اللون البنفسجي| أنا فقيرة، سمراء، وقبيحة؛ لكن حرة!

٢٤ يناير ٢٠٢٣
كتبت رضوي حسني

تنبيه | المقال يكشف قصة وحبكة الفيلم 

على مدار ما يقرب من الأربعين عامًا من حياة سيلي، يسرد لنا فيلم اللون البنفسجي The Color Purple قصة حياتها، ويسرد لنا كيف أثر الآخرون عليها، وعلى تحولها من طفلة مثقلة بالهموم، ولا ترى السعادة إلا في الحياة الأخرى بعد الموت إلى امرأة ناضجة قوية تبصر اللون البنفسجي من حولها في كل مكان، وتصرخ بأعلى صوتها، وتقول: أنا فقيرة، سمراء، وقبيحة؛ لكن حمدًا لله لست هنا!، في إشارة منها إلى نجاتها من الشقاء الذي عاشته لسنوات طويلة.

والفيلم المأخوذ عن رواية  تحمل الاسم نفسه للكاتبة أليس ووكر الأمريكية من أصل أفريقي يتناول فكرة العنصرية الممارسة ضد أصحاب البشرة الملونة، ويطرح في طيات مشاهده قضايا حرجة تهم النساء الأمريكيات من أصل أفريقي، مرة لأنهن من ذوات البشرة الملونة، ومرة أخرى لأنهن سيدات يقع عليهن صور أخرى من العنف: كالاغتصاب، العنف الجسدي، التحرش، زواج القاصرات، الزواج القسري، الوصم المجتمعي، الخيانة الزوجية، التنمر وغيرها.

وتدور أحداث الفيلم بين العامين ١٩٠٩ عندما كانت سيلي لا تزال في الرابعة عشر من عمرها، وعام ١٩٣٧ أي بعد بلوغها الأربعين عامًا.

وخلال أحداث الفيلم نرى علاقة سيلي بالأشخاص المحيطين بها، وإلى أي مدى تتأثر بهم، وتؤثر فيهم.

والبداية مع شقيقتها الصغرى ناتي التي تحبها بلا شروط، ولا حدود. فهي أولى الشخصيات الداعمة لها منذ صغرهما، ومن تستمد منها سيلي الحب في الصغر، والقوة في الكبر بعدما تصبح امرأة أربعينية. ويظهر ذلك بوضوح في لعبهما، وعناقهما، وأحاديثهما، وخطابات ناتي التي تبث بها القوة، والأمل في روح سيلي.

ومن شدة حب ناتي لسيلي تقرر الذهاب إلى المدرسة لتتلقى دروسًا في القراءة، والكتابة، وتعلمها لسيلي التي لا تستطيع الحصول على نفس الحق في التعليم؛ لزواجها من رجل مستبد.

وهناك والدهما ذلك الشخص الذي يتسم بكل الصفات التي تناقض مفهوم الأبوة، فهو رجل قاس، عنيف، متحرش، ومغتصب أيضًا. حيث يعتدي على سيلي، وتنجب منه ابنها آدم، وابنتها أوليڤيا، ولم يكتف بذلك فقط بل يبيع الطفلين عقب ولادتهما مباشرة، ويهدد سيلي، وناتي بقتل والدتهما إذا أخبرتها احداهما بأنه المغتصب. حتى أنه يجبر سيلي على الزواج من السيد ألبرت چونسون وهي لا تزال بعد طفلة صغيرة. ورغم أن السيد يتقدم لخطبة ناتي وليست سيلي، لكن الأب المتحرش يقرر إعطاءه سيلي مقابل أن تبقى ناتي معه ليحاول أن يكرر نفس جريمته مرة أخرى معها قبل أن تنجح في الهرب منه. ولكي يقنع الأب السيد ألبرت بقبول الزواج من سيلي يستخدم مبدأ التسليع الجسدي  بأن يطلب من سيلي أن تدور حول نفسها لتستعرض جسدها أمامه؛ ليوافق السيد أخيرا على مضض رغم عدم رضاه عن كون سيلي غير عذراء، وسبق لها الحمل، والولادة من قبل.

أما السيد ألبرت فهو رجل أرمل لديه ولد، وابنتين، ورغم كون سيلي زوجة له؛ إلا أنها تسبق أطفاله في العمر بسنين قليلة.

كما أن ألبرت رجل ضعيف الشخصية أمام والده، يعشق فتاة من بلدته تدعى شوغ أفيري، تركته منذ زمن، واحترفت الغناء بعدما تخلى عنها بضعفه، ولم يستطع الدفاع عن حبهما أمام والده. 

وعلاقة سيلي بالسيد ألبرت معقدة إلى حد كبير؛ فهي تلعب في حياته الدور الأهم حيث يعتمد عليها في أصغر الأمور، وأكبرها، تفهمه قبل أن يتفوه بكلمة، وبدونها هو ضائع، ومشتت؛ ومع ذلك فهو لم يحبها يومًا، ولا يكف عن تعنيفها، بل ويخونها مع عشيقته على مرأى، ومسمع منها، وكذلك هي لم تجرأ أن تناديه إلا بالسيد، ولم تحاول مطلقًا نطق اسمه “ألبرت” إلا ربما مرة واحدة، أو اثنتين كحد أقصى عندما كانت تهمس لنفسها بتعجب بعدما سمعت حبيبته شوغ، وهي تناديه بدون أي ألقاب.

فسيلي في حياة السيد مجرد خادمة، ومربية لأطفاله المشاغبين في الصباح، وأداة للمتعة الجنسية في المساء. 

ولا يختلف السيد ألبرت كثيرًا عن والد سيلي، فيحاول أيضا أن يعتدِ على ناتي بعدما تهرب من والدها، وتأتي للعيش مع سيلي غير أنها تنجح في ضربه والهرب منه. ليكون عقابها منه قاسيا إذ يطردها خارج مزرعته، ويباعد بينها وبين سيلي رغم توسلاتهما له، وصراخهما، وبكائهما الشديد، وصياح ناتي بلماذا .. لماذا .. لماذا؟ وكأنها تسأل باستنكار لماذا كل ذلك يحدث معها هي وشقيقتها، لماذا ليس من حقهما أن يعيشا بكنف بعضهما البعض حياة سوية مليئة بالحب، والرحمة كحق أي طفل وجد في هذا العالم.

وبالفعل ينجح السيد في طرد ناتي من المزرعة بعد أن توعد شقيقتها سيلي بكتابة الرسائل لها مهما كلفها الأمر، وأنه لن يمنعها عن ذلك سوى الموت.

وهناك أيضًا صوفيا ( زوجة هابو بن السيد ألبرت) تلك المرأة القوية التي تؤمن بأحقيتها في العيش بحرية دون الخضوع لمظاهر العنف على يد الرجال، والعنصرية على يد المجتمع الأمريكي آنذاك.

ونظرًا لأنها تعامل زوجها بطريقة مغايرة عما يعتاده المجتمع، فلا تخاف منه، أو تحمّل نفسها الكثير من المسؤوليات مقابل راحته؛ بل تعامله بندية، وتطبق بينهما مبدأ الشراكة في الحياة الزوجية؛ لا يعجب ذلك حماها، السيد ألبرت، فيحث ابنه على ضرب صوفيا، والغريب حينها أن هابو لما سأل سيلي عن كيفية التعامل مع زوجته أخبرته بالشئ نفسه وهو ضربها.

لتتفاجئ سيلي بصوفيا وهي تعاتبها على ما قالته لهابو، وتخبرها بأنها عاشت تكافح العنف على يد أبيها، وأشقائها ولن تسمح به أبدًا أن يحدث معها على يد زوجها حتى لو كانت تحبه.

في حقيقة الأمر سيلي لا تعي أبعاد نصيحتها، فهي فقط تنقل خبرتها مما عاشته. فمن واقع معاملة والدها، والسيد ألبرت لها باتت ترى في التعنيف وسيلة لإخضاع أي امرأة أمام الرجل سواء كان زوجها، والدها، أو حتى شقيقها.

ورغم أن صوفيا تتحلى بكل هذه القوة، والجبروت إلا أنها لا تفلح في أن تدفع عن نفسها الظلم، والقهر المجتمعي. 

فعقابًا لها على إيمانها بحريتها كامرأة من أصحاب البشرة الملونة يتم سجنها لمدة ثمانية أعوام تتعرض فيها للعنف؛ لتخرج بعدها امرأة ضعيفة عاجزة بدنيًّا، ونفسيًّا لا تقوى على استرداد حقها، وهنا تلعب سيلي دورًا إيجابيًّا في حياة صوفيا رغم بساطته إلا أنه يظهر مدى الخير الذي تحمله سيلي للآخرين.

وأخيرًا شوغ أفيري المرأة الجميلة، وحبيبة السيد ألبرت، التي تحارب تقاليد المجتمع المحافظ آنذاك، باحثة عن شغفها بالغناء، والموسيقى حتى تصبح مطربة مشهورة؛ ولكن في المقابل تخسر علاقتها بوالدها رجل الدين، وتُحرم من رؤية طفلها الوحيد؛ بل وتصبح ضحية للوصم المجتمعي على يد والد السيد ألبرت، وغيره.

ورغم أن علاقتها بسيلي لا تكون بأفضل حال بادئ الأمر إذ تسخر من سيلي، وتصف ملامح وجهها بالقبيحة؛ بل وتنام مع زوجها باعتبارها حبيبته، والشخص الوحيد القادر على إهانته، واستغلال نقاط ضعفه إلا أن سيلي بكل الحب التي تحمله بداخلها تجاه الآخرين تساند شوغ خلال فترة مرضها، وتعافيها، بل وتنجح في إظهار الجمال داخل شوغ.

وكرد للجميل تهدي شوغ أغنيتها الجديدة لسيلي، وتحاول أن تساعدها على حب نفسها، وتقبل جمالها الخاص، وأن تستكشف الأنثى التي بداخلها حيث أن سيلي تخجل من إظهار ابتسامتها أمام الناس لأن والدها كان ينعتها بصاحبة الابتسامة الأقبح في العالم، كما أنها طيلة فترة زواجها من السيد ألبرت لم تشعر معه بأنها أنثى، أو شخص يستحق الحب، والاحتواء حتى أنها تؤمن بأن السعادة لا تأتي إلا بعد الموت.

شوغ أيضًا تساعد سيلي على أن تجد خطابات شقيقتها ناتي التي قد أخفاها عنها السيد ألبرت طوال تلك السنوات، وتساندها في قرارها بأن تضع حدًا لعلاقتها معه، وأن تنهِ هذا الزواج، وتذهب للبحث عن شقيقتها وابنيها آدم، وأوليڤيا.

ومع أن شوغ تمنح الدعم لسيلي؛ فلولا خطابات ناتي، وما تحمله من أسرار، وحكايات ما كانت سيلي تستطيع أن تقف أمام ألبرت، ووالده، وأبنائه للمرة الأولى منذ انضمامها إلى هذه العائلة، وتمضي في طريق آخر ربما مجهول الخطوات؛ لكن معلوم النهاية، والتي هي أفضل كثيرًا من نهايتها إذا استمرت في حياتها السابقة.

وتنتهي أحداث الفيلم بعودة ناتي إلى سيلي، ومعها آدم، وأوليڤيا؛ ولكن هذه المرة سيلي ليست تلك الفتاة الضعيفة بل تلك المرأة القوية التي عاصرت خلال أربعة عقود من عمرها مِحَن منحتها قدر كبير من الحكمة، والثقة، والحب لنفسها، وللآخرين.

ومما يميز الفيلم أن أولى مشاهده تبدأ بلعب سيلي وناتي بين الورود البنفسجية بأحد الحقول، وكذلك آخر مشاهده تنتهي بالأمر ذاته؛ ولكن الفرق بين المشهدين هو مراحل تطور حياة سيلي من التعرض للعنف، والإحساس بالضعف، واليأس إلى الشعور بالقوة، والرغبة في عدم الاستسلام، وشدة الإيمان بحقها في أن تحيَ بسعادة. ويرمز اللون البنفسجي في الفيلم إلى تحول شخصية سيلي إلى القوة، والحكمة، وقدرتها على اكتشاف الجمال في نفسها، وفيمن حولها، وكذلك يرمز إلى السلام الذي يغلف حياتها الجديدة بصحبة عائلتها الصغيرة، وأصدقائها الداعمين لها.

وما يحسب للفيلم أيضًا أنه بخلاف الكثير من الأفلام الأخرى، لا تحتاج المرأة هنا إلى الرجل لكي يأخذ بيدها نحو حريتها، واستعادة حقوقها؛ وإنما تطالب بها هي بنفسها، وتنتزعها بالقوة التي قد تكلفها إما سنين عمرها كسيلي، أو ثمن حريتها كصوفيا، أو النبذ من المجتمع المحافظ كشوغ.

أُنتج فيلم اللون البنفسجي (The Color Purple) عام ١٩٨٥، وهو من ﺇﺧﺮاﺝ: ستيفن سبيلبرج، ومن بطولة: ووبي جولدبيرج، وداني جلوفر، ومارجريت أفيري، وأوبرا وينفري.

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

أضف تعليق