وسائل منع الحمل وصمة عار تلازم المرأة منذ الستينيات

٩ أكتوبر ٢٠٢٢
كتبت: رضوى حسني

عندما أُبتكرت وسائل منع الحمل في أوائل العقد السادس من القرن العشرين، فرحة النساء حينها بأنه أخيرًا امتلكن ذاك الحل السحري الذي سيمكنهن من تحديد النسل، والتحكم في أجسامهن غطت على إدراكهن لحجم المسؤولية التي ستقع عليهن وحدهن دون الرجال.

القصة بدأت بتضرر السيدات من كثرة الإنجاب دون قدرة منهن على التحكم في الأمر، وهو الذي أثر سلبًا مع الوقت على صحة المرأة ، إما بسبب الولادات المتعددة أو الإجهاض المتكرر، لدرجة كانت تودي بحياة المرأة في ريعان شبابها.

ولعل ذلك كان دافعًا لمارجريت سانجر، تلك الممرضة الأمريكية التي افتتحت عيادة لتحديد النسل عام ١٩١٦، وراحت تطالب لأول مرة بتحديد النسل من خلال نشر هذه الثقافة بين الفقيرات، والأقل وعيًا، وتعليمًا؛ لكونهن أكثر عرضة للوفاة جراء كثرة الإنجاب، أو الإجهاض، كوالدتها التي راحت ضحية لهذه الظاهرة في الخمسين من عمرها.  

ويعد ظهور حبوب منع الحمل لأول مرة في ستينيات القرن الماضي أحد أسباب اندلاع الثورة الجنسية في الغرب. ومع ظهورها، تعارضت الآراء ما بين معارض محافظ على قيم وتقاليد المجتمع، يرى أن حبوب منع الحمل صغيرة الحجم أكثر خطرًا على المجتمع من القنبلة النووية؛ لأنها تبيح للنساء ممارسة الجنس دون رادع، وآخر مؤيد يرى في تلك الحبوب صورة لتحرر المرأة، ونيل حقها في امتلاك جسدها، ووسيلة تحميها من الحمل دون إرادة منها حتى لو في إطار الزواج.

ووسائل منع الحمل لعبت دورًا كبيرًا في تحديد النسل، وحافظت على صحة المرأة الإنجابية، وتركت لها مجالًا للتفكير في حياتها الخاصة، وليست كزوجة، وأم فقط. فباتت المرأة قادرة على تحسين وضعها الاجتماعي، والرفعة من شأنها العلمي، والوظيفي؛ لأنها امتلكت أخيرًا حريتها في جسدها، وفي تحديد مسار حياتها، وما إذا كانت مستعدة لضم فرد جديد صغير لعائلتها أو لا، وما إلى ذلك.

لكن تُرى هل هذه هي الحقيقة فعلًا، وهل حقًا وسائل منع الحمل أعطت للمرأة حق امتلاك الجسد أم انتزعته، وسلبته منها؟!

في الحقيقة الإجابة معقدة نوعًا ما، فمن ناحية وسائل منع الحمل بالفعل مكنت المرأة من تحديد النسل، والاستعداد جيدًا قبل الإقدام على خطوة الإنجاب، وكذلك قدمت لها الفرصة على طبق من ذهب لاستكمال مراحلها التعليمية، أو النجاح في دورها الوظيفي، أو تنشئة صغارها دون تقصير، وذلك بتأجيل الحمل، أو منع فكرة الحمل المفاجئ من الحدوث.. رغم احتمالية حدوثه مع استخدام بعض الوسائل المانعة له.

ومن ناحية أخرى، وسائل منع الحمل تحمل في تركيباتها الكيميائية كثيرًا من الأضرار الجانبية، والمخاطر البيولوجية على صحة المرأة، والتي تعرضها للإصابة بأي منها بنسب ما. فتبعًا للأبحاث الطبية المتعددة لا توجد وسيلة منع حمل واحدة تستخدمها المرأة إلا وكانت تحمل بعض الأضرار التي تؤثر على طبيعة جسمها، وتسبب لها بعض التغيرات الهرمونية المصاحب لها التغيرات المزاجية، وزيادة الوزن – رغم عدم تأكيد الأبحاث حتى الآن – وكذلك الشعور بالغثيان، والنزيف، وانخفاض الرغبة الجنسية وغيرها من الأعراض الأخرى، والتي قد تصل شدتها إلى حد الإصابة بسرطان الثدي، وعنق الرحم، والمبيض.

ويرى الأطباء أن مع تعدد وسائل منع الحمل، تمتلك المرأة حرية اختيار الوسيلة الأنسب لها تبعًا لتاريخها المرضي، والوراثي، وحالتها الصحية، ووزنها، وعمرها، ورغبتها في الإنجاب من عدمه، ومدة توقفها عن الحمل.

ولكن هل فعلا المرأة حرة في اختيار نوع الوسيلة الأنسب لها، أم أنها ضحية حيلة تمارس عليها؟

لو كانت المرأة حقًا حرة في اختيار الوسيلة الأنسب لها؛ لكان من حقها الرفض أصلًا أن تتحمل المسؤولية الإنجابية وحدها دون الرجل، ولكان من حقها أيضًا أن تطلب من زوجها أن يستخدم هو وسيلة منع الحمل الأكثر أمانًا على الإطلاق، وصاحبة النتيجة الإيجابية الأعلى (الواقي الذكري)!

لو كانت المرأة حرة فعلًا في امتلاك جسدها، والتعبير عن حقها في اختيار الوسيلة الأفضل لتحديد نسلها هي وزوجها، لأُعطيت اختيارات عدة بين وسائل منع حمل لها، وأخرى لزوجها، وليست الوسائل النسائية فقط.

 وكأن الأمر أشبه بوجبتي عشاء غير مفضلتين على الإطلاق لها، ومطلوب منها اختيار الأقل سوءً، ثم يطلب منها أخيرًا أن تصف كم كان الطبق شهيًّا، ولذيذًا!

لسنوات طويلة تفنن الباحثون في ابتكار وسائل منع الحمل التي كان نصيب الأسد منها للمرأة، في حين أن الرجل لم يحظَ سوى بوسيلة واحدة، وبعض الأبحاث التي لم تصل لأي تطبيق فعلي على أرض الواقع؛ لكن أحد هذه الأبحاث أفصح عن إمكانية ابتكار حبوب منع الحمل للرجال، ولكنها تحمل بعض الأضرار الصحية كانخفاض مستوى التستوستيرون، وتقليل الرغبة الجنسية، والغثيان، والصداع، والتغيرات المزاجية؛ ولكن مهلًا أليست هذه الأعراض تتشابه فيما بينها مع تلك التي تصيب المرأة جراء استخدام وسائل منع الحمل!

إذًا، ماذا لو طورت الأبحاث الطبية بعض الوسائل المانعة للحمل الأخرى للرجال، أو طبقت بعض التعديلات عليها لتقليل أضرارها الجانبية؟

وهل المشكلة طبية، أم اجتماعية؟!

في الحقيقة أننا اعتدنا طوال العقود الماضية على معاناة المرأة حتى بات الأمر مألوفًا؛ رغم نداءات النسويات المتكررة؛ ولكن الأمر هنا مختلف لأن طلبنا في المساواة الإنجابية مع الرجل يهدد ذكوريته. فأينما ذُكر التستوستيرون حل علينا الهجوم، والغضب، فنحن نهدد عرش الرجل. فقوته كرجل، وذكوريته مقترنة بقدرته الجنسية، وكفاءته الإنجابية.

حتى أن تعليقات البعض منهم حول وسائل منع الحمل الآمنة للرجل قوبلت بالسخرية والاستهزاء من جسد المرأة، ودورتها الشهرية؛ ليبقى الوضع كما هو عليه، وعلى المتضرر اللجوء لسنوات طويلة من الكفاح النسوي فقط لنشعر بأننا جنس مماثل يحتل نفس المرتبة الأولى لا جنس ثانٍ.

المسألة ليست خلاف بين المرأة، والرجل، ومن الأولى منهما بالمسؤولية الإنجابية لأن كلاهما شركاء حياة؛ ولكن المسألة تبرز احدى صور التمييز النوعي ضد المرأة، حتى أشبه الأمر بوصمة عار تلازمها منذ الستينيات بات التخلص منها أمرًا شبه مستحيل أمام الاستحقاق الذكوري.

والسؤال الأخير هنا موجه للسادة الرجال ، هل لو قدم الطب خلال السنوات القادمة حبوب مانعة للحمل آمنة بنسبة مئة بالمئة للرجال، ستتناولها؟!

**إذا أعجبتك هذه المقالة، اشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق