نصف أنثى … نصف أم

٣١ أكتوبر ٢٠٢٢
جيهان راضي

اثنتان داخلي؛ الأولى أٌنثى تُمارِس طُقوس الإغواء بمفردها فترقُص أمام المرآة نصف عارية على موسيقى إحدى أغنيات فرنسوا هاردي الفرنسية، تخطو في إيقاع منتظم وكأنها إحدى نجمات الأفلام الكلاسيكية، والثانية؛ أم تُمارِس طقوس التطُهُر باتقان، إذ ترتدي جلبابًا فضفاضًا وتقف بين يدي الله تصلي، تركع، ثم تخُر ساجدة تطلب العفو والغفران، تضم طفلها الوحيد ليلًا تتطلب دفئًا وأمان، تدعو الله أن يحميه فتتلو عليه آيات الحفظ من القرآن. 

الأنثى تتحدى الأم، والأم تزدري الأُنثى، تنظر إليها في احتقار، تستكثر عليها أن تطرب لأنغام موسيقى فرنسية حتى وإن كانت لا تفقه الكلمات، تستكثر عليها نشوة الرقص حتى وإن كانت لا تتقن الخطوات. تتطلع الأم إلى وزنها الزائد وعلامات تمدد الحمل فتشعر بالامتنان، هذه العلامات تُعلِن عن خروج طفل من رحم أم، روح جديدة تستنشق أنفاس الحياة، بينما تستاء الأنثى من تلك العلامات، تراها قبيحة فترفضها وتثور عليها، ثم تدور في دائرة مُفرغة من ممارسة الرياضة واستخدام مُستحضرات التجميل لتعود ذات جسد متناسق من جديد. 

تحتاج ثنائية الأنثى والأم لتفكيك لا في المجتمع وحده، بل في نفس المرأة نفسها، ربما لن يفلح جاك دريدا نفسه في تفكيك مثل هذا التعارض الثنائي حتى وإن بُعِث للحياة من جديد، فما هي الأنوثة؟ وكيف تكون الأمومة؟ وهل هناك معايير محددة لكي تكون المرأة أنثى؟ أتعجب من تعريف قاموس مريم ويبستر حينما بحثت عن تعريف الأنوثة باللغة الإنجليزية فوجدتها تعني ”اتصاف المرأة بالسمات التي تميزها كأنثى“، فهذا يثير تساؤلًا آخر، ما هي هذه السمات؟ ومن يفرضها؟ فالمجتمع يدفع المرأة تجاه قوالب ثابتة تُحدد وتَحِد من جمالها لتحصره في جسم ذي منحنيات فاتنة، بشرة صافية، فم ممتليء وشعر كثيف ناعم الأطراف، بينما تفرض الأنوثة التوراتية مفهومًا مُضاد عن الجمال، جمال داخلي لا خارجي؛ ينبع في نفس المرأة إثر شعور قوي بـتقوى الله، فيحصر جمالها في النقاء، العِفة، وربما الوداعة، وعلى جانب آخر تُحاكي السرديات الثقافية السائدة صورًا محددة عن المرأة الأم كمثال للتضحية والعطاء، والأمر بديهي ولست بصدد إنكار دور الأم في رعاية الأبناء ومنح الأسرة الحب، لكن محاولات تشويه أي صورة تختلف عن تلك السردية السائدة هو ما أنا بصدد تفكيكه والثورة عليه، لماذا نستنكر أن تقضي الأم وقتًا بمفردها خارج المنزل بهدف العمل أو حتى للترويح عن نفسها؟ لماذا نحاكي دائمًا صورًا عن الأمومة فتصور الأم ضعيفة وديعة هادئة؟ والأغرب أن تستكثر امرأة على امرأة مثلها أن تنعم بقدر من الحرية لنفسها، والأكثر غرابة أن تستكثر المرأة على ذاتها، فتدور في حلقة مُفرغة من الصراع في نفسها على نفسها. 

ماذا عن حقوقها تجاه نفسها؟ ماذا عن أحلامها وطموحها رغبةً في النجاح؟ وما سر هذا العبء على نفس المرأة؟ وكأنها ليست كافية بمفردها، دائمًا يجب أن تقدم شيئًا حتى تكون كافية وتتلقى القبول والاستحسان، فإن كانت المرأة أنثى؛ عليها أن تتصف بسمات الجمال الخارق، جمال بلا عيوب، وإن كانت أم؛ عليها أن تقضي عُمرها بين المطبخ وأزقة المدارس والدروس الخصوصية، أما عن تمارين الأولاد فحدِّث ولا حرج. كيف يمكن للمرأة أن تصل لذلك الاتساق الذاتي في نفسها؟ ذلك التناغم في كونها أم عليها واجبات وامرأة لها حقوق تجاه نفسها. 

وإجمالًا أقول لها، في كل مكان، وربما أقول لنفسي قبلها، ربما تكون عيوب الوجه هي سر الجمال، فتبرز مميزات لا تدركيها، وربما عيوب الجسد عليكِ أن تُقبِّليها لأنها تُخبرعنكِ أنكِ إنسان، لستِ نتاج إحدى صناعات التجميل البلاستيكية، أنتِ مُكتملة كما أنتِ، أنتِ عقل وروح و جسد، عقلك يكتمل بالمعرفة، وروحك تكتمل بحب الله والذات، فلا تضري ولا تقبلى بالأذى، وجسدك يكتمل بصحة سليمة تُمكِّنك من ممارسة دورك الذي تنتقينه بنفسك، لا بدفع من المجتمع، فإن اخترتِ أن تكوني أمًا فحصرتِ دورك في الأمومة، فهذا خيارك، وإن اخترتِ العمل ورفضتِ الزواج فهذه حياتك، وإن استطعتِ التوفيق بين كليهما، فلا تبالي بتعليقات المحيطين بكِ، وليس القصد هنا أن تهملي روحك، بل النقيض، حافظي على جسدك وروحك و عقلك، لكن بقدر المُستطاع، دون أن تُكلفي نفسك بما ليس في وُسعِها، وأقول لنفسي في نهاية المقال أنني نجحتُ مرة في حل الصراع في نفسي بين الأُنثى والأم، حينما أمسكتُ بيد طفلي الوحيد ووقفنا في المطبخ نرقص سويًا، استطعت يومها أن أكون اثنتين بنفسٍ راضية؛ أنثى وأم. 

**إذا أعجبتك هذه المقالة، اشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني

أضف تعليق