دور النسوية في منح الأم حق الرضاعة الطبيعية 

٦ أغسطس ٢٠٢٢
كتبت: رضوى حسني

تُرى هل تسألتِ من قبل عن العلاقة بين مبادئ النسوية، والرضاعة الطبيعية، وهل فعلًا هناك أوجه ترابط بينهما؟!

حسنًا فالمرأة – في المجتمعات المختلفة – تتعرض للكثير من الضغوطات التي تًفرض عليها فقط لكونها أنثى. ولا تتوقف تلك الضغوطات عند سن معين، أو مرحلة ما؛ بل تتشكل، وتتقولب في كل مرحلة من مراحل عمر المرأة لتأخذ طورًا جديدًا من القيود التي تكبل يديها، وتمنعها من نيل حقوقها. بل وقد توهم تلك القيود المرأة بأنها لا تملك بعض الحقوق من الأساس، وأن ما تسعى خلفه ليس سوى سراب. ومن بين الحقوق المنتهكة، حق الأم في اختيار طريقة .تغذيتها لطفلها

فالأم مرضعة، أو التي على وشك الولادة واقعة بين أمرين لا ثالث لهما، وهما اعتمادها في تغذية رضيعها على الرضاعة الطبيعية، أو الحليب الصناعي إلى أن يصل بها الأمر بشئ من الحيرة، وجلد الذات. 

فالحيرة تكون بتخييرها بين الرضاعة الطبيعية، والحليب الصناعي من حيث الأفضل لها، ولصحة طفلها. أما جلد الذات فمصدره أن المرأة تقع فريسة لتصنيف أفراد المجتمع لها على أساس كونها أم جيدة، أو أم سيئة بناءً على اعتمادها الرضاعة الطبيعية من عدمها متناسين، أو غافلين عن كونها حرة في امتلاك جسدها، وأسلوب تغذيتها لابنها، وتعبيرها عن أمومتها نحوه ما دامت توفر له كل سبل الحب، والحنان، والرعاية. 

فالأهم من اختيار طريقة الرضاعة المتبعة من قبل الأم هو ضمان سعادة الأم نفسها عند ممارسة أمومتها بحيث لا تكون مجبرة على فعل تصرف ما فقط لتصبح عند حسن ظن المجتمع الذي تنتمي إليه.

وتتعدد مظاهر القيود المجتمعية التي تنتهك حق الأم في الرضاعة الطبيعية، ومن بينها تشييء، وتسليع جسد المرأة، ووضع اعتبارات جمالية خاطئة عنه، وكأنها مجرد تمثال نُحت ببراعة مثلى، فلا يعاني من الترهلات، وعلامات التمدد البيضاء، ولا حتى زيادة الوزن، ناهيك عن النظرة الجنسية تجاه الثدي. لذا فأصبحت الأم تحت ضغط، وخوف من التغيرات الجسدية التي حتمًا ستصاحب اختيارها للرضاعة الطبيعية، مما يجعلها ترفضها كوسيلة غذاء لابنها، وتستبدلها بالحليب الصناعي حتى لا تفقد تذكرة القبول المجتمعي لشكل جسمها. وقد يكون سبب ذلك أيضًا رغبتها في الهرب من تلك النظرة الجنسية المشينة التي قد تلاحقها كلما قررت إطعام طفلها طبيعيًّا؛ رغم إدراكها التام لدور الثدي  البيولوجي، والانساني، وحقيقة كونه وسيلة الارتباط بينها، وبين رضيعها. 

ومع أن – في هذه الحالة – اختيارها ظاهريا يبدو حرًا إلا أنه في الحقيقة لا يبرهن إلا على تحكم النظرة العامة للمجتمع في جسد المرأة، وخضوعها لتقييمه، وعلى أساس ذلك يحدد ما إذا كانت هذه المرأة جميلة، ومثيرة، أم مجرد أنثى بجسد غير خاضع لشروط، ومعايير الجمال الوهمية.

ومن ناحية أخرى، ونظرًا لافتقاد كثير من الأمهات التوعية الصحية بأهمية الرضاعة الطبيعية، وفوائدها التي لا تعد، ولا تحصى، والتي تنعكس على صحة كل من الأم، والطفل؛ تغوص الأم في دوامة الحملات الإعلانية، والتسويقية لأنواع الحليب الصناعي، والذي رغم فوائده الصحية، ومميزاته إلا أنه لا يقارن على الإطلاق بحليب الأم. ونتيجة لذلك نجد أنها تختار الاعتماد على الحليب الصناعي في تغذية ابنها باعتبار أنه الأفضل كما روّج له.

كذلك المرأة التي تعاني من الأمية، أو التي لم يحالفها الحظ لنيل قدر وافٍ من التعليم، قليلًا ما تعتمد على الرضاعة الطبيعية، حيث تفتقر إلى معرفة مبادئ التغذية السليمة التي تدر حليب ثديها بالشكل الكافي لتغذية طفلها. كما أنها قد تضطر للعمل من أجل توفير متطلبات أسرتها، فتستغرق في عملها ساعات طويلة، ومجهودًا شاقًّا، ولا تتمكن من سد جوع طفلها طبيعيًّا.وحينها يكون اختيارها البديل لتغذية ابنها هو الحليب الصناعي.

وفي حالات أخرى تنال فيها المرأة قدر وافر من التعليم إلا أنها تختار الرضاعة الصناعية بدلًا من الرضاعة الطبيعية لرغبتها في إكمال مسيرتها المهنية دون أي تقصير، أو تأخير. والسبب في ذلك القرار هو عدم مراعاة، واحترام قوانين العمل للدور الإنجابي الذي تؤديه المرأة جنبًا إلى جنب مع دورها المهني، ومن هنا تظهر فجوة التمييز النوعي.

ومن المعروف أن أماكن العمل كلما كانت متدنية، كلما ابتعدت قوانين سياستها الداخلية عن التعامل على أساس حقوقي يضمن توفير سبل الرعاية للعاملين به، وعلى رأسهم الأم المرضعة، وبالتالي تخسر هذه الأم بعض الامتيازات التي تحصل عليها غيرها من السيدات اللاتي يعملن في أماكن ذات مستوى أعلى، أو أماكن حكومية. ومن بين هذه الامتيازات إجازات الوضع، وساعات الرضاعة اليومية، وغيرها تبعًا لاختلاف مكان العمل. 

ومن هنا يأتي دور المبادرات النسوية التي يجب أن توحد جهودها تجاه حصول المرأة على حقها في امتلاك جسدها، واختيارها لأسلوب تغذية طفلها، بل ومعاونتها على ذلك. والمقصود هنا هو توعية المجتمع بدور المرأة الإنجابي الذي لا يقل أهمية عن دورها المهني، ودورها الاجتماعي. وحينها يتدارك المجتمع أهمية الرضاعة الطبيعية، ويوفر للمرأة كافة السبل المعنوية، والمادية التي تعينها على الجمع بين ما تؤديه من أدوار متنوعة في حياتها دون اتهامها بأي تقصير.

وكذلك يقع على عاتق النسوية تمكين المرأة، وتعريفها بأهمية الرضاعة الطبيعية، وما تحمله من فوائد صحية للأم، والطفل. مع رفع وعي المرأة بحقوقها المرتبطة بدورها الإنجابي داخل المجتمع سواء في الأماكن العامة، أو داخل مؤسسات العمل، أو حتى داخل البيت وبين أفراد أسرتها. وقد يكون ذلك من خلال إطلاق الحملات النسوية بهدف تمكين المرأة، وتوعيتها بحقها الإنجابي؛ حتى تمتلك الوعي الكافي بحقوقها، وتدرك أنه مهما اختلفت ظروفها عن غيرها من الأمهات؛ فلا بد أن تتصدى لأي من مظاهر التنميط المجتمعي التي تصنف الأمهات على أساس كونهن صالحات، أو غير ذلك.

كما للنسوية أيضًا دور في تحسين فكر المرأة عن صورة جسدها التي رسمها المجتمع في مخيلتها بالألوان الكاذبة؛  تلك الصورة التي ساهمت في انتقاص المرأة من قيمتها لذاتها، وافتقادها للثقة بالنفس. وذلك من خلال التصدي للخدعة التسويقية التي لعبها عليها القائمون على شركات منتجات الحليب الصناعي بإقناعها بأنها ضعيفة البنية، وحليبها غير كافٍ لتغذية طفلها مقارنة بالحليب الصناعي. ناهيك عن ضرورة رفض استخدام الأثداء في الإعلانات التجارية، والترويج لها كأدوات للجنس من قبل شركات التجميل، وغيرها. 

وهناك حقيقة واجب ذكرها وهي أن المناداة بتطبيع حق المرأة في الرضاعة الطبيعة ليست دعوة بتقييدها، وحصرها في لعب دور واحد فقط داخل المجتمع، وإنما طلبًا في منحها حرية الاختيار، وممارسة حقها الإنجابي إلى جانب حقها في العمل، والتعليم، وغيرها من الحقوق الأخرى.

وأخيرًا لا يسعني القول سوى أن المرأة إنسان حر، بجسد حر، واختيار حر، وعقل كامل. فهي الوحيدة التي من حقها أن تحدد طريقة تغذيتها لطفلها، سواء اعتمدت في ذلك على الرضاعة الطبيعية، أو الرضاعة الصناعية، ما دام اختيارها هذا نابع من قناعتها الشخصية، ومن محض إرادتها، وغير خاضع لأي قيود خارجية، أو ضغوطات مجتمعية، وطالما أنها قادرة على توفير الرعاية الكاملة لابنها، ومده باحتياجاته العاطفية، والنفسية بقدر ما تستطيع. 

**إذا أعجبتك هذه المقالة، اشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق