هل أصبحت الحميمية في مجتمعنا وصمة عار؟ | سلمي محمود

١٠ يناير ٢٠٢٣
سلمي محمود

كم مرة شاهدت تعليقات مقتضبة، سيئة تركها عدد من الأشخاص على فيديو يُبرز مشهد حميمي بين زوج وزوجة أثناء التقاط صور زفافهم؟، كم مرة وجدت عدد من النظرات الحارقة تحاول التهامك بعدما اتكأت زوجتك برأسها على كتفك في لحظة سكينة ووهن بعد يوم شاق في العمل في إحدى المواصلات العامة؟، كم مرة سمعت بأذنيك عدد من التعليقات الجارحة و الأوصاف السيئة عن الرجل الذي يساعد زوجته في أعمال المنزل ويتعامل بديمقراطية فيما يخص قرارات حياتهما معًا؟، كم مرة أيضًا قرأت تعليقات جارحة على مشهد لطيف لعدد من الفتيات يحتفلن بطريقتهن في زفاف صديقتهن المقربة، كم مرة قرأت أو سمعت بأذنيك إحدى تلك الكلمات البغيضة كتعليق مقتضب من أحدهم على مشهد حميمي طبيعي ((ديوث/ عاهرة/ رجل تقوده امرأة/ امرأة تسوق زوجها/ مُتصنع/ ليس رجلًا بما يكفي/ امرأة سيئة السمعة/ أترضاها لأختك/ لا يخاف على زوجته من أعين الناس/ يُدلع أطفاله حد الفساد/ البنت هتمشي على حل شعرها/  …)) عذرًا على قسوة الألفاظ ولكنه الواقع بدون تجميل أو تزييف، بالتأكيد تكرر المشهد أمامك أكثر من مرة ووقفت صامتًا لا تدري ماذا حدث ولماذا تُقابل الحميمية بالوحشية؟

البعض في عالمنا العربي يرفض الحميمية بشدة، يمقتها، يحاول بشتى الطرق أن يُدمرها إما بجعلها لحظة سيئة لصاحبها أو ربطها بأوصاف وعبارات غير لائقة تقلل من رجولة الرجل وتُكره المرأة في أنوثتها. المُثير في الأمر إن نفس البشر الذين يمقتون الحميمية ولحظات الفرح والحب اللطيفة يهيمون عشقًا في الوحشية ولحظات العنف والقسوة، بل ويصفون الشخص القاسي بأوصاف الفحولة والرجولة وكأنها شيء يستحق التحية عليه!

فالقسوة غير المبررة والعنف ضد الأطفال حينما يخطئون صارت الطريقة المُثلى التي يجب أن يحتذى بها لتربيتهم وتقويمهم ((فكلنا تربينا بتلك الطريقة وصرنا ما نحن عليه الأن وهكذا سنربي أبنائنا أيضًا))، أما حسن المعاملة والمناقشة ((فهي دلع ماسخ وستُفسد الأطفال في المستقبل، فالذكر يجب أن يُربى بطريقة خشنة حتى يصبح رجلاً في المستقبل، أما البنت فاكسرلها ضلع يطلع لها عشرة!)).

العلاقات الناضجة السوية القائمة على المناقشة الصحية بين الأزواج، واحترام الآخر، وتقدير اختياراته وقراراته، ومساعدة الرجل لزوجته في أعمال المنزل وتربية الأطفال، وإظهار الحب على الدوام، لا تلقى ترحيبًا جيدًا من الأخرين بل يحاولون تدميرها بكافة الطرق؛ تارة من خلال إلقاء النِكات البذيئة والكلمات المحرجة والاستهزاء بالرجل الذي فقد رجولته وأطاع زوجته في أفعالها لحد إنها ((ركبت ودلدلت رجليها))، وتارة أخرى من خلال حث الزوج على تقويم زوجته بأكثر الطرق عُنفًا أو قسوة ((حتى لا تخرج عن طوعه))… لا عجب في أن أول نصيحة تُوجه للأزواج الرجال في بداية حياتهم رفقة زوجاتهم هي ((ادبحلها القطة من أول يوم)).

لذا فلا تتعجب من أن مشهد رجل يضرب زوجته في الشارع أمام الجميع هو مشهد يمر مرور الكرام ولا داعي لأن نتدخل في خصوصيتهم، بل وأحيانًا يتم التباهي به في مجتمع يُقدس عُنف الرجل تجاه زوجته ويعتبره رجلاً قويًا، بينما حينما يُظهر تقديره وحبه لها بأي شكل، هذا ما يُثير حنقهم وغضبهم بل ويتسابقون على التصدي سواء بالقول أو الفعل!!

حتى علاقات الأخوة لم تسلم من ألسنتهم الحارقة، فالجميع بالطبع يفضل نموذج الأخ الحازم الذي يُحيل حياة أخته لجحيم ويُكدر صفوها، يُعنفها، يحبسها داخل قمم مُظلم، يتدخل في كل كبيرة وصغيرة، وعند حدوث الكارثة يبقى الأمر بينهما ولا يجب أن نتدخل في علاقة الأخ بأخته.. عجبًا الأن تذكروا الخصوصية!، أما المظاهر الاحتفالية بين الأصدقاء (كل بطريقته) فحدث ولا حرج بالطبع صارت مُدعاه للسخرية وتبادل التعليقات المؤسفة!

النتيجة الأن أصبحت مؤسفة، شيئًا فشيئًا أصبح البعض يخشى إظهار حميميته أمام الآخرين، يخشى أن تُوجه ألسنتهم الحارقة تجاهه ويتم نعته بأفظع الألفاظ والأوصاف فقط لأنه تعامل بأدميته وأظهر شيئًا حميمًيا تجاه شخص يهمه أمره، لذا إما يحاول البعض تعمد عدم إظهار أي مظهر حميمي أمام الأخرين وتكون النتيجة هي التعود على بغض الحميمية رويدًا رويدًا ويُصبح الجفاء هو سيد الموقف في تلك العلاقات أو يتحول البعض الأخر إلى النقيض كرهًا في نتائج الحميمية، مثل أن ينهر زوجته باستمرار أمام الجميع أو يتعامل بقسوة مع أطفاله أو تنسى هي كيف تفرح بحُب رفقة صديقاتها ..كل هذا في سبيل التخلص من وصم الحميمية والحصول على صك الجفاء!   

دارت في ذهني عِدة تساؤلات عن السبب: 

هل هي العادات والتقاليد التي مهما حاولنا التنصل منها ومحاربتها صارت تقهرنا وتُقيدنا أكثر وأكثر؟

 هل هي نيران الغيرة التي تشتعل في قلب كل مَن لم يحظى بلحظة حميمية مماثلة فيحاول تدميرها على الأخرين؟

 هل هو ما تربى عليه البعض لسنوات وسنوات حتى أصبح قانونًا ونصًا صريحًا لا يُمكنهم الحياد عنه؟

هل يحدث هذا بسبب صعوبة تقبلنا لتصرفات الأخر المختلفة عنا؟

هل هو اختلاف الطبقات الاجتماعية التي تُجرم بعض الأفعال بينما تُبيح الأخرى؟

هل يحدث هذا بسبب أننا بحاجة لتغيير بعض مفاهيمنا الخاطئة التي نمت وترعرعت بداخلنا حتى أصبح من الصعب تغييرها؟

هل نكره مظاهر الفرح والحميمة في مجتمعنا؟

 أم كل هذا؟

أعتقد إنه بنظرة أعمق يمكننا الوصول إلى ما آلت إليه تصرفات البعض الآن، فبداية من التربية الخاطئة التي يُربى بها الأطفال منذ نعومة أظافرهم وخاصة الذكور منهم من التعود على إخفاء مشاعرهم الجيدة والسيئة، لا يبكي لأنه رجل، لا يستمع للأخرين حتى يشتد عوده، يقود العلاقة دون أي مناقشة أو تبادل الآراء مع شريكته لأنه وحده رُبان تلك السفينة، لا يُبرز مشاعره الحميمة حتى لا يتم وصمه بوصمة ((حميمة الرجل)) التي تحمل في ذيلها العديد والعديد من المعاني السيئة.

يفتقد المرء الحميمية في حياة يُسيطر عليها القسوة والجفاء، يعيش حياة خالية من المشاعر والحُب، و يعتاد المرء على نمط الحياة هذا، يقدسه، يورثه لأطفاله، يُحارب الآخرين بضراوة ليحظوا بنفس مصيره، ويبدأ في استعراض عضلاته تجاههم حينما يراهم يمارسون ما لم يعتد هو على تقبله، خاصة مع الانفتاح المجتمعي الذي فتح الطريق لرؤية نماذج كثيرة تمارس حياتها بصورة مختلفة عما اعتدنا عليه، وليس الجميع أسوياء بما فيه الكفاية لكي يُديرون ظهورهم عما لا يتوافق مع معتقداتهم أو ممارسة الحياة بالطريقة التي اعتادوا عليها،

بينما على الجهة الأخرى تتعامل النساء بنفس الطريقة بعد اعتيادها النظر للأشياء من نفس المنظور الخاطئ، تتمنى أن تحظى بنفس الحميمية المنشودة لكنها لا تعرف لها طريقًا، أو لم تعتد تقبلها و تحاول تخريبها على الآخرين حتى يصبح الجميع متساوو في جفاء المشاعر، لتبقى هكذا تتقبل ما لا يُفترض أن تتقبل وتعارض ما يُفترض أن تسعد برؤيته!

ترى هل سنتخلص من وصمة الحميمية يومًا ما؟

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

أضف تعليق