لمحة سريعة عن تاريخ النسوية في مصر الحديثة | كتبت رضوي حسني 

٣١ ديسمبر ٢٠٢٢
كتبت رضوي حسني

عام ٢٠٢٣ هو عام مميز فى تاريخ الحركة النسوية المصرية، فهو يوافق الاحتفال المئوي بتأسيس الاتحاد النسائى المصرى والذي أنشأته السيدة هدى شعراوي عام ١٩٢٣. وبهذه المناسبة دعونا نشاركم لمحة سريعة عن تاريخ النسوية في مصر الحديثة. لم يكن الطريق ممهدًا أمام المصريات في القرن الماضي لنيل أبسط حقوقهن؛ حيث جاءت النسوية المصرية على عدة مراحل استغرقت خلالها سنوات طويلة من النضال، والكفاح.

فكانت المرحلة الأولى بين أواخر القرن التاسع عشر، وحتى عام ١٩١٩، وهي الفترة التي كان يغلب عليها الطابع الوطني، وتميزت هذه المرحلة بزيادة الوعي القومي بين أفراد المجتمع. ولم تكن النسوية حينها منتشرة بين نساء المجتمع، فعلى عكس المتوقع كانت مقتصرة فقط على الطبقات المتوسطة والعليا، كما تميزت بعدم وجود تمثيل فعلي للمرأة في النشاط المجتمعي مقارنة بالمرحلة التالية، والتي كانت بين العامين ١٩١٩ و١٩٢٣.

وتميزت المرحلة الثانية (١٩١٩ — ١٩٢٣) ببدء انخراط النساء داخل المجتمع، فظهر نشاطهن السياسي والاقتصادي والاجتماعي، خصوصا ضد الاستعمار البريطاني. شاركت المصريات لأول مرة في ثورة ١٩١٩ احتجاجًا على نفي سعد زغلول باشا رئيس حزب الوفد، وفي عام ١٩٢٢ قامت الحركة النسوية في مصر بتشجيع المصريات على مقاطعة السلع، والمنتجات الاستهلاكية البريطانية باعتبارهن ربات البيوت، وصاحبات الشأن في ذلك، إضافة إلى قيامها بِحث المصريين على مقاطعة التعامل مع البنك البريطاني، واستبدال تعاملاتهم، واستثماراتهم مع بنك مصر.

أما المرحلة الثالثة فجاءت بين العامين ١٩٢٣، و١٩٣٩، وقد استهلت هدى شعراوي هذه المرحلة بتأسيس الاتحاد النسائي المصري عام ١٩٢٣، هدى شعراوي كان لها نشاط اجتماعي وسيأسى متميز في هذه الفترة حيث ترأست ايضا لجنة المرأة بحزب الوفد. اسست هدى شعراوي الاتحاد النسائي المصري بمجرد عودتها من روما بعد مشاركتها هي ونبوية موسى وسيزا نبراوي في مؤتمر نسائي دولي هناك.

واهتم الاتحاد النسائي المصري بالمطالبة بتغيير أوضاع المرأة داخل المجتمع، فنادى بالمساواة القانونية بين الرجل والمرأة، ونيل المرأة حقوقها في التعليم، والرعاية الصحية، كما حارب الفقر، والأمية، والإهمال الصحي، والانحلال الأخلاقي داخل المجتمع. وقد أثمرت جهود الاتحاد النسائي بإحداث تعديلات دستورية عام ١٩٢٤ غيرت من بعض أوضاع النساء في مصر كرفع سن زواج الفتيات إلى السادسة عشر عامًا؛ ومع ذلك لم تطرأ أي تعديلات تلغي تعدد الزوجات، أو تعطي المرأة الحق في الطلاق، وتجاهلت أيضا حقوقها في المشاركة السياسية.

وفي عام ١٩٣٥ ألقت هدى شعراوي خطابًا حماسيًّا بالجامعة الأمريكية في القاهرة دعت خلاله إلى تغيير أوضاع المرأة المصرية، وطالبت بإلغاء تعدد الزوجات، وقد أحدث ذلك الخطاب صدى مدويا في العالم العربي، وتصدر عناوين الصحف الرائدة آنذاك.

ومع تزايد مطالب المرأة المصرية بحقوقها الأساسية داخل المجتمع، كان هناك اعتراض تام من بعض الرجال على الاستجابة لتلك المطالب، في حين أن آخرين منهم شجعوا على الاستجابة لهذه المطالب في حالة ألا تنافي تقاليد المجتمع، وأن تعود بالنفع عليه.

وبين مؤيد ومعارض شهدت الحركة النسوية في مصر تراجعًا نسبيًّا إبان الحرب العالمية الثانية بسبب التدهور السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي حل بالبلاد حتى عادت النسوية بقوتها مرة أخرى مع بداية الأربعينيات في ثوبها الجديد الذي شمل جميع النساء من مختلف فئات المجتمع، ولم يقتصر فقط على الطبقات العليا والمتوسطة كحال المراحل الأولى من النسوية المصرية.

وخلال تلك المرحلة الجديدة ظهر جيل جديد من النساء الشابات من الفئات المختلفة كالطالبات، والعاملات. ووجد ذلك الجيل ضرورة ملحة في تحديث الفكر النسوي في مصر الذي كان يتمثل في مبادئ الاتحاد النسائي المصري، كما رأى ذلك الجيل أن حقوق المرأة تتجاوز بكثير حقها في التعليم فقط، فبات يطالب بحقوق أخرى غيره.

فظهرت أحزاب نسائية مصرية لكل منها رؤيته، ومطالبه الخاصة كالحزب النسائي المصري الذي تأسس على يد فاطمة نعمت راشد في عام ١٩٤٢، وراح يطالب بالمساواة بين الرجل والمرأة في حقوق التعليم، والتوظيف، والتمثيل السياسي؛ فيما طالبت جمعية بنت النيل – التي تأسست عام ١٩٤٨ بقيادة درية شفيق – بكافة الحقوق السياسية للمرأة حيث كان أولى أهدافها هو مشاركة المرأة في صنع القرارات السياسية، كذلك أطلقت برامج لمحو الأمية، وحملات لتحسين الخدمات الصحية بين أفراد الطبقة الفقيرة، ونادت بتعزيز حقوق الأمهات، ورعاية الأطفال.

في عام ١٩٥١ اقتحمت درية شفيق – رئيسة الجمعية – البرلمان المصري بصحبة ١٥٠٠ سيدة للمطالبة بكافة الحقوق السياسية للمرأة المصرية، وتعديل قانون الأحوال الشخصية، والمساواة في الأجور بين الجنسين. وفي عام ١٩٥٤ أضربت هي ومجموعة من النساء عن الطعام لمدة عشرة أيام احتجاجًا منهن على تشكيل لجنة دستورية دون السماح للسيدات بالمشاركة فيها.

وانتهى ذلك الإضراب بمنح درية شفيق وعدًا من الرئيس محمد نجيب أن الدستور المصري الجديد سيكفل للمرأة المصرية حقوقها السياسية في التصويت، والترشح في الانتخابات النيابية، وقد تحقق ذلك بالفعل عام ١٩٥٦ بصدور أول دستور مصري عقب ثورة ٢٣ يوليو، والذي منح لأول مرة في تاريخ مصر الحديثة المرأة الحق في المشاركة في الحياة السياسية.

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

أضف تعليق