فيلم الآنسة حنفي| ذكورية الرجل بعين المرأة

١٩ أكتوبر ٢٠٢٢
كتبت: رضوى حسني

يُعرف عن العصر الذهبي للسينما المصرية اهتمامه بمناقشة القضايا الاجتماعية لا سيما قضايا المرأة كالتعليم، وزواج القاصرات، وتعدد الزوجات، وشغل الوظائف ذات الهيمنة الذكورية حتى مسألة العبور الجنسي كان لها نصيبًا من الضوء الذي سُلط على القضايا الشائكة آنذاك.

ففي عام ١٩٥٤ طرحت لأول مرة في السينما المصرية فكرة العبور الجنسي من خلال فيلم الآنسة حنفي، ولعله كان سببًا في فتح الباب فيما بعد أمام صناع السينما، والدراما؛ لتقديم نفس القضية ولكن بأطروحات مختلفة مثل: فيلم السادة الرجال، ومسلسل صرخة أنثى.

وتأتي واقعة العبور الجنسي ضمن أحداث الفيلم في سياق كوميدي حيث يصيب حنفي بألم شديد بالبطن ليلة زفافه على نواعم (ابنة زوجة أبيه)، وتسرع العائلة في طلب علاجه، وداخل أروقة المستشفى تحدث مفاجأة غير متوقعة على الإطلاق؛ لتطل علينا في المشاهد التالية الآنسة فيفي (حنفي سابقا).

وما يميز فيلم الآنسة حنفي غير كونه كوميديًّا من الدرجة الأولى، وينزل الضحك على القلوب بمنتهى العفوية؛ أنه يناقش أيضًا العديد من الموضوعات النسوية بشكل جانبي رغم كون حبكته الأساسية تدور حول مسألة العبور الجنسي، وتحول حنفي الرجل ذكوري النزعة إلى فيفي المرأة القوية التي تطالب بأبسط حقوقها حتى لو كان مجرد فتح النافذة على مصراعيها، لتطل منها على المارة.

وحق الفتاة في التعليم كان من بين هذه الموضوعات النسوية المطروحة للنقاش ضمن أحداث الفيلم، ويظهر ذلك جليا عندما يحرم حنفي عروسه المستقبلية نواعم ( ابنة زوجة أبيه) من حقها في التعليم، ويجبرها على الاكتفاء بالشهادة الابتدائية معللًا السبب بأن لا حاجة للفتيات من التعليم، خصوصا وأنه رجلا ساقط ابتدائية فكيف لمجرد فتاة أن تتعداه. في حين أن فيفي (حنفي سابقًا) دائمة التفاخر بكونها فتاة متعلمة، ومتنورة، وساقطة ابتدائية؛ بل وتكيد نواعم وأمها بهذا الأمر مبرهنة لهما بأنها فتاة ذكية، ومتعلمة، وجميلة وألف من يتمناها.

حتى أن هذه العبارة التي وردت على لسان نواعم (ابنة زوجة الأب) ضمن أحداث الفيلم تلخص هذه الفكرة: “مش عيب الراجل ينقلب ست، ومش عيب الست تنقلب راجل؛ لكن العيب إن الراجل يكون أناني ويحرم البنت من التعليم، ويخليها تعيش في سجن زي اللي احنا عايشين فيه دا”.

ومرة أخرى يأتي حنفي الحمش – كما يحب أن ينعت نفسه – بذكوريته، وغروره كرجل العائلة الوحيد بعد أبيه مجعجعا بأعلى صوته مانعًا نواعم من فتح النافذة لأن هذا التصرف ليس من شيم الفتاة المهذبة ناهيك عن تحذيره لها من ارتداء الفساتين، ووضع مستحضرات التجميل داخل البيت؛ رغم محاولات نواعم ووالدتها بإقناع حنفي ووالده أن الزمن تغير وأصبحت للمرأة نفس حقوق الرجل.

أما فيفي (حنفي سابقا) عندما تحاول أن تنهرها نواعم عن فتح ذات النافذة، وارتداء الفساتين، وتطبيق مستحضرات التجميل مقلدة ما كان يفعله بها حنفي من قبل، لا ترض  بالأمر الواقع بل وتطالب بحقها المشروع في فتح النافذة مستنكرة هذا التصرف من أهلها وهم يعيشون في سنة ٥٤، فيكسر والدها بخاطرها عندما يقول لها بذكورية: اللي هيمشي عليهم هيمشي عليكي أنا ماعنديش خيار وفاقوس.

ونتيجة لهذه المواقف، وغيرها التي يتصرف فيها حنفي بذكورية تجاه نواعم؛ ينقلب السحر عليه بعد ذلك عندما يصبح فيفي، فلا تتوان نواعم عن أخذ حقها من فيفي، بل وتجبرها على القيام بأعمال المنزل وحدها كما كان يجبرها حنفي.

وكذلك حنفي الذي يوافق مجبرًا على الزواج من نواعم رغم عدم حبهما لبعضهما البعض؛ ولكنها مجرد زيجة جبرية بسبب والديهما، مما يتسبب في منع نواعم من الزواج بحبيبها حسن بادئ الأمر، هو أيضًا نفسه فيفي التي تبحث عن فارس الأحلام فيمن حولها من الرجال كحسن، وأبو سريع حتى أنها تلجأ لزواج الصالونات. وعندما يقرر والدها إجبارها على الزواج من حسونة صديق حنفي؛ ، تبكي، وتطالب بحقها في الزواج من شخص مناسب لها عمرًا؛ ولما لم تجد بدًا من الزواج منه تقرر الهرب يوم زفافها مع حبيبها أبو سريع، وتتزوجه سرًا، بل وتنجب منه عدة توائم.

ربما قد تجد هذه المفارقات كوميدية عند مشاهدتك الممتعة للفيلم؛ ولكن مع التركيز على أحداثه تخرج بفكرة بناءة لكل ما يقدمه الفيلم من طرح موضوعي يعكس الحالة الاجتماعية التي كان عليها المجتمع آنذاك، 

فكان تقبل المجتمع سريع لقضية العبور الجنسي رغم اعتبارها وصمة عار في بادئ الأمر؛ لكن سرعان ما تحظى فيفي (حنفي سابقا) بالحب والاحتواء من عائلتها، وأهل حارتها، أو ربما السبب في ذلك يعود لكون الفيلم كوميدي، ويتطلب تلك النظرة المجتمعية غير الواقعية حتى يغوص أعمق في أحداثه الممتعة.

ولكن مما لا شك فيه أن الأمر يزداد سوءً بمرور السنوات، فلا زال هناك حالة من الاستنكار جراء تحول الرجل إلى امرأة، بل وإيجاد العار، والوصم الاجتماعي في ذلك، فكيف لرجل يحمل اسم العائلة، ويمتلك من الحقوق ما يشاء أن يتحول لمجرد فتاة لا حول لها ولا قوة ضعيفة هشة تحتاج إلى ظل رجل يحميها من غدر الزمان.

ومن الشائع أن قصة فيلم الآنسة حنفي التي ألفها جليل البنداري مستوحاة من قصة (فاطمة إبراهيم) التي أصبحت فيما بعد (علي) بعد إجراء عملية تصحيح جنسي لها في عام ١٩٤٧.

وفيلم الآنسة حنفي من بطولة إسماعيل ياسين، ماجدة الصباحي، عبد الفتاح القصري، زينات صدقي، عمر الحريري، رياض القصبجي، وسليمان نجيب، ومن إخراج فطين عبد الوهاب.

**إذا أعجبتك هذه المقالة، اشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق