الباندا الأحمر الكبير | أول فيلم من إنتاج ديزني عن مشاعر المراهقات بعد البلوغ

٢٢ فبراير ٢٠٢٣
كتبت سلمي محمود

منذ سنوات لم تتخل «ديزني» عن تيمة قصص الأميرات الجميلات اللواتي يبحثنّ دومًا عن أميرهنّ الوسيم المفقود حتى يُخلصهنّ من عقدة أو مشكلة ما تُكدر حياتهن، ما بين معاملة زوجة الأب السيئة «كسندريلا»، أو الموت بواسطة تفاحة سامة «كسنووايت» أو حتى الخوف من فقدان الصوت الجميل للأبد «كآريل» .. يأتي الأمير الوسيم، يحل العقدة، ثم يحمل الأميرة على حصانه الأبيض ذو الشعر الطويل الجذاب ويذهب بها بعيدًا نحو عالم الخيالات الساحرة ليُسدل الستار مُعلنًا نهاية سعيدة نمطية أخرى..

مؤخرًا تغير الوضع قليلاً، لم يعد الأمير الوسيم هو مفتاح حل العقدة، إنما صارت البطلة تحل عقدتها بنفسها، لم تعد أيضًا أميرة ديزني هي الفتاة الجميلة مرهفة الحس وشديدة المثالية، إنما صارت فتاة عادية مثلنا، تحمل أعباء حياتها بنفسها، لديها نفس المشكلات التي نخشى مواجهتها لكننا نضطر في النهاية إلى القتال لأجل حلها بأنفسنا دون الحاجة إلى انتظار الأمير الوسيم أو الساحرة الطيبة..

مؤخرًا عُرض فيلم جديد من إنتاج ديزني يُدعى «Turning Red» يحمل نفس التيمة التي تُلقي الضوء على المشاكل الواقعية «للفتيات العاديات» من خلال مراهقة كندية من أصول صينية صغيرة السن تختبر لأول مرة مشاعر المراهقات بعد «البلوغ» بكل ما تحمله تلك الفترة من اضطرابات وتقلبات مزاجية كان من غير المسموح الحديث عنها لفترات طويلة لكونها «عيب وميصحش»

الفيلم تم عرضه عام 2020 من إنتاج بيكسار وتوزيع والت ديزني، إخراج دوم شي، وكتابة شي وجوليا تشو، وقد أثار الجدل وفور عرضه لحد وصلت عِدة مطالب بمنع عرضه لـ”احتوائه إيحاءات عن البلوغ”.

الباندا الحمراء .. بطل البلوغ!

«باندا ضخمة حمراء اللون» هكذا عبر صناع الفيلم عن مشاعر الإناث في تلك المرحلة، تظهر الباندا حينما تفشل الفتاة الصغيرة في كبح جموح مشاعرها سواء الإيجابية مثل الحماس الشديد لمشاهدة فرقتها الموسيقية المفضلة أو اختبار شعور الحب لأول مرة مع بائع المتجر أو المشاعر السيئة الأخرى مثل الغضب والتذمر المرافق لفترة المراهقة، بينما تختفي وتحل محلها هيئة الفتاة الطبيعية حينما تكون الأمور «تحت السيطرة» .. المُثير إن تلك الباندا كانت مصاحبة لكل نساء العائلة من قبلها أيضاً بعضهن حاول السيطرة عليها وقمعها داخل «قمقم»، والبعض الآخر قرر إطلاق صراحها والسماح لها بالخروج وقتما شاءت .. وأعني بالبعض هنا الفتاة الصغيرة وحدها..

جميعنا نمتلك تلك الباندا بداخلنا.. وخارجنا أيضاً!

ما هي علامات البلوغ؟ بعض التغيرات الجسدية التي تتشارك بها معظم الإناث في تلك المرحلة مثل استدارة الثديين وظهور الشعر الزائد وتغير الصوت قليلاً وغيره .. أما التغيرات الشخصية فربما تختلف من أنثى لأخرى بعضهن لمسنّ بريق الحب لأول مرة والبعض الآخر أصبنّ بداء «المشاعر» ما بين الحزن العميق والفرح الصارخ، الأكل بشراهة أو فقدان الشهية برمتها، أحلام اليقظة ورمادية الواقع، الغوص في بحر الأوهام أو الطفو على سطح الواقعية .. يمكن القول إن جميعنا نمتلك الباندا خاصتنا باختلاف شكلها وتأثيرها علينا … أما «باندا المجتمع أو الجميع من حولنا» فيمكن القول إنها باندا قميئة الشكل، مُرعبة الهيئة تظهر على الجميع من حولك لتُحول كل مشاعرهم نحوك من النقيض للنقيض، الجميع يتحول إلى باندا حمراء مفترسة تخرج من داخلك لتلبس وجوههم ..  إما أن تسيري على نفس مسار من سبقوكِ الذي والا عليكِ أن تواجهين الباندا الصارمة بداخلهنّ، كل هذا فقط لمجرد نزول بضع قطرات من الدماء في سروالك الداخلي!

باندا الأمهات والمجتمع .. تفترسك يوميًا

كما حدث في الفيلم ويحدث في الواقع! .. تحولت نظرة الأم للفتاة من النقيض لـ النقيض الأخر فقط لأنها في نظرها لم تعد نفس الطفلة ذاتها، كانت تراقبها في البداية ثم بدأت بفرض سياج عالٍ عليها رفقة نساء العائلة من الجدة والأخوات وبعد ذلك استمرت بإحراجها في مناسبات مختلفة وعندما خرجت «الباندا خاصتها»رغمًا عنها عاتبتها ثم هددتها وأجبرتها على كبح جماح «الباندا خاصتها» والسير على طوعها وإلا ستضطر لمواجهة الباندا الصارمة بداخلها .. لكنها لم تستجب!

في الواقع هذا ما يحدث أيضًا، فقطرات الدماء تلك يمكنها أن تحول توصيفك في بطاقة هويتها من طفلة إلى آنسة  حتى وإن كان عمرك لم يتجاوز الـثانية عشر بعد، لا مزيد من اللعب في الخارج رفقة أطفال الحي فالآنسات لا يلعبنٌ الكرة خشية تعرضهنّ لأي مكروه، لا مزيد من ارتداء الملابس الطفولية حان وقت ارتداء الملابس التي تُبرز أنوثتك وجمالك، البعض حُرمن من رياضتهن المفضلة بحجة الخوف عليهن من ناحية ومن ناحية لكون الرياضة لم تعد تناسب الطفلة التي أصبحت «أنسة» بين ليلة وضُحاها، البعض الآخر شُنت ضدهنّ حرب شرسة ووضعت عليهنّ حراسة مُشددة على هواتفهنّ وحساباتهنّ الإلكترونية وجلساتهنّ مع الصديقات وحوارتهنّ الطفولية مع صبيان الحي، عليك  كتمان مشاعرك والآلام التي تُعانين منها في تلك الفترة، تضعين طرف سرواك بداخل فمك وتكتمين كل شيء بداخلك عن الآخرين، بينما تخترعين ألف حجة وحجة إن كشف آلامك أحدهم «فالآلام البطن .. مغص، التغييرات الهرمونية .. دلع بنات، الأكل بشراهة .. نفسي مفتوحة، فقدان الشهية .. مليش نفس، الخمول الشديد .. مجرد كسل ..»

ولا يخفى عليك الألعاب السحرية التي يجب عليكِ فهمها جيدًا لأنها أصبحت جزءًا لا يتجزأ من تلك المرحلة «التسلل خارجًا دون أن يلمحك أي شخص إن لطخت الدماء سروالك رغمًا عنك، تغيير أغطية السرير إن استيقظت فجأة ووجدت الدماء تفترش كل شبر من حولك دون أن يراك أحد، ابتلاع لقمة أو ارتشاف قطرات من العصير بسرعة قصوى في أوقات الصيام حتى لا تؤذي مشاعر الصائمين من حولك، ولا تنسي أيضاً قاموس «الدورة الشهرية» فنحن لا نتحدث عنها باسمها المُطلق هكذا إنما يجب أن نخترع لها ألف اسم وصفة مُبهمة مثل «العادة .. ست الحجة .. البتاعة ..» حتى لا ننطق الكلمة المحرمة أمام الجميع… كل شيء يتغير مع قطرات الدم تلك!

هل أخفيت الباندا خاصتك؟

نجحت الطفلة في نهاية الفيلم باقناع الأم وبقية نساء العائلة بأن ما تمر به هو شعور طبيعي بل وجعلتهن يُطلقن العنان الأنفسهن أيضًا ويحررن تلك الباندا الكامنة بداخلهن، أما في الواقع فمازالنا نجاهد حتى نُوضح للجميع ما تمر به أجسادنا، حتى نُخبرهن أن ما يحدث طبيعي ولا داعي لإخفاؤه أو الحرج منه أو أن تعبث أعينهم بنا فور ظهور عرض (بالصدفة) علينا بعدما جاهدنا لإخفاؤه، مازالنا حتى اليوم نخشى ذكر ظاهرة طبيعية باسمها المُعتاد دون أن نجملها أو نمنحها لقب جديد لا يعلم الجميع عنه الكثير، نجاهد لإخفاء الآلام ونطوي الأعراض تحت المسكنات وأوعية المياة الدافئة، لا نستطيع الاستشارة أو المناقشة حتى لا يشعرنا منا حولنا بالإحراج أو يرمقوننا بنظرة تجعلنا نخجل من أنفسنا وكأننا مُذنبات .. مازالت كل باندا بداخلنا تتمنى التحرير ولكنها لا تعلم الطريق..

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

أضف تعليق