رسالة إلى ابنتي

الجمعة ١٥ يوليو ٢٠٢٢
كتبت أمانى زايد

ابنتي العزيزة،

اليوم، وبمناسبة احتفالنا بعيد ميلادك العاشر، أكتب إليكِ هذه الرسالة لأشاركك بعض الأفكار، والمشاعر التي لم أستطع أن أخبرك إياها أو أظهرها لكِ من قبل. عيد ميلادك اليوم هو مناسبة أكثر أهمية من أعياد ميلادك السابقة لأن اليوم هو نهاية مرحلة من حياتك وبداية مرحلة أخرى. فبحلول الغد ستتركين طفولتك وتخطين أولى خطواتك نحو مرحلة المراهقة. يجب أن أعترف أن تلخيض تلك السنين العشر في سطور قليلة يشكل تحديًّا كبيرًا. لذا فمن الأفضل أن أبدأ من البداية….بدايتنا أنا وأنت.

لقد غمرتني السعادة عندما أخبرني طبيبي أني حامل بفتاة، ووقعت في حبك في تلك اللحظة. كنت أتلهف لأراكِ، وأضمكِ بين ذراعي. ومثل كل أم فى انتظار ميلاد طفلتها، بدأت مهمة تجهيز حجرتك مع الاهتمام بكل التفاصيل الخاصة التى تحبها الفتيات. وانطلقت في حملات تسوق لاشتري لكِ الملابس، والألعاب، والأقراط، والتجهيز للسبوع. وبعد انتظار طويل أتيتِ لعالمي أجمل، وأكمل من كل تخيلاتي. ومنذ اللحظة الاولى التي رأيتك فيها استوليتِ على قلبي للأبد. أول سن تظهر فى فمك، أول خطوة تخطينها، أول كلمات تفوهتِ بها، كلها لحظات خالدة محفورة في ذاكرتي للأبد.

لا أصدق كيف مر الوقت سريعًا ولا كيف فى خلال سنوات قليلة أصبحت أميرتي طفلة صغيرة وهى التى كانت بالأمس طفلة رضيعة. وبالرغم من السعادة والفخر اللذان أشعر بهما، الا أنه ينتابني القلق عليكِ كل يوم. يقول الناس أنه من الطبيعي أن تقلق الأمهات على أطفالهن؛ ولكني لست مجرد أم. أنا أم مصرية ولدت وتربيت في هذا البلد وعايشت كل التحديات التي تواجهها النساء في مجتمعنا. لقد خضت هذه الرحلة من قبل وبكل أمانة لا أود لكِ أن تتبعى نفس الطريق على الرغم من أنه ليس لديكِ خيار آخر.

أرجوكِ ألا تنخدعي بالتدليل الذي تتلقاه الفتاة في بيت عائلتها، لأن ما تواجهه النساء في الواقع مختلف تمامًا. فالنساء المصريات توازن الكثير من المسؤوليات، وحملها من المسؤليات الثقيلة لا ينتهِ.. فالأم العاملة لا يزال عليها أيضًا أن تصبح ربة منزل جيدة، وسائقة لأولادها، ومعلمة، وجليسة للأطفال. بالإضافة إلى القيام بكافة الأعمال التى تتوجب عليها للوفاء باحتياجات بيتها، وأطفالها. وفي أغلب الأحيان تفعل كل ذلك بمفردها، ولكن هذه حكاية أخرى سأخبرك إياها لاحقا. إن تربيتك لتصبحي أفضل ما يمكن أن تكونيه بالرغم من الظروف المحيطة بنا كان مهمة صعبة.

لكي أجهز نفسي لك، وأهيئك للرحلة التي ستقبلين عليها، قرأت كتبًا عن كيفية تربية الأطفال الإيجابية، وعن علم نفس الأطفال، وقرأت مراجع عن خبرات الآباء. تعملت أن شخصية الفرد تتشكل قبل بلوغه عمر السابعة، وهي الفكرة التي قادتني لإدراك حجم المسؤولية الكبيرة التي أحملها. أدركت محدودية الوقت المتاح لي لأهيئك لهذا العالم الذي ستقبلين عليه، وبكل أمل رجوت أن أقوم بتربيتك لتصبحي أفضل مني.

يجب أن أعترف أن نوبات غضبك فى طفولتك كانت في أغلب الأحيان غير محتملة، وأن تأرجح مزاجك لم يكن من السهل التعامل معه. ولم يكن من السهل أيضًا أن أعلمك الأدب، و الطاعة. ولكن تربيتك كانت أيضًا خبرة تعليمية بالنسبة لي. فقد تعلمت من خلالها أهمية القيادة عن طريق أن أكون مثلًا أعلى. بمعنى آخر فإنك أصلحتِ من تصرفاتي خلال هذه الرحلة أيضًا. فمن أجلك كنت أراقب كلماتي وسلوكياتي. تعلمت أن أسيطر على غضبي وأن أكون قوية خلال الأوقات العصيبة حتى، وإن توجب علي أنا أتظاهر بذلك.

إنني فخورة بك! إنني فخورة بأني ربيت هذه الفتاة المسؤولة التي تعمل بكل جد، وتعلم كيف تستمتع بوقتها. الفتاة الاجتماعية التى تختار أصدقائها بعناية. الفتاة التي تعلمت أن العزف على البيانو دواء جيد للتنفيس عن إحباطتها. الفتاة التي تتفاوض في المناقشات بكل عقل، ومنطق. إنني فخورة بكِ يا أميرتي

إنه أمر مثير للمشاعر أن أراكِ تكبرين، فأنا سأفتقد صغيرتي؛ ولكني في نفس الوقت سعيدة بأن أراكِ تزدهرين؛ لتصبحي فتاة شابة. سأكون هنا بجانبك في كل خطوة تخطينها فى طريقك، ليس فقط كأم؛ ولكن أيضًا كصديقة. وبالرغم من أنك قد لا تعلمين هذا؛ ولكنك أنتِ صديقتي المفضلة.

كل عام، وأنت بخير يا أميرتي

أمك المحبة

تحرير: مريم مشعل
ترجمة النص من الانجليزية: علا هاشم

** إذا أعجبتك هذه المقالة، اشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق