في تحرير الثقافة| د. ليلى الغلبان

١٢ مايو ٢٠٢٣
د. ليلى الغلبان


عزيزي القارئ.. مالذي يجول بخاطرك عند ذكر أو مناقشة قضية حقوق المرأة وتمكينها ومناهضة التمييز ضدها؟ البعض قد يتحسس مسدسه ويتملكه ضيق سافر وأرتيكاريا من مجرد طرح هذا الموضوع، بينما يسخر البعض الآخر من الموضوع ولسان حاله يقول “دماغنا وجعنا عايزين إيه كمان؟!” وفي هذا السياق نود أن نزيل الحساسية التقليدية، وليدرك الجميع أنه وبرغم مكتسبات المرأة عالميا ومحليا إلا أنه لازال أمام المجتمعات في العالم، وليس في مصر وحدها، طريق طويل حتى يبرأ من أمراض اجتماعية ثقافية تجعل حياة المجتمعات إجمالا عسيرة، وحتى ينعتق من إسار التمييز الظاهر والباطن الذي يمارسه بوعي أو بدون وعي ضد نفسه، وضد المرأة.

وقد لا يكون الرجل سببا في هذا التمييز؛ فالرجل والمرأة أسيران لجملة من النظم والقيم والأعراف والمعارف المجتمعية المتوارثة.. ماكينة ذات تروس اجتماعية قوية لا يستطيع أحد الفكاك منها، الكل يرضخ لها شاء أم أبى.

وليسمح لي القارئ الكريم، وأرجو ألا يكون قد انصرف عن متابعة القراءة تحت تأثير الخطاب المتوارث المناهض للمرأة، ليسمح لي أن أتناول الهوة الكبيرة وغير المبررة على مستوى العالم بين الرجل والمرأة في مجالين مهمين وهما المجال الأكاديمي والمجال السياسي.

ففي المجال الأكاديمي والبحثي والتعليمي، ليس خفيا على أحد تلك الفجوة بين الجنسين في تولي المناصب القيادية، حيث يفوق عدد الأكاديميين الذكور في المناصب العليا عدد نظرائهم الإناث بشكل ملحوظ على الرغم من الارتفاع الكبير في عدد الإناث ممن يلتحقن بالجامعات. ولو تجولت عزيزي القارئ في أي من جامعات مصر والعالم فسوف يسترعي نظرك لأول وهلة فيضان كاسح في عدد الطالبات في كافة الكليات، وستبحث عن الطلاب بحثا حثيثا حتى تجدهم وسط هذا البحر المتلاطم. . وحتى عندما يكون لدى المرأة نفس المؤهلات والخبرة وأحيانًا أفضل، فإن الأولوية في تقلد المناصب تكون عادة للرجال. و يتم التعامل مع هذه القضية بدرجات متفاوتة من الانفتاح والشفافية حول العالم.

هذا التمييز ضد المرأة في الأوساط الأكاديمية يأخذ أشكالاً مختلفة، معظمها خفي. فرسمياً الجميع متساوون في الحقوق والواجبات، أما في الواقع، تُسلب المرأة من حقوقها في الفرص المتساوية في عملية التوظيف والاختيار للمناصب العليا.

وعزت دراسة ميدانية أجراها فريق بحثي في جامعة كارديف بويلز في بريطانيا هذا التمييز إلى عدة أسباب منها أن الرجال عادة يسفهون ويشككون في قدرة زميلاتهم ويعمدون إلى خلق أجواء غير مريحة وخطاب عدائي ضدهن مفاده أنهن لا يصلحن بالقدر الكافي لتقلد مناصب قيادية في المجال الأكاديمي. ولعلكم تذكرون الواقعة الشهيرة وبطلتها عالمة الفيزياء البريطانية جوسيلين بيل بيرنل والتي حجبت عنها جائزة نوبل في الفيزياء عام 1974 لتذهب الجائزة إلى مشرفها في ذلك الوقت. علينا أن نعترف أن المجتمعات مازالت لا تثق كثيرا في إنجازات المرأة العلمية ولا تأخذها على محمل الجد، علينا أن نعترف بسطوة الصورة الذهنية النمطية بأن الرجل وحده هو الجدير بالثقة وأنه ليس من الشائع وجود فيلسوفات أو عالمات أو منظرات.

إن الثقافة السائدة تكبل المرأة وتجعلها أول من يعزف عن الطموح في التقدم الوظيفي ويحبسها داخل أطر تقليدية لطبيعة الأدوار التي يمكن أن تضطلع بها. و من المهم كسر تلك الحواجز وإطلاق العنان لإمكانيات العديد من القيادات النسائية الموهوبة في الأوساط الأكاديمية. إن ذلك من شأنه أن يتيح تنوعا لأساليب القيادة ويخلق بيئة أكاديمية أكثر شمولاً وشفافية، ويفتح بابًا للأمل للأكاديميات في أن يطمحن إلى فرص أفضل للقيادة في الأوساط الأكاديمية والجامعية.

وفي مجال السياسة والتشريع مازالت المرأة تعاني من تدني نسب التمثيل أيضا. وأذكر القارئ الكريم بأنه عندما حصلت المرأة في عدد من الولايات الأمريكية على أغلبية في المجالس النيابية تمكنت من سن قوانين للحد من التمييز في الأجور بين الجنسين، إضافة إلى العديد من التشريعات التي تجرم العنف الأسري والتحرش، وتمكنت من تمرير مشروع قانون الإجازة مدفوعة الأجر والتفاوض مباشرة مع مجتمع الأعمال وحثهم على خلق بيئة عمل وتبني قوانين تراعي الظروف الأسرية والاجتماعية للأشخاص.

وتقول الدراسات إن المرأة تتمير بمهارات قيادية فعالة، فهي تقوم بدراسة كافة جوانب القضية التي تتصدى لها وتحرص على التعاون الوثيق مع الجميع من أجل الحصول على أفضل النتائج، كما تحرص على الاستفادة من الآراء المختلفة لضمان كفاءة العمل والشفافية والمساءلة، وتتفوق على الذكور في أخذ زمام المبادرة وخلق بيئة عمل أفضل.

يحضرني في هذا المقام قصة سيدتين ورد ذكرهما في القرآن الكريم وهما ملكة سبأ وامرأة فرعون. الأولى كانت تستشير من حولها وتزن الأمور بحكمة واستطاعت أن تجنب قومها المذلة، وأثبتت مقدرة دبلوماسية نادرة. والثانية كانت وهي على رأس الدولة تنظر بعين العطف على الأطفال وتحث على الحلم والرحمة خلاف ما كان عليه زوجها.. وقد يسوق البعض نماذج أخرى مغايرة .. ولا يمكن أن ندعو إلى إقصاء الرجل عن عرش القيادة. ولكننا ندعو إلى اعتدال الميزان كي تدلو المرأة بدلوها ويستفاد منها بشكل أكبر ..

إن العالم سيكون أكثر تراحما وأمنا وأقل فسادا إذا ما أتيح للمرأة القيام بالمزيد من الأدوار القيادية في حياتنا. وننوه إلى أن العديد من البلاد الأفريقية قد سبقتنا كثيرا وشهدت قفزات غير مسبوقة في إسناد قيادة العديد من المواقع إلى المرأة .. عدد السيدات في التشكيل الوزاري هو نفس عدد الرجال في اثيوبيا ورواندا، وربما أقل من ذلك قليلا في بلاد أخرى عديدة في القارة السمراء ..

ولابد في هذا المقام أن نقدم التحية لهؤلاء الرجال الرائعين بيننا ممن يدافعون عن تمكين المرأة من المناصب القيادية الكبرى في المجتمع وتبنيهم لهذه القضية هو تبني لحق المجتمع في الاستفادة من طاقات وملكات جميع أبنائه بلا قيود. فلتتح المجتمعات الفرصة لمزيد من الأدوار القيادية للمرأة .. وتحرر نفسها من سجن الأطر التقليدية .. وحينئذ سيربح الجميع

نقلًا عن جريدة الأخبار

أضف تعليق