لماذا قررت أن أكون نسوية | جيهان راضي

٢ مارس ٢٠٢٣
جيهان راضي

قبل البدء في استرسال الأسباب التي دفعتني لأختار أن أكون نسوية، دعني أولًا أن أوضِح ما المقصود بالنسوية. النسوية هي امرأة انتهجت المذهب النسوي، والذي هو نِتاج مجموعة من الحركات الاجتماعية والسياسية و الأيديولجية واللاتي تنادي بالمساواة بين الجنسين، بدايةً من حق المرأة السياسي في التصويت مرورًا بحقها في الحصول على أجور مُتساوية وحقها في التعليم، وصولًا إلى رفض القوالب النمطية التي تُصوِّرها المجتمعات الأبوية.

ولكن هل دور المرأة أن تنصب نفسها محاميًا عن حقوق امرأة مثلها؟ أليس الأجدر هو أن تكون إنسانية؟ أن تهتم بحقوق الإنسان في كل مكان سواء كان رجل أو امرأة، أن تبالي بأمر الأقليات والمُستضعفين؟ بالطبع هذا سؤال يطرح نفسه، بل ولاحظت ترديده مؤخرًا من بعض النساء؛ يتهمن النسويات بالصياح الغير مُبرَر والندب على أتفه الأسباب، وهذا ضِرب من ضروب الصور السائدة التي تُشوِّه صورة النسوية، وتحصرها في امرأة إما مُنحلَة فِكريًا وأخلاقيًا تضرب بثوابت الدين وتعترض على أحكام الله، أو أنها امرأة تافهة تترك أهم الموضوعات كالفقر، والحروب، و المجاعات، وتتصدر لتوافه الأمور.

حسنًا، دعني أُقِّر في البداية أن كل إنسان على وجه الأرض له أخطاء، ثمة امرأة صالحة وآخرى فاسدة، ثمة رجل عادل وآخر ظالم، رأيت بعيني رجال طيبين، ورأيت نساء أسوأ من الرجال، ما أرغب في أن أقوله هو أن كون المرأة نسوية لا يعني بالضرورة أنها ضد الرجل، ليس المقصود هو كراهية الرجل وكل فعل يصدر من الرجل أو احتقاره والتقليل من شأنه، بالعكس أنا شخصيًا أُؤمن أن الرجل مهدور حقه في صور آخرى نمطية فرضها المجتمع عليه، على سبيل المثال؛ الرجل لا يبكي، البكاء علامة ضعف، وكما أن المرأة تخشى من فكرة مثالية الجسد، وتُعاني من عدم الثقة بشأن جسدها، اكتشفت أيضًا أن الرجل لديه نفس المخاوف بل وبشكل أكبر، ربما يثير الضحك، كوميديا سوداء، ومن أكبر البراهين عليها انتشار المُنشِّطات الجنسية حتى تكتمل فحولته. 

الرجل كالمرأة له حقوق وعليه واجبات، النسويات لا يحتقرن الرجل ولا يُطالبن بانتهاك حقوقه أو التقليل منه، بل أن سعي النسوية لتصحيح مفاهيم المجتمع الخاطئة عن المرأة؛ ربما ينتج عنه خلق صورة أكثر نُضجًا ووعيًا من المرأة فتكتمل علاقتها بالرجل وتكون المشاركة بينهم في أفضل صورها. 

والآن دعني أُقدِّم لك أسبابًا كافية لتجعلني أكون نسوية، الرجل لا يخضع لأحكام رأسمالية مُجحِفة كالمرأة، ولقد عملت بنفسي في شركات يسودها سياسة ضعف أجر المرأة مقابل أجر الرجل اعتمادًا على فكرة أن الرجل لديه أسرة وبيت، عائل ومسؤل، يعول ويُربي، وماذا عن المرأة؟ أليست هي أيضًا عائلًا؟ ماذا عن الأرامل والمُطلَّقات؟ بل إنني أعرف متزوجات يتحملن العبء الأكبر من نفقات البيت، ولماذا نغفل أن المرأة عليها نفقات ربما أكثر من الرجل؟ ماذا عن الفُوَط الشهرية؟ ماذا عن منتجات التجميل التي يضغط عليها الرجل لتستخدمها حتى لا تصير أقل إثارة من الفنانة (س) أو الراقصة (ص)، حتى تعِّف المرأة زوجها!

وعلى جانبٍ آخر؛ كيف تطلب مني أن أكون موضوعية وأنادي بحقوق الرجل والمرأة على حدٍ سواء وأنت كمجتمع لا تتعامل معي بنفس الموضوعية؟! هل باتت المرتبات تتحدد طبقًا لجنس العامل؟ وماذا عن المؤهلات الدراسية والخبرات العملية والمهارات؟ أية معايير تحكم هذا المجتمع؟ 

هل تقف الأسرة حائلًا بين الرجل ومستقبله؟ هل تحكم على الابن الرجل أن يدرس أي مجال طالما في نطاق بلدته على أن يغفل ميوله؟ هل تُقيِّد الأسرة طموح الرجل وترفض سفره خارج نطاقه الجغرافي سواء لاستكمال دراسة أو عمل لمُجرد الخوف عليه أن يحتك بعالم خارجي؟ 

هل يعاني الرجل من أحكام على شخصه لمُجرد انتقائه ملابس ما قرر أن يرتديها؟ هل يُمارس المجتمع ضغوطه على الرجل ليُعلِّمه كيف يكون رجلًا مثلما يُوجِّه جهوده لتعليم المرأة كيف تكون أنثى؟ فالمرأة يجب أن تملك جسدًا صحيًا مثاليًا، وعقلًا مُفكِّرًا، وأسنانًا متناسقة، وملابس جذابة، يجب أن تتعلم كيف تكون طاهية ماهرة، وأم حنون هادئة، وزوجة مطيعة، تُذاكر للأولاد، وتذهب للتمرين، و تتزين للزوج، وتمارس الرياضة، وتقوم بمهام المنزل، أما عن فيديوهات الإتيكيت والأنوثة فحدِّث ولا حرج، ولست ضد هذا لكنني ضد المغالاة في مثل هذا المحتوى الذي يُمارس ضغوطه على المرأة ليضعها في قوالب ثابتة، أليست بشر تُخطيء وتُصيب؟

وأخيرًا، هل يخشى الرجال النزول من المنزل باكرًا أو التسكُّع في وقت متأخر من الليل؟ هل يخاف أن يظهر له رجلًا يستغل وجوده وحيدًا في شارع هاديء فيداعب أعضاؤه التناسلية؟ وآسفة لو أن السؤال قد خدش حياءَك، ولكن هل فكرت في خدش حيائي حينما أتعرَّض لنفس الموقف؟ هل توجَّست خِيفة مرة عزيزي الرجل من تحرُّش صاحب العمل بك؟ هل يُربِكك كلام الناس عنك لمجرد أنك مُطلَّق صغير السن قررت أن تخرج للعمل؟

هل هذه أسباب كافية لأُقرِّر أن أكون نسوية؟ لن أترك الإجابة لك، لأن الأسباب كافية لي بالفعل، لكن دعني أكتب إليك في خِتام المقال كلمات سيد حجاب:

لما دعا الداعي زمان للسفور

ما دعاش لتعرية صدور أو فجور

لكن دعا للعلم والعقل نور

والحق والحرية غير الإعوجاج

إذا أعجبتك هذه المقالة، أشترك في المجلة لتصلك مقالاتنا في بريدك الالكتروني **

أضف تعليق