الحالة الاجتماعية: مُطلّقة

يناير ٢٧ ٢٠٢٣
جيهان راضي

حينما سُئِلت السندريلا سعاد حسني بِمَ تحب أن يصفها الناس، أجابت أنها تحب أن يُخبِر عنها الناس أنها “كُمّل، ست كُمّل” وكانت تعني “امرأة عاقلة مُكتملة النضج والحِكمة والعقل”، وحينما سُئِلت سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة نفس السؤال، أجابت أنها تحب أن يصِفها الناس أنها “طيبة القلب”، ولئِن سألت أية امرأة هذا السؤال لربما تعددت الإجابات ما بين الجمال؛ الحِكمة؛ الثقافة؛ الأنوثة والرُقي، أمّا عني فإنني أُفضِّل أن يصفني الناس بأنني امرأة “صادقة”، والأمر ليس بسيطًا كما يبدو، أن تكون صادقًا؛ لستَ زائفًا في عالم مليء بالصناعات التجميلية البلاستيكية، لهو أحد الأمور صعوبة، أن تكون صادقًا لست مُدعيًا في مجتمع يُقدِس الصور الزائفة؛ يحترم الخطيئة طالما باتت مستترة، ويحترم الكذبة طالما تنقذ الشرف، ويُبجِّل الأقنعة ويقف مشدوهًا أمام الوعود الزائفة الزائلة؛ مجتمع يبغِض الحب وصوره وأشكاله؛ مجتمع يغفر للزوج أن يصفع زوجته أمام أعين المارة، ولا يغفر له أن يمنحها قبلة حب أو يضمها شوقًا، مجتمع يغفر للشاب أن يقتل فتاة بريئة لأنها رفضته ولا يغفر للبنت أن تقول لا، مجتمع يغفر للمُتحرِش ويُخرِس لسان الضحية،أن تكون صادقًا تُعبِّر عن آرائك بكل شفافية تعكس قناعاتك الداخلية ومبادئك وآراءك في الحياة دون أن تخشى الرفض أو النبذ أو الإساءة، لهو أشد الصفات صعوبة وأقصى الآمال طموحًا.

 منذ عام تقريبًا قررتُ أن أُحدِّث بيانات بطاقتي الشخصية في قطاع الأحوال المدنية، جاء القرار اضطرارًا لأنها كانت قد تعدّت فترة صلاحيتها بما يفوق الأربع أشهر، ولاحتياجي لبطاقة سارية لأمور بنكية وآخرى تتعلق بالجامعة، وبعد أن عِشت ما يزيد عن العامين متزوجة أمام الناس في البِطاقة رغم انفصالي، إلا أنني أخيرًا قررت أن أتخذ الخطوة وأجعلها صريحة أمام أعين الناس؛ مُطلًّقة، الأمر ليس أنني لا أُحبّذ الكلمة وكأنها تًصيبني بالحساسية أو تُسبِّب لي الحرج، بل على النقيض؛ أذكر أنني ليلة انفصالي وعقِب عودتي من جلسة المأذون مباشرةً، قمتُ بتغيير حالتي الاجتماعية على مواقع التواصل الاجتماعي من متزوجة إلى مُطلَّقة، وكنتُ قد هيأت نفسي لوابل من الرسائل التي حتمًا ستنهال عليّ تسألني لماذا اتخذت قرارًا هكذا، أو لتطمئن عليّ، بجانب بعض التعليقات التي ربما تترك لي كلمات المواساة من قبيل؛ ربنا يعوض عليكِ، أو لا حوال ولا قوة إلا بالله، ولأشد ما أدهشني من الرسائل التي تلقيتها حينها هي رسالة من صديقة فيسبوكية لم ألتقيها على أرض الواقِع قط، لم نتراسل من قبل، فقط أُتابع محتواها الذي أحب ونكتب لبعضنا البعض من حينٍ لآخر بعض التعليقات المُحبة حفاظًا على رباط مودة إليكتروني في عالم افتراضي استطعنا أن نخلق فيه مودة حقيقية، ورغم أنها تكبرني بما يقرب العشر سنوات، وربما أكثر، إلا أنها أخبرتني باختصار في رسالتها _الأولى_ لي كم هي فخورة بالخطوة التي أقدمتُ عليها، فخورة بشجاعتي أمام نفسي بأن أنفصل وأنا في العشرينات بينما هي تعدت الأربعين ولا تجرؤ أن تتخذ تلك الخطوة بعد، وفخورة لجرأتي لأنني حينما اتخذت تلك الخطوة، لم أُخفِها عن المجتمع، بل أعلنتها صريحة ومنذ اليوم الأول، ازداد حبي لها وازدادت قناعتي أنني ربما قد اتخذت قرارًا صائبًا.

الاتساق الذاتي هو أن تتسق أفعالك مع قناعاتك الشخصية وآراءك في الحياة، أن تكون أفعالك مرآة صادقة لِمَا يدور بذهنك، ولِمَا تريد التعبير عنه، لكن يبدو أن الأمر صعبًا، ليس بتلك السهولة، أجد أنني في بعض الأحيان أُخفي بعض الآراء، لا أُصرِّح بها، بل إنني إن واتتني الفرصة وأقدمت في لحظة شجاعة على أن أكتب منشور خاص بي على مواقع التواصل الاجتماعي؛ أُسارِع بحذفه أو إخفاؤه بعد قليل، أخاف أحكام الناس، وأعترف أنني أخشاها، وربما أقنع نفسي أنني لست جبانة، أنا فقط أرغب في أن أحيا بسلام وهدوء، فلِمَ أكتب ما يُمكِن أن يجلب لي الصخِب والمتاعِب، أتساءَل أحيانًا في نفسي: “هل هذا جُبن أم حكمة؟”، وأُحاول أن أقنع ذاتي أنها منتهى الحكمة، وعند تغيير بطاقة هُويتي؛ تطلعتُ إلى خانة الحالة الاجتماعية في الخلف فوجدتها فارغة، فنظرتُ للموظف في احتجاج أُخبره أن البطاقة لم تتحدّث بشكلٍ صحيح فطلب مني الموظف أن أذهب للتحدث إليه في مكتبه بدلًا من الحديث من خلف نافذة السِجل المدني وكأنه يرغب في أن يُخبرني سرًا بعيدًا عن أعين ومسامِع المُواطنين، وحينما وصلت مكتبه، أخبرني في صوتٍ هاديء أنه حِفاظًا على مشاعر المرأة لم يعد يُذكَر الحالة الاجتماعية في البطاقة الشخصية، فإن كانت المرأة انفصلت، تُترَك البطاقة فارغة وهذا بين موظفي الهيئات الحكومية إشارة واضحة لأنها مُطلقة وذلك لصعوبة تأثير اللفظ على مسامع المرأة، ابتسمت له وشكرته و ودتُ لو أخبرته: “العُقبى لخانة الديانة”، لكنني احتفظتُ برأيي لنفسي عملًا بقراري النابع عن حِكمة أو جُبن، لا يهم، المهم أنني شعرت براحة خفية وأنا أتطلَّع للبطاقة ولم أدرِ ما سر تلك الراحة، أصادقة أنا أمام الناس أم زائفة؟ لا أدري، ربما يومًا ما أستطيع أن أعرف. 

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

أضف تعليق