هل تحول عمل المرأة من اختيار شخصي إلى إجبار؟ | كتبت سلمي محمود

١٣ يونيو ٢٠٢٢
سلمي محمود

Photo by Andrea Piacquadio

إذا عُدنا بالزمن إلى وقت قديم، وسألنا عدد من النساء عن أحلامهنّ.. فقد نجد الأمر يتلخص في كلمة واحدة وهي.. «الحرية».

نعم كل النساء أنذاك كُن يحلمنّ بعالم يسمح لهنّ باختيار الأوضاع التي تناسبهنّ بعيدًا عن قيود المجتمع والعادات والتقاليد التي كانت تُقيد حركتهنّ وتُعيق تقدمهنّ إلى الأمام وتدفعهنّ ألف خطوة للخلف.

أعمال المنزل أم مصاعب فرص العمل المحدودة؟ 

وبالنظر إلى «حرية عمل المرأة» في تلك الفترة يمكننا ملاحظة أن معظم النساء كُن يشغلنّ وظيفة واحدة وهي «المنزل»، فهن ولدنّ ليجدنّ أمهاتهن ومَن سبقهن يفعلن الشيء ذاته، ثم كبرنّ وقررنّ حذو نفس المسار وتجاوبنّ مع أن أهم وظيفة لهنّ في الحياة تقتصر على أعمال المنزل ثم عناية الزوج وتربية الأطفال.

أما البعض الآخر فقررنّ الانقلاب على الوضع القائم، درسنّ وتعلمنّ وقررن البحث عن فرص عمل متحدينّ الظروف الصعبة واعتراضات الأهل.

وجدت المحظوظة منهن نفسها تشق طريقها نحو مستقبل بدا مُشرقًا لكن سرعان ما بدأت المشاكل في الظهور من: ندرة الوظائف وصعوبة تنسيق البعض بين وظائفهنّ وأعمالهنّ المنزلية بعد الزواج، كما لم تفلت أيًا منهن من همزات ولمزات النسوة من حولها اللواتي تفننّ في تكدير صفو حياتها وتوجيه الاتهامات لها بالتقصير.

Photo by Los Muertos Crew

الكل رغم اختلاف قصته كان يبحث عن شيء واحد وهو حرية الاختيار!

اليوم لم تعد كلمة «عمل المرأة» غريبة على مسامعنا.. لم يعد الأمر استثناء بل صار قاعدة، لم يعد العمل قاصر وظائف محددة، لم تعد تلك النظرة الرجعية للمرأة التي تمارس عملها بعيدًا عن المنزل أيضاً قائمة إلى حد كبير.

إذ يُمكنك اليوم قراءة العديد من القصص عن النماذج المُلهمة النسائية اللواتي حققنّ نجاحات عِدة في مجالات مختلفة مثل الإدارة، الإعلام، الطب والهندسة وحتى الوظائف التي اقتصرت على الرجال مثل الرياضة.

لكن السؤال هنا هل تلك هي الحرية التي سعينا للحصول عليها؟

اليوم إذا نظرت لوضع الملايين من النساء سنجد إننا صرنا مقيدين بأغلال حرياتنا التي كنا نُطالب بها، كل حرية نحصل عليها أصبحنا ندفع ثمنها غاليًا.. فعمل المرأة تحول من كونه «حرية شخصية» إلى «إجبار» لأسباب اجتماعية ومادية.. ونفسية، فبعدما كانت المرأة لا تملك حق حرية العمل صارت لا تملك حق الانسحاب منه!

“كان لازم اشتغل من وانا صغيرة علشان أقدر أدبر مصاريف دراستي خصوصًا إن أهلي كانت حالتهم المادية صعبة”

يُمكنك النظر حولك لتفهم أسباب التغير الجذري للموقف، فبعد سنوات من رفض الأهل لعمل الفتيات صار لزاماً على البعض منهن العمل في سن صغيرة خاصة في حالات فقدان الأهل أو كبر سنهم وعدم وجود مصدر دخل ثابت للأسرة، تتحول الفتاة حينها إلى عائل الأسرة وعليها تدبير كافة المصاريف الشخصية والعائلية وحتى مصاريف زواجها ولا تملك حق الانسحاب أو حتى التراجع

“كان لازم اشتغل بعد الجواز علشان اساعد مع جوزي في مصاريف الحياة والأولاد”

وبعد سنوات من رفض الزوج لعمل زوجته أصبح لزامًا على البعض منهنّ اليوم العمل – حتى وإن كان عكس رغبتهنّ وفي وظائف لا يرغبنّ في العمل بها – بسبب ظروف الحياة الصعبة وضرورة مشاركة الزوجة في المصاريف.. لتتحول الزوجة إلى شريك رئيسي في الأمور المالية لا تملك رفاهية الانسحاب وقتما تريد..

المُثير في الأمر هو موقف المحيطين بالزوجة، فبعد سنوات من انتقاد الزوجة التي تترك وتهمل بيتها وتقتطع من وقت زوجها وأبنائها لأجل العمل تحولت دفة الانتقاد للزوجة التي لا تعمل ولا تساعد زوجها، بل وتُثقل كاهله بالمصاريف غير الضرورية بدلاً من مساعدته!

Photo by mentatdgt

“بعد الخلفة قررت أتفرغ لأولادي واخصص وقتي ليهم بس الناس برضه مسبتنيش في حالي.”

أما تلك التي قررت التفرغ لتربية أولادها لم تسلم أيضاً من مقصلة البعض، حيث صارت سهامهم الطائشة تصيبها بعدما أصبحت لا تُطابق معاييرهم العصرية للأم الناجحة التي تعمل كروبوت منزلي لتربية أطفالها حسب التربية الحديثة، تهتم بتعليمهم ولا تنشغل أبدًا عن تمارينهم.. ومع ذلك تحقق نجاحاً مجهولاً خارج أروقة المنزل، تفتح قناة عن الطهي وتمتلك كتابين وخمس حلقات مُسجلة عن فنون الطهي الحديث، تجمع المال تحسبًا لغدر الزوج، ولا تنسى اهتمامها بنفسها وفق أحدث صيحات الموضة وبيان حُسن علاقتها بزوجها على مقاطع تيك توك! 

“كنت بشتغل بقالي فترة طويلة وحسيت إني خلاص تعبت ومحتاجة ارتاح بس كان دايمًا بيطاردني إحساس إني هابقى ولا حاجة لو قعدت في البيت.”

لم تنسى سهامهم الطائشة أيضاً إصابة هؤلاء اللواتي قررن أخذ برهة من الوقت لأنفسهنّ بعد سنوات من مطاردة الطموح ونعم إن قررت التوقف عن العمل فجأة حتى وإن كان وضعك المالي مستقر ستجدين سكاكين الانتقاد تفترسك كل يوم سواء معنويًا أو حرفيًا! 

الأمر يبدأ بأن العمل هو سبيلك الوحيد لتحقيق الذات وتعزيز شعورك بالنجاح وبدونه لا توجد حياة، مرورًا بفقرة التخويف من فكرة نفاذ أموالك، وأخيرًا تعزيز فكرة الرهبة من الفشل والخوف من المستقبل.. ليتولد لديك حينها شعورًا لا يمكن وصف سوءه بالفشل وتأنيب الضمير وكأنك مخطئة بجانب الفراغ القاتل.. تشعرين حينها وكأن العالم بأكمله يعمل وأنت فقط تجلسين في المنزل دون فائدة ويصبح طوق النجاة لك هو العمل حتى وإن كان عكس رغبتك في تلك الفترة.

Photo by SHVETS production

العمل أصبح اليوم أصبح عنصرًا إجباريًا   ومعيار تقييم المرأة بعد أن كان اختيار شخصي بحت، وكأن كتالوج النجاح يناسب الجميع.

المشكلة أن المجتمع اليوم وضع «معايير تقييم زائفة» للنجاح الشخصي للمرأة ولا يجب أن تحيد عنها حتى وإن كانت عكس رغبتها.. معايير التقييم تلك تتغير كل فترة وعليكِ دائمًا مجاراتها مهما تطلب الأمر.. وبسبب ذلك لا تصل أي واحدة إلى ذروة الاكتفاء وشعور الإنجاز والنجاح مهما فعلت.. فكيف نحقق النجاح ونحن كلما سلكنا طريقًا نجد طريقًا آخر في انتظارنا، كلما حققنا شئ ما يناسب طموحاتنا وتطلعاتنا نجد ألف يد تُعرقلنا وتعيدنا ألف خطوة إلى الوراء؟

أخيرًا أعلم أهمية العمل بالنسبة لكل امرأة وإن كنت امتلك أن أوجه نصيحة واحدة لأي امرأة «تسمح ظروفها بالعمل» فستكون «أعملي»، افعلي ذلك لتحقيق ذاتك وتأمين نفسك ماديًا اليوم وغدًا وليس استجابة لضغط مجتمعي أو تحقيق «سكور» مرتفع على مقياس تقييم المرأة الزائفة، وإن كان الأمر لا يناسبك فلا تفعلي ولا تشعرين بالفشل أو تأنيب الضمير لكونك لا تحققين متطلباتهم.. فالأهم هو مقياسك أنت للنجاح وليس مقياسهم! 

فالأم التي تُفضل البقاء في المنزل ومراعاة أطفالها ناجحة، وتلك التي تشق طريقها نحو مستقبلها خارج نطاق المنزل أيضًا ناجحة، التي تعمل وتلك الأخرى التي تفضل البقاء في منزلها ومراعاة أهلها كلٍ منهن ناجحة بمنظورها.. فالعمل ليس المرادف الوحيد للنجاح.. ففي تلك الحياة مرادفات عديدة كلها تؤكد المعنى وتوصله بشكل صحيح.

** إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق