٣١ ديسمبر ٢٠٢٢
أليكساندرا كينياس

تمكين المرأة ليس من الموضوعات المفضلة للنقاش في الكثير من دول الشرق الأوسط، والنساء اللاتي ينشأن في هذه المجتمعات المسوجينية (الكارهة للمرأة) يعشن في نضال مستمر لتحقيق بعض النتائج الملموسة للحصول علي بعض من حقوقهن.
مؤخرا، سألتني احدى الشابات عن إنجازات هدى شعراوي (1887 – 1947)، اعتقدت فى البداية أنه كان سؤالًا ساخرًا؛ ولكني أيقنت بعد لحظات أنها كانت تسأل بجدية تامة لعدم معرفتها بمن تكون هدى شعراوي أو بأنها لديها أية إنجازات سوى أنه هناك شارع، ومدرسة باسمها.
ما أثار دهشتي حقًا هو أن هذه الشابة كانت تجهل أن هدى شعراوي هى رائدة في الحركات النسوية في مصر والعالم العربي، وتسألتُ بيني وبين نفسي كيف أنه بعد سبعين عامًا من وفاتها، أصبحت رائدة تحرير المرأة المصرية، ومؤسسة الاتحاد النسائي المصري، والاتحاد النسائي العربي، شخصية غير معروفة لجيل الشباب؟
هذا ليس بالأمر المخجل فحسب، ، ولكنه طعنة في قلب كل نسوية ومدافعة عن حقوق المرأة. من الواضح أن هناك جهود تُبذل لإخماد أصوات المرأة. ومع تهميش وتجاهل الأدوار التي لعبتها الرائدات اللاتي ناضلن من أجل تعزيز حقوق المرأة والمساواة، تفتقد الفتيات والشابات القدوة التى تلهمهن للاقتداء بها، والسير على خطاها.

ولدت نور الهدى سلطان في 23 يونيو 1879، وتلقت تعليمها داخل أسوار الحريم بقصر والدها السياسي الثري مالك الأراضي الزراعية. أمضت حياتها المبكرة في هذه العزلة حتى تم إجبارها على الزواج في سن الثالثة عشرة من ابن عمتها محمد شعراوي، والذي كان فى الأربعينات من عمره. وقد حصلت على لقب زوجها بعد الزواج، وأصبحت تعرف باسم هدى شعراوى.
انفصلت عن زوجها بعد خمسة عشر شهرًا من الزواج، بعد أن أنجبت خليلته طفله، وكسر بذلك بندا في عقد الزواج والذي كان ينص علي تحرير محظيتة قبل الزواج من هدى شعراوي، وبعدم الزواج أو العيش مع امرأة أخرى سوى زوجته هدى. وبعد الانفصال عادت العروس الصغيرة إلى بيت والدها؛ لتعيش مع والدتها.

انفصلت عن زوجها لمدة سبع سنوات، أتاحت لها فرصة الانفصال هذه أن تكمل تعليمها، وكذلك حصلت في هذه الفترة علي المزيد من الحرية لحضور الحفلات الموسيقية، ولقاء المزيد من السيدات، وحضور الاجتماعات النسائية التي كانت تنظمها يوجين لوبورن، وهي سيدة فرنسية كانت متزوجة من سياسي مصري.
توطدت صداقة هدى شعراوي مع يوجين لوبورن، والتي قامت بدورها بتوجيهها وإلهامها لإحداث تغيير في حياة النساء. وبسبب ضغط الأسرة، عادت هدى شعراوي إلى زوجها وأنجبا معًا طفلان، صبي وصبية.
في مذكراتها “سنوات الحريم” التي نُشرت عام 1987، بعد أربعين عامًا من وفاتها ، روت هدى شعراوي عن نشأتها، وكيف كان شقيقها هو المفضل لدى العائلة كونه صبيًّا، وكيف كان لديه الكثير من الحريات التي حُرمت منها هى بسبب جنسها. كان مسموح له بمزاولة العديد من الأنشطة خارج أسوار القصر، والذهاب إلى المدرسة وتعلم مواد مدرسية أعتُبرت غير ضرورية للفتيات.
كتبت هدى شعراوي: “أصبت بالاكتئاب وأهملت دراستي، كرهت كوني فتاة لأنها حرمتني من التعليم الذى كنت أرغبه. لاحقًا، أصبح كوني أنثى حاجزًا بيني وبين الحرية التي كنت أتوق إليها.”

تجربتها المباشرة مع العزلة، والحبس داخل أسوار الحريم، وعدم المساواة بينها وبين شقيقها، وكبت آرائها ورغباتها، وتقييد تنقلاتها وعدم قدرتها على الخروج بحرية، والزواج في سن مبكرة، دفعها كل ذلك إلى النضال من أجل كسر القيود التي أبقت النساء سجينات في منازلهن.
لم تكن هدى شعراوي هى أول من طالب بحقوق المرأة، لكنها كانت أول من وضع هذه المطالب موضع التنفيذ. وبفضل جهودها، كان جيلها من النساء آخر من عاش فى الحبس؛ مع أنه عانى من التفريق بين الرجال والنساء، في بعض الأحيان تحت سقف بيت واحد.
اليوم، وبسبب الدعاية السلبية، اقتصر الكثيرون إنجازات حياتها في كونها خلعت الحجاب عام 1923 على الملأ، عند عودتها من المؤتمر الدولي للمرأة في روما. وبالرغم انه كان عملًا تحدت به الاعراف الثقافية والاجتماعية؛ إلا أنه ليس ذو أهمية كبيرة بالنسبة لها، فقد كان الحجاب آنذاك تقليدًا اجتماعيًّا أكثر منه التزامًا دينيًّا.


كرائدة وطنية، وناشطة في حقوق المرأة وصاحبة الكثير من الأنشطة الخيرية، وصلت إنجازاتها إلى ما هو أبعد من مجرد خلع الحجاب؛ ومع ذلك، لم يكن الطريق لتحقيق تلك الإنجازات سهلًا. لقد ناضلت في كل خطوة على الطريق، لم تحارب فقط ثقافة وتقاليد المجتمع الذكوري؛ ولكن تحدت أيضًا علماء الدين. كان التيار ضدها عاليا، لكن بإصرارها وقيادتها ، تحدت الوضع الاجتماعي الراهن وكسرت العديد من المحرمات المجتمعية.
استطاعت خلال حياتها تحقيق الكثير من المطالب التي نادت بها، وتحقق بعضها بعد وفاتها، وهناك العديد من المطالب الأخرى التي لا تزال النساء تناضل من أجلها حتى يومنا هذا.
من بين إنجازاتها ، أنشأت هدى شعراوي مبرة محمد علي، أول جمعية خيرية تديرها مصريات لتقديم الخدمات للنساء، والأطفال الفقراء، افتتحت مدرسة للبنات، وأنشأت الجمعية الفكرية للمرأة المصرية؛ لتحسين الحياة الفكرية والاجتماعية للمرأة. وفي عام 1919 ، نظمت وقادت أول مظاهرة نسائية ضد الاحتلال البريطاني، وبعد عام أصبحت رئيسة اللجنة المركزية للمرأة في حزب الوفد، وهي أول منظمة سياسية للمرأة المصرية.
في عام 1923 ، أسست هدى شعراوي الاتحاد النسائى المصري، وأصبحت رئيسة له حتى وفاتها فى عام 1947. كان هدف الاتحاد النسائي هو النضال من أجل حقوق المرأة السياسية والاجتماعية والقانونية. طالبت هدى شعراوي برفع الحد الأدنى لسن الزواج ، ووضع قيود على تعدد الزوجات، وإصدار قوانين طلاق أكثر صرامة للرجال. كما قامت بحملة من أجل قبول الفتيات فى التعليم العالي. وبحلول عام 1930، تم قبول الطالبات في الجامعات.

لم تكن هدى شعراوي مجرد رمزًا لتحرير المرأة المصرية، بل كانت هي من أشعل فتيل الحركات النسوية فى المنطقة العربية. في عام 1944 أسست الاتحاد النسائي العربي وأصبحت رئيسة له.
ولكن على الرغم من جهودها وعمرها الذى أفنته لتمكين المرأة، لم يكن لهدى شعراوي الحق فى التصويت الانتخابي، بالرغم من أنه أحد المطالب السياسية التي حاربت كثيرًا من اجله.
ولكن مع الجهود المتواصلة والدؤوبة التي بذلتها النساء الأخريات اللاتي سرن على خطاها ، مُنحت المرأة المصرية حق التصويت في عام 1954.

واجهت المرأة المصرية في العقود القليلة الماضية، ولا زالت تواجه العديد من القوى التي تعيق تقدمها. وفي الاحتفالية المئوية بتأسيس الاتحاد النسائي المصري، دعونا نتذكر ، ونكرم ، ونحيي إنجازات هدى شعراوي، من خلال مواصلة العمل؛ للمطالبة بالمزيد من الحقوق لتمكين المرأة. فما زال لدينا طريق طويل نقطعه لتحقيق التقدم والمساواة.
إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **