قرأة في أعمال الفنانة جيهان فايز (معرض تكايا)  

١٣ ديسمبر ٢٠٢٢
كتبت هالة الشافعي

قوة … سخاء … حميمية.  ثلاثة كلمات تلخص أعمال الفنانة المبدعة جيهان فايز . و لا غرابة في ذلك ، فهي كلها مستمدة من صفاتها الشخصية. الفن الصادق مرآة لصاحبه، أوجزها الكاتب الأمريكي هنري وارد بيتشر بقوله ‘ إن كل فنان يغمس فرشاته في روحه و يرسم طبيعته الشخصية في لوحاته’ .

 قوة لأن الاعمال فيها سمو و شموخ عهدناهم في الفن و النحت المصري القديم، لا سيما في تصوير المرأة المصرية ، و جيهان فايز امتداد لهذا الفن . و سخاء لأنها كريمة في عطائها اللوني الغني و في معالجتها لاسطح و ملمس أعمالها . و حميمية لأننا نستشعر التواصل و الدفء مع شخوصها بحيث ننجذب داخل عالمها الأنثوي كمن يرتمي في حضن أمه . فالمرأة عند جيهان ساكنة و مستقرة ، تعطي المتلقي إحساس بالطمأنينة، تنتظره ليشاركها علي طاولة الطعام أو يتجاذب معها أطراف الحديث. هي الملاذ و السكن و الأمان. فالمرور علي لوحاتها كمن قصد واحة ليرتوي و يستريح.  و قد شغل موضوع الحميمية intimacy في الأعمال الفنية إهتمام الكثير من الفنانين و من ضمنهم ماتيس الذي اراد ان تكون للمشاهد لأعماله علاقة خاصة هدفها إعطاء  الإحساس بأن الفنان يتسم بالحساسية و الكرم . و هذة الحميمية خلقها ماتيس عن طريق العامل الإنساني بحيث يجد المتلقي صدي لحياته الشخصية في العمل الفني .

و في معرضها الحالي ‘تكايا’ بقاعة النيل بالزمالك، تتسم أعمال الفنانة جيهان فايز التصورية بمذاق جداري يسترجع عشقها الأول كفنانة جدارية. و لا شك أن أعمالها تذكرنا بالرسوم الجدارية علي الصروح المصرية القديمة، تحمل نكهة تاريخية مفعمة بالأصالة و المعاصرة في نفس الوقت . و بالرغم من الإختزال و التجريد ، تطل علينا شخوصها و قد تشربت من الفن المصري القديم إضافة إلي الصورة التقليدية للمرأة الأفريقية .

 

إلا أن البطل الحقيقي في أعمالها هو ثراء و سخونة الصخب اللوني المتدفق من قلب عاشق للون. لقد أختارت جيهان بالته دافئة؛ درجات الأحمر و البرتقالي و الأصفر و الأخضر و البني. ألوانها عضوية تحمل في طياتها رائحة الأرض و الطمي و دفء الشمس ، تتخللها الازرقات الباردة لخلق التوازن و التضاد. و هذا ‘التمكن اللوني’ لا يمكن تعلمه في الكليات برغم وجود نظرية اللون في المناهج. إذ أن لغة الألوان مثل الملكات الصوتية و الغنائية و الأذن الموسيقية و حاسة التذوق ، يتشربها و ينشأ عليها الإنسان منذ الصغر و يصقلها مع الوقت و التدريب. 

و مما يميز أعمال الفنانة جيهان فايز، التكنيك ‘الجداري’ الخاص بها و الذي طورته عبر سنوات من البحث و التجريب. تعتمد الفنانة علي صباغة أوراق باحبار داكنة و لصقها مع ترك فراغات بينها . هذة الفراغات (تلون بعضها بألوان الإكريليك البيضاء في مرحلة لاحقة ) تعطي لنا شكل و ملمس المجلدات الجلدية أو الكتب العتيقة و قد أصاب سطحها التشقق. و هي كذلك تشبه المباني القديمة التي أصابها التصدع و التأكل مع مرور الزمن. و هذا الملمس تحديداً يضفي علي أعمالها البعد الزمني .و بهذة الطريقة تخلق لنا الفنانة ملمس أو texture غني غير مستوي تلونه بالوانها الزاهية ثم تضيف عناصر زخرفية و متون خاصة بها تكون  بمثابة’ التكحيل ‘ للعمل. و كله في تكوين رصين مترابط ، تتحكم فيه الفنانة بعناصرها كمن يقود أوركسترا سيمفوني . و بالرغم من إختلاف التناول و المفهوم، إلا أن المضمون يستدعي مرة أخري المقارنة ببعض أعمال الرائد ماتيس في فترات ركز فيها علي اللون و العناصر الزخرفية في تناول المرأة.

إن مسيرة الفنانة الكبيرة جيهان فايز تأكد لنا أن الإبداع لا يهبط علينا من السماء ، إنما يحتاج الكثير من التجريب …و مواصلة التعلم ….و التفكير خارج الصندوق ….و الصبر علي النتائج …و الإصرار علي التفرد. 

المعرض أفتتح يوم ٦ ديسمبر ٢٠٢٢ في نايل جاليري بالزمالك

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

أضف تعليق