لماذا يطارد بعبع الثلاثينات النساء؟

٦ أغسطس ٢٠٢٢
كتبت: سلمى محمود

“الحبات الرملية أوشكت على النفاذ”

تلقيت تلك الرسالة بالتزامن مع سماع دقات الساعة الثانية عشر مُعلنة إتمامي لعامي الثامن والعشرين، كانت تلك الرسالة أشبه بجرس إنذار دوى صوته بشدة في آذاني وتسارعت ومضاته الحمراء في مشهد بث الرعب في قلبي.

الكثير من النساء تلقينّ نفس الرسالة وسمعنّ نفس الصافرة المزعجة التي عبثت بداخل عقولهن وألهبت مشاعرهنّ خوفًا، الفارق الوحيد إن عدد الحبات المُتبقية اختلفت من واحدة لأخرى، هناك مَن كانت محظوظة بشكل ما لتملك عشر أو تسع حبات وهناك مَن كانت على شفا حفرة الحبة الواحدة!

كنت انا والكثيرات مثلي نمتلك أقل عدد ممكن من الحبات الرملية، فقط حبتان من الرمل عالقتان على حافة الانزلاق ينتظران تلك الساعة المشؤومة التي تُدعى “يوم الميلاد” حتى تنزلق الواحدة تلو الأخرى مُعلنة انتهاء حقبة العشرينات وبداية حقبة جديدة مُرعبة تُدعى الثلاثينات.

“الثلاثينات.. وقت ازدهار المرأة”

تتحدث المقالات الخيالية عن كيف أن المرأة تُزهر في مرحلة الثلاثينات وتصبح أكثر إشراقًا ونُضجًا وحيوية، يزداد جمالها ويلتف عودها وتصبح أنثى أكثر اكتمالاً، ينضج عقلها الصغير وتصبح أكثر واقعية واستقرارًا بعد مرحلة العشرينات المضطربة.

كنت أثق في تلك الأقاويل الخيالية بشدة وأسعد بها، لكن سعادتي بالتحول الهلامي الذي كنت أحاول إقناع عقلي بكونه يحدث بالفعل كانت دائمًا تصطدم بوحش مخيف قبيح الشكل يزورني دائمًا في أحلامي فلا يغمض لي جفنًا، وأجده ماكثًا أمامي طيلة اليوم فلا يرتاح لي بالاً.

“الثلاثينات.. بعبع المرأة”

كان ذلك الوحش الذي اسميته “المجتمع” دائمًا ما يأتي رفقته عدة أصدقاء أخرين “العمر/الزواج/ الصداقة/ العمل/ الحياة” وكأنها دعوة عامة لحفل بلوغي الثلاثين، كان كل منهم يحمل بداخل جعبته حقائق مؤلمة أكاد معها أن أبلل سروالي من شدة فظاعتها، يحاول كل منهم اخباري بالحقيقة الغائبة عني والتي كانت تحاول مرآتي ان تُخبرني بها في كل مرة أنظر إليها!

يخبرني صديقي بأن الثلاثينات يُمكن اعتبارها نهاية مرحلة الحياة الزاهية، الصاخبة لكل أنثى، فكل شيء يتحول إلى اللون الرمادي فور إتمامك لسن الثلاثين أو الاقتراب منه، تخفت أضواء المراهقة البراقة وتأتي صافرات الشباب المزعجة المخيفة، تتحول الموسيقى الحالمة الهادئة من حولك إلى موسيقى البوب المزعجة التي تُخيف حتى الحيوانات المفترسة. يتحدث الجميع عن كيف أن قطار المراهقة مضى وبأنك كبرتِ بعد أن كنتِ أصغر المدعوين!

يصبح قطار العمل بطيئًا للغاية بعد أن كنت لا تستطيعين التقاط أنفاسك من شدة سرعته، تصبحين السلحفاة الطموحة بعد أن كُنت الأرنب فائز الرهان، تواجهين طيلة طريق السباق الذي أصبح طويلاً أكثر من ذي قبل ثعابين العمر وعقارب منافسة الأصغر سنًا وعليك تجاوزهم حتى تصلين إلى وجهتك أو تُغيرين الوجهة بأكملها إن تطلب الأمر، يرفض البعض تعيينك بعد أن تعتلي الصدمة وجهه ويفتح فمه اندهاشًا من جراء معرفة سنك، والبعض الأخر يُعلنها صريحة نحن لا نوظف المرأة الثلاثينية، بل الأصغر سنًا والأكثر خبرة، بينما ينصحك الأخرين بالتوقف عن البحث عن وظيفة أحلامك والتوجه إلى بعض الوظائف المحددة التي تناسب سنك أو “تاخديها من قصيرها وتقعدي في البيت”.

تفقدين في رحلتك العديد من الأصدقاء، منهم من يهبط في محطة الزواج ويبتعد رويدًا رويدًا لظروف الحياة والأطفال وغيره، ومنهم من تفرق الأيام شملكم لأسباب عِدة، ومنهم من تكتشفين تحول شخصيته في اتجاه لم تعهديه سابقًا يجعل استمرار صداقتكم شبه مستحيلة، ومنهم من يبتعد دون سبب.. تكوين الصداقات في تلك المرحلة يصبح اختبارًا صعبًا فالجميع من جهة لديه بالفعل أصدقاءه المقربين ومن جهة أخري ستفقدين أنتِ الشغف للبدء من جديد.. تضيق دائرة الصداقة شيئًا فشيء حتى تكادين تختنقين بها، وتصبح الوحدة مصيرًا محتومًا في مرحلة ما قادمة دون شك..

أما إن تحدثنا عن قطار الزواج فإن كنتِ مازالتِ عزباء فيمكنني تفسير لكِ سر ابتعاد الخاطبات عنك بعد أن قضين نصف أعمارهن يحاولن اقناعك بعريس مختلف كل يوم، فبعد دخولك المنعطف الثلاثيني يصبح ترتيبك ثانيًا في صف العرائس فهناك الكثير من الإناث العشرينية يقفن في بداية الصف ينتظرن خيرة الشباب، أما أنتِ فاتركي نهم الوجبات الشهية للصغيرات والتهمي أنتِ الفتات التي تكفي لمليء بطنك، أصبحت خياراتك محدودة لمجرد زيادة عمرك عامًا أخر، فبعد الوسامة وعنفوان الشباب وباقي المزايا التي تُطبع على العريس المحتمل لتُسهل مسار إتمام الصفقة صار الحديث عن “القبول والتوافق الاجتماعي وكسب الثواب وتربية الأطفال”. تجلسين كل يوم ليلاً داخل قطار العمر لتشاهدين الجميع يقفز إلى محطته المزعومة وعليك مواكبتهم سريعًا وإلا ستصلين إلى الوجهة النهائية خالية الوفاض تعضين أصابع الندم على عمر أنتهى ولن يعد، تدركين أن وقت التجربة أنتهى وآتي وقت حصد النتائج، لا مجال للبداية من جديد، عليك فعل كل شيء سريعًا قبل فوات الأوان، الزواج قبل أن تنضبين وتنعدم قدرتك على الأنجاب شيئًا فشيء، عليك العمل في أي وظيفة مقبولة لأن هذا فقط المتوفر لمن هن في مثل عمرك، الحفاظ على علاقات صداقة حتى وإن كانت بعيدة عن مسارها الوحيد حتى لا تنتهين وحيدة، تبذلين جهدًا مُضاعفَا للحفاظ على .جسدك وبشرتك وكل شيء أملاً في تأخير تلك المرحلة قليلاً

“بين الخيال والواقع ماذا نفعل؟”

بعدما انتهى حواري الشيق بيني وبين هؤلاء الأصدقاء داخل قاعة مؤتمرات عقلي بدأت أفكر في طريقة حكم البعض بداخل مجتمعنا على المرأة بالإعدام لمجرد زيادة شمعة واحدة على كعكة احتفالها ضاربين عرض الحائط بكل تلك الأحاديث عن نضج المرأة وأنوثتها فكل كل هذه الأشياء لا قيمة لها في الواقع، بدأت التفكير أيضًا في شبح الثلاثين الذي يعبث بعقول النساء ويحيل يوم ميلادهن إلى كابوس بعد أن كُن ينتظرنه على أحر من الجمر.. الأمر سيء للغاية أليس كذلك!

في الخارج يقولون إن الحياة تبدأ بعد الستين ففي تلك الفترة تنتهي كافة مسؤوليات الفرد الذي قضى كل عمره يلهث ورائها والأن عليه الاستمتاع بغنائم ولذات الحياة، لكننا هنا نُلقي بالإناث نحو قاع الحياة في ذروة شبابهن ونضع فوق كاهلهن عبئًا ثقيل الوزن لمجرد سنة إضافية أُضيفت لمجمل سنوات أعمارهن.

نتناسي أن العمر مجرد رقم لا يحدد مصير أي امرأة ولا يُفترض أن يُغير الكثير في مسار حياتها وتعامل الأخرين معها، نتناسى أن هناك الكثيرات استطعن بداية حياتهن المهنية والزوجية والحياتية برمتها في الثلاثينيات والأربعينيات وحتى السبعينيات، فالأمر لا يتوقف على العمر وحده بل على السعي والاجتهاد وتصديق الذات وإيجاد النصف الأخر والاستعداد الفعلي لتكوين الأسرة وتكوين الصداقات المناسبة وبدلاً من وضع العراقيل أمامهن يجب تصديقهن والتركيز على مؤهلاتهن ورغبتهن الشخصية وليس على أعمارهن.

أخيرًا عزيزتي ألقي بكل أحاديثهم البالية خلف ظهرك واستكملي طريقك وتذكري أن الحياة لا يُفترض أن تنتهي رفقة أخر شمعة عشرينية نقوم بإطفائها إنما يُمكنها أن تبدأ بداية لم نتوقع حدوثها، بداية يُفتح رفقتها طريق السعادة والحياة الجديدة التي ربما تُغلفها النهاية السعيدة.

**إذا أعجبتك هذه المقالة، اشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق