ڤيرا وحكايات السفر الفردي| رضوى حسني

١٩ يوليو ٢٠٢٢
كتبت: رضوى حسني

يُقال أن العالم مثل الكتاب، ومن لم يسافر كأنه قرأ منه صفحة واحدة فقط!

ربما تتفق ڤيرا أيضًا مع هذه المقولة، أو ربما تمتلك مقولتها الخاصة التي تؤمن بها إلى الحد الذي جعل منها واحدة من أشهر هواة السفر المصريين في الآونة الأخيرة.

ڤيرا محمود مصطفى، شابة محبة للسفر، جعلت من السماء، والدروب رفقة لها. فراحت تجوب العديد من مدن العالم شرقًا، وغربًا؛ لتبرهن لقريناتها من المصريات أن العالم واسع، ومذهل، وملئ بالكثير من الحكايات التي تستحق السرد، والخبايا التي لا بد من اكتشافها.

ڤيرا حاصلة على بكالوريوس علوم الحاسب، وتعمل في المجال ذاته. قررت منذ سنوات قصيرة أن تشارك رواد مواقع التواصل الاجتماعي رحلاتها السياحية خارج البلاد؛ لتكشف عن جانبٍ آخر منها ليس بالجديد؛ ولكنه بعيدٌ عن مجال دراستها، وعملها.

بداياتها مع السفر، ومحاولاتها في اكتشاف الجانب الآخر من العالم، كانت على يد ملهمها، ومثلها الأعلى في الحياة – والدها الراحل – والذي ورثت عنه حبها للسفر. فلطالما كان يحكي لها مغامراته، وتجاربه مع السفر خارج البلاد – لظروف عمله، أو بغرض السياحة – وهو ما أنار ومضة حب التجربة لدى ڤيرا. فسرعان ما بدأت أولى رحلاتها بصحبته؛ وكأنها أرادت أن تكن كالطير الذي يحلق في السماء لأول مرة على يد صاحبه.

وكانت الرحلة في خمس دول مختلفة هي إيطاليا، إسبانيا، البرتغال، بولندا، وألمانيا، وذلك في عام ٢٠٠٥، وخلالها حرص والدها على تعليمها كل ما يتعلق بالتجهيز للرحلة، وكيفية التعامل خلالها مع كل المواقف المختلفة بدءً من المطار، مرورًا بالفندق، والمواصلات العامة كالقطارات، انتهاءً بالمواقف الحياتية نفسها. وكان والدها يراقبها معظم الوقت ليقيّم ما تعلمته منه. ومن خلال تجربتها الأولى تلك تعلمت ڤيرا أن مفتاح السفر الفردي هو الثقة بالنفس؛ لأنها وحدها ما تمكن المسافر من التعامل بحكمة مع المواقف المختلفة التي قد يتعرض لها خلال رحلته.

أما عن تجربتها مع السفر الفردي، فكانت تدريجية على عدة مراحل. فبعد تجربتها الأولى مع والدها، سافرت ڤيرا مع شقيقتها من خلال شركة سياحة، ثم سافرت مرة أخرى مع صديقتها، ومن بعدها كانت مستعدة نفسيًّا لخوض هذه التجربة بمفردها. ولأنها كانت مسؤولة كفايةً للاعتماد على نفسها؛ لاقت خطتها للسفر الفردي استحسانًا من عائلتها لا سيما والدها الذي شجعها على السفر، وزرع في روحها حبها للمغامرة، والاستكشاف.

وكانت أولى رحلاتها الفردية إلى نيويورك في عام ٢٠١٢، والتي أعدت لها جيدًا بدءً من تحديد برنامجها السياحي الخاص، وانتهاءً بتحضيرات السفر الأخرى. وتصف ڤيرا تجربتها بأنها الأفضل حيث وجدت في السفر الفردي خير رحلة على عكس كثيرين يستشعرون فيه الملل. وتقول: ما كنتش مقيدة بحد، وقتي كان ملكي تمامًا، ووقتها عملت برنامج للسفرية، ويومي كان دايمًا مزحوم.

أما عن تحضيراتها قبل كل رحلة، فدائمًا ما تستعد ڤيرا بتحضير برنامج الرحلة قبل موعد السفر بنحو ثلاثة أشهر حيث تتصفح الكثير من المواقع الأجنبية حول أشهر المناطق المعروفة، وأي المناطق الأخرى غير المشهورة يمكن زيارتها، وكذلك تبحث أيضًا عن أشهر المطاعم، والأكلات التي تشتهر بها البلد المخطط السفر إليه. فوقتها محسوب بالساعة تبعًا للخطة التي تضعها في كل مرة قبل السفر؛ ولكن مؤخرًا توقفت عن فعل ذلك، وقررت الاستمتاع بعشوائية التجربة دون تخطيط مسبق. فكما تقول: السفر مدارس، وعليك تجربة كل مدرسة حتى تحقق استمتاعك الخاص بالرحلة!

وحتى الآن زارت ڤيرا ٢٦ دولة مختلفة، أحبها إلى قلبها هذه الدول: ألمانيا، سويسرا، فرنسا، إنجلترا، وإيطاليا التي تصفها ڤيرا بأنها أكثر دول أوروبا تشابهًا مع مصر من حيث العادات. أما روسيا فكانت تجربة لا تتمنى تكرارها مرة أخرى لعدم شعورها بالأمان خلال الرحلة.

وبسؤالها عما إذا كان هناك مواقف تعرضت خلالها للتمييز النوعي أثناء رحلاتها، جاء ردها: خلال السنوات الماضية سافرت إلى أوروبا، وأمريكا، ولم أتعرض مرة لأي موقف تحيزي فالشخص المحترم يحتم على الجميع احترامه. وعما تفضله ڤيرا من ثقافات غربية تعرفت عليها خلال رحلاتها، فهي ثقافة ركوب الدراجات كوسيلة مواصلات أساسية في دول كهولندا، والدنمارك. أما أسوأ الثقافات، فهي الأكلات الآسيوية التي تعتمد على المخلوقات غير مألوفة التناول لا سيما في تايلاند.

وعن تعرضها خلال رحلاتها لأكثر المواقف غرابةً، تحكي: فيه موقفين مزعجين عايشتهم الأول: لما كنت في أمريكا، وشوفت سيدة متوفية على الأرض، وماحدش حاول يساعدها، والتاني: لما كنت في ألمانيا، ونايمة في القطر أنا، وبنتين تانيين، صحيت واتفاجئت إن فيه واحد بيصورنا، وقتها انزعجت، وكوِّنت فكرتي إن مفيش حاجة اسمها مجتمع متقدم، ومجتمع متخلف، كل المجتمعات بتجمعها نفس التصرفات حتى لو بنسب متفاوتة.

وكما هو متوقع من السفر، فهناك بعض الطباع المميزة، والمكتسبات المعنوية التي يتمتع بها محبي السفر. وهو ما ينطبق أيضًا على ڤيرا التي أصبحت ترى في تقدير قيمة الوقت، والالتزام بالمواعيد ميزة اكتسبتها من رحلاتها، وكذلك إسعاد النفس، والاكتفاء بها دون رهانها بانتظار الآخرين. كما أن البساطة هي احدى مكتسبات ڤيرا من جولاتها حول العالم، فالترفيه لا يتوقف على الماديات، بل يقترن بالكيفية، والوسيلة.

وكما نعلم ففي السفر سبع فوائد، وبسؤال ڤيرا عن تلك الفوائد السبع أجابت: السفر بيوسع المدارك، وبيزود الثقة فى النفس، وكمان بيفصلنا عن الروتين اليومي، وبيعرفنا أكتر على نفسنا. دا غير إننا بنكون من خلاله صداقات مع ناس جديدة بثقافات مختلفة. وكمان السفر يعتبر رياضة؛ لانه مليان حركة، ونشاط. وكذلك بنكوّن منه ذكريات بتخلي للحياة معنى. وآخر حاجة، وأهم حاجة الطبيعة الخلابة اللي ربنا خلقها، وبنشوفها من شباك الطيارة.

ولأن الأمان أحد أركان الرحلة اللازم توافره، ترى ڤيرا أن ضمان عامل الأمان خلال الرحلة أمرًا نسبيا. فهناك مواقف خارجة عن الإرادة كالتعرض للسرقة – مع ضرورة أخذ الحيطة في عين الاعتبار – وهناك مواقف من الممكن تجنبها  كعدم السير في الأماكن غير المعروفة ليلًا، وتجنب التحدث مع البعض، وعدم فعل التصرفات التي تدل على كونك سائحًا.

ولأن السفر الفردي في حد ذاته بمثابة مسألة مدعاة للرهبة، والقلق للبعض من لم يخوض التجربة؛ ترى ڤيرا أن أفضل حل للتخلص من رهبة السفر الفردي، هو القيام برحلة فردية في أسرع وقت ممكن، ومحاولة الخروج من منطقة الراحة وإلا سيكون الشخص محلك سر لم يتذوق متعة الرحلة، وفرحة الوصول.

وبما إن الفتاة عليها أن تقود زمام أحلامها بنفسها دون انتظار فارس الأحلام، أو صديقة قد تتأخر عن مشاركتها الرحلة، توجه ڤيرا كلمتها لكل بنت ترغب في السفر بمفردها، وتقول لها: “السفر جميل، ومفيد. فمتعطليش أي سفرية؛ علشان مستنية حد يعملها معاكي، طول ما الفرصة سمحالك إنك تسافري خدي القرار من غير تردد، وسافري، وعمرك ما هتندمي أبدًا.”

ولو الفتاة هي واحدة من كثيرات يرغبن في خوض تجربة السفر إلا أن العائق أمامهن دائمًا هو خوف الأهل لدرجة الرفض؛ تقول ڤيرا: ” لو أنا مكانكم هجيب نماذج كتير مشرفة، وأوريها لأهلي، وأبدأ أقولهم إني عايزة أعمل زيهم، وإن السفر ثقافة أهميتها لا تقل عن أهمية القراءة، والكتابة. ولو الكتب بتعملني نظريًّا فالسفر بيعلمني عمليًّا في الحياة، وعشان أطمنهم أكتر هبدأ في الأول مع شركات سياحة، بتطلع جروبات، وأكلم أهلي ڤيديو على طول علشان أشاركهم كل حاجة لحد ما يطمنوا، وبعدين واحدة واحدة، هما نفسهم هيبقوا متقبلين فكرة السفر الفردي إن شاء الله”.

ولأنها أصبحت خبيرة في أمور السفر؛ تقدم ڤيرا بعض النصائح لغيرها من محبي السفر لتوفير المال، والاقتصاد في مصاريف الرحلة مع ضمان الاستمتاع بها، ومنها:

اختيار مواعيد سفر خارج الموسم قدر الإمكان، وبعيدة عن مواعيد الإجازات، والأعياد الرسمية سواء في مصر أو، خارجها. 

حجز الإقامة في الفنادق القريبة من محطات المواصلات العامة؛ للتأكيد على عامل الأمان، وحرية الانتقال بين الأماكن المختلفة داخل البلد المراد زيارته.

إلى جانب الحجز المسبق لرحلة الطيران مع إضافة احتمالية تغيير خطة الطيران حسب الأسعار الأرخص؛ لذا يجب أن يتحلى المسافر بكثير من المرونة.

وأيضًا لشراء بطاقات المدن الخاصة بالمواصلات العامة والتسجيل في مواقع المزارات السياحية قبل زيارتها دور كبير في تخفيض تكاليف الرحلة حيث يمكن الحصول من خلالها على بعض العروض، والخصومات. كما أن الحجز من خلال تطبيقات الهاتف أكثر توفيرًا من التسجيل عبر الموقع الإلكتروني. أما بالنسبة لشراء الحاجيات المختلفة، ولوازم الطعام، فلا غنى عن مراكز التسوق العادية حيث أن المناطق السياحية تشتهر بارتفاع أسعارها. وأخيرًا، لا بد من عمل بحث مكثف حول المكان المراد السفر إليه، واستشارة أصحاب التجارب السابقة عبر موقع التواصل الاجتماعي، وقراءة المراجعات المختلفة عن هذا المكان قبل زيارته؛ لوضع خطة مسبقة.

ولأن مجرد الفكرة في السفر تحتاج إلى وجود ميزانية خاصة؛ كان لابد من استشارة ڤيرا في كيفية التوفير، والادخار بهدف السفر، وكان رأيها أنه بالحد من كثير من العادات الضارة سيمكن لأي فرد أن يسافر كيفما شاء، ومن بين هذه العادات:

الخروج إلى المطاعم، والمقاهي، وهو ما يمكن استبداله بنزهة بسيطة في الهواء الطلق. وكذلك الأمر بالنسبة للتسوق دون حاجة ملحّة، وشراء الأطعمة الجاهزة التي تكلفنا الكثير على المستويين المادي، والصحي. وهناك عادات أخرى مكلفة كالتدخين، وفواتير الهاتف المبالغ فيها، وغيرها من الكماليات التي تكلفنا الكثير.

وبسؤالها عما إذا كانت تحلم يومًا بالسفر حول العالم بأكمله خلال فترة زمنية محددة كما فعلها مستر فوج في ٨٠ يوما في الرواية الشهيرة، أجابت:

“زمان أول ما بدأت السفر كان حلمي فعلًا إني ألف العالم كله، وفعلًا كنت بروح بلاد مختلفة من غير تكرار لحد فترة قريبة، وبعد ما سافرت بلاد كتيرة مش بس فى أوروبا كمان فى أمريكا الشمالية، والجنوبية، وآسيا؛ مؤخرًا  بقيت أحب أروح أماكن أحس إني هنبسط فيها حتى لو كنت روحتها قبل كدا.”

وأخيرًا، لا تزال ڤيرا حاليًا تبحث، وتخطط بشأن وجهتها القادمة، والتي لم تحددها بعد؛ لكنها بالتأكيد ستكون تجربة أخرى مميزة تضيف إلى خبراتها المزيد من الثقة، والمتعة، وحب الحياة.

رحلة سعيدة ڤيرا!

** إذا أعجبتك هذه المقالة، اشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق