث بعد ذلك أن يوزع التركة حسب رغبته، فجاءت آيات المواريث لعلاج هذا التجاهل، وشرع الإسلام للمرأة على حسب درجة قرابتها للمتوفي، نصيب ما، فاق في بعضها نصيب الذكر، وفي غيرها ضاعف نصيب الرجل المرأة.  

لذلك ينبغي علينا أولًا فهم موضع الميراث في الشريعة الاسلامية، الميراث ليس من العقائد أو العبادات، بل  من المعاملات، والتي يجوز في الفقه الاختلاف فيها، فالميراث، كمبدأ اجتماعي واقتصادي من مبادئ توزيع الثروة ثابت ديني، ولكن كيفية تقسيم الميراث ليست ثابتًا دينيًا، والذي يغفله الكثير أن أحكام المواريث لم تكن حكمًا قاطعًا من الوهلة الأولى، كما يظن البعض، بل تدرجت أحكامها على سبع مراحل في عهد النبوة، واستمر هذا التدرج، بعد وفاة النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، وتلك نقطة في غاية الأهمية.  

في زمن مضى لم تكن المرأة تخرج للعمل كما هو حالنا اليوم، لم تكن مسؤلة عن الإنفاق، فجاءت الأحكام تخصها بجزء من الميراث، على أن تحتفظ بهذا المال، ويقوم بالقوامة، أي المسؤلية أحد ذكور عائلتها، فالانفاق عليها واجب يُلزم به أحد ذكور العائلة، الأب، الزوج، الأخ، العم..  

بينما في حياتنا المعاصرة، كثير من النساء يقمن بالإنفاق على أسرهن، ومن مبدأ العدالة الذي هو جزء أصيل من مقاصد الشريعة الاسلامية، علينا التحري كي لا يكون حكمنا مبني على عادة، أو هوى نفس، أو نظرة قاصرة ظالمة للمرأة. فرغم علم كثير من الفقهاء بأن كيفية توزيع الميراث أمرًا تم التدرج والتغيير فيه على مر الأزمنة الماضية، وأن حياتنا الحالية طالها كثير من الاختلاف، يقف البعض حجر عثرة في سبيل ذلك التطور المنطقي، لأن نظرة بعضهم للمرأة أنها انسان غير كامل الأهلية، وتحتاج إلى وصاية ذكر ما، لذا فهى ليست مساوية للرجل في الحقوق، بل وعليها كل الواجبات، مما يؤدي إلى تهاون كبير في حقوق المرأة، ويحق للبعض حينها، المطالبة ببعد الدين عن قوانين الدولة، طالما تؤدي تلك التشريعات إلى ظلم ما، خاصة ما يقع على النساء. 

يتحدث شيوخ كثر عن صلاحية أحكام القرآن لكل زمان ومكان، ثم يعطلون التطور الذي يتطلبه العصر، بما يتوافق مع المصلحة العامة ومرونة الفقه، وأنه شيء طبيعي وقف العمل ببعض الآيات الخاصة بالمعاملات، طالما شروط تفعيلها غير متحقق، أوتمنع العدالة الكافية لأفراد المجتمع لأسباب ما، بل يتعاملون مع بعض القضايا بالتجميد الكامل، ويطلبون منا أن نستسيغ هذا التجمد، فكثير من المواضيع التي تخص المرأة مثل حقها في الزواج والطلاق والولاية والميراث، لا يتم التطوير المنطقي فيها، ويكتفى بفقه ذكوري رغم آيات صريحة متعددة تعارض فكرهم، فحرص القرآن على ذكر النساء مساويات للرجال:  

“الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” سورة التوبة الآية 71 “إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا.” سورة الأحزاب الآية 35  

كنت آمل في زمن يعلم فيه كثير من الفقهاء أن النساء تٌحرم من ميراثها الشرعي، تُساوم عليه، ويتخذه البعض ذريعة للتدخل في شؤنها والتحكم فيها، أن يأمروا بوقف هذه المهازل، فالمحاكم مليئة بمشكلات قضايا الميراث، التي ستنتهي لحظة إقرار أصحاب الفقه أن المرأة انسان كامل له كافة الحقوق كما للذكر، منها الحصول على ميراثها كاملًا دون تعصيب، أو تفرقة بين الإخوة في الميراث، فالأصل أن يقوم الفقهاء بإعمال الاجتهاد، لجعل أحوال المجتمع أفضل، والسعي لتعزيز قوانين تمكن المرأة من ميراثها المكفول لها، فالنقاط الفقهية التي لصالح المرأة ويتم السكوت عنها، ولا يطالب بالتشريع القانوني لها، متعددة وكثيرة، أشهرها مؤخرًا، فتوى الكد والسعاية للمرأة، التي طالب شيخ الأزهر بأحياءها، ولنا أن نتساءل نحن النساء، متى سيكون للمرأة حق الولاية الكاملة على نفسها وجسدها ومالها وأطفالها، لا أن تكون تابعًا لشخص ما؟!

** إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق