الفنانة لبني عبد العزيز ومشوارها الفني في حوار مع سيدات مصر

٢٩ أغسطس ٢٠٢٣
أليكس كينياس، دينا المهدي، رضوى حسني

وُلدت لبنى عبد العزيز فى القاهرة عام 1935، تلقت تعليمها في مدرسة سانت ماري للبنات، ثم أكملت دراستها بعد ذلك في الجامعة الأمريكية بالقاهرة. كما حصلت على منحة فولبرايت الأمريكية لدراسة الماجستير في علوم الدراما بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس.

جاءت بدايتها الفنية الأولى في الإذاعة عندما كان عمرها لا يتجاوز العاشرة حيث اشتركت في برنامج «ركن الأطفال» الذي كان يذاع على موجات البرنامج الأوروبي.

وأثناء دراستها للماجستير بالولايات المتحدة الأمريكية، راسلت لبنى جريدة الأهرام بعدد من المقالات التي كانت تكتبها بالإنجليزية ويترجمها والدها للعربية حيث كان يعمل بنفس الجريدة. وبعد نيلها درجة الماجستير، عادت لبنى إلى القاهرة مرة أخرى لتعمل كمحررة بجريدة الأهرام.

وفي احدى زياراتها لاستوديو نحاس عام 1957 لتعد تحقيق صحفي حول المقارنة بين ستوديوهات السينما الأمريكية والمصرية، التقت بالمنتج رمسيس نجيب والمخرج صلاح أبو سيف اللذان عرضا عليها العمل بالسينما.

كان عشق لبنى للثقافة والفنون سببًا في اشتراكها في فريق التمثيل أثناء دراستها الجامعية، حيث قدمت عروضًا مسرحية على مسرح الجامعة مما لفت أنظار النقاد المسرحيين إلى موهبتها التمثيلية. وتقول لبنى عن تلك المرحلة: «أعشق التمثيل وتجسيد الأدوار بالفطرة ولم أكن أتوقع وقت انضمامي لفريق الجامعة أن ألفت نظر هؤلاء العظماء».

وكان أول أفلامها هو الوسادة الخالية مع الفنان عبد الحليم حافظ، لتُثري السينما المصرية بعد ذلك بخمسة عشر فيلمًا

كما أثرت الإذاعة المصرية بتقديم عدة برامج منها: برنامج العمة لولو الذي استمرت في تقديمه طوال مدة دراستها بالجامعة الأمريكية، ولم تنقطع عن تقديمه إلا أثناء فترة دراستها بالولايات المتحدة الأمريكية، وتقول لبنى عن نفسها: أنا أقدم وأكبر شخص في الإذاعة سنًا لا يزال يقدم نفس البرنامج، حيث لا يزال البرنامج مستمرًا حتى اليوم. وحاورت في برامجها المتنوعة عددًا من الشخصيات الهامة من مختلف المجالات.

وكان لنا هذا الحوار مع الفنانة لبني عبد العزيز.

نظراً لكونك بدأت العمل في إذاعة البرنامج الأوروبي في العاشرة من عمرك، كيف استطعت الموازنة بين العمل والدراسة والهويات المختلفة؟

في البداية كان الأمر صعباً للالتحاق بالإذاعة؛ لأن السن المطلوب كان 16 عاماً، لذا قمت بأخذ عِدة دروس في المجال حتى أصبح لائقة وبالفعل حدث ذلك، كنت أعمل في الإذاعة أثناء دراستي بالجامعة، نظراً للتقارب الجغرافي بينهما وعدم معارضة الطرفين. وكنت أتنقل كثيراً بينهما بين الحين والآخر، بل كنت أرتب أحاديث وحفلات في الجامعة حتى استفيد منها في عملي، لذا لم تتأثر دراستي، جدير بالذكر أنني قمت بالمشاركة في  عِدة برامج مثل: أضواء المدينة، بورتريه الأسبوع، بالإضافة إلى البرامج الأخرى المختلفة.

مَن قام بتشجيعك على تلك الخطوة؟

يُمكنني القول أن والدي هو البطل في تلك القصة، ليس لأنه شجعني ولكن لمنحه لي الحرية الكاملة في تخطيط مستقبلي بالشكل الذي أريد، لأن في تلك الفترة أغلب العائلات كنت متزمتة، لكنه كان متساهلًا، كنت أتأخر في العمل والجامعة ولا يتذمر بل يناقشني بهدوء ويتفهم موقفي، يُمكن القول أن الحظ كان بجانبي لأنه منحني إياه.

حصلت على جائزة من الجامعة الأمريكية أثناء دراستك، هل من الممكن أن تحدثينا قليلاً عنها؟

لم تكن جائزة بالمعنى المتعارف عليها، لكنها كانت أشبه بتكريم كان يُسمى (Miss AUC)، كان يتم اختيار الفتاة المثالية في الجامعة بناءً على تفوقها في الدراسة وأيضاً الأنشطة الخارجية، لذا تم اختياري بناء على ترشيح من الطلبة في ذلك العام.

حصلت على منحة للدراسة في أمريكا، وكنتِ واحدة من ضمن 7 طلاب نجحوا في القبول بتلك المنحة من أصل 1000 طالب، واستمريتِ لمدة عامين، هل من الممكن أن تحدثينا قليلاً عنها؟

تجربة فتحت أبواب الحرية والاستقلالية بداخلي هكذا يُمكن وصفها. سافرت رفقة الطلبة المقبولين والذين كانوا بالمناسبة أكبر مني سنًا ومقامًا، أحدهما كان لواء والآخر حاصل على دكتوراه، بينما كنت أنا ابنة الـ 18 عامًا، رشحتني السفارة والجامعة للمنحة المجانية، رغم أن في تلك الفترة المنح كنت تُقدم في مجالات مثل: الهندسة والزراعة، بينما لم يكن هناك وجود لمجال الدراما، لكنني قُبلت واستمريت لمدة عامين وعشت تجربة ساحرة فيها انفتح ذهني وعقلي.

بناء على تجربتك حدثينا عن رأيك في تجربة سفر البنات للخارج للدراسة إذ أُتيحت لهن الفرصة، وما هي نصائحك لهن؟

كلمة واحدة: أشجعهن أن يخضن تلك التجربة خاصةً في سنوات التكوين، لأنهن لن يعودوا مثلما كانوا بعدها، مداركهن وعقولهن ستتسع، تفكيرهن سيتغير، نظرتهن تجاه كل شيء لن تصبح كما هي، سيشاهدن عوالم جديدة، ويتعرفن على أشخاص آخرين مختلفين، يُمكن القول أنها تجربة لا مثيل لها وستغيرهن مثلما غيرتني.

مدام لُبنى أنتِ متعددة المواهب، تجيدين الكتابة الإبداعية، ومازلت حتى اليوم تكتبين عمودًا بالأهرام الأسبوعي بجانب العمل الإذاعي والتمثيل المسرحي، أي مجال تفضلين أكثر؟

الإذاعة تُعتبر بيتي لأنها كنت وجهة العمل الأولى لي في سن صغيرة، أما أكثر مجال أميل له هو المسرح حيث عملت بأكثر من مسرح، وكل مخرج كان يُشكلني بتصور مختلف لأنني لم أكن محدودة بل كنت أمتلك مهارات عِدة ساعدتني كثيرًا.

حدثينا قليلاً عن برنامج  Aunty Lolo‏ في الإذاعة الأوروبية؟

في وقت ما برنامج Aunty Lolo‏ كان برنامجاً أساسياً في الإذاعة الأوروبية، لكن الإذاعة فقدت بريقها بسبب ظهور عِدة إذاعات جديدة وقلة الجاليات الأجنبية بمصر، البرنامج يُمكن القول أنه شبابي حواري، نقدم به معلومات جديدة عامة وتاريخية في كل حلقة في شكل حواري، لأن الطفولة تغيرت الآن عن قديماً، لذلك محتواي أصبح مختلفاً.

حدثينا قليلاً عن علاقتك بإحسان عبد القدوس، وفيلم أنا حرة؟

إحسان كان جارًا لي، وصديقًا لعائلتي وشجعني على خطوة التمثيل. وكان يأتي رفقة بعض الشخصيات المهمة إلى الجامعة الأمريكية ليشاهد المسرحيات التي كُنت أشارك بها بطبيعة الحال وشجعني على تلك الخطوة على الرغم من أن التمثيل لم يكن خطوة مقبولة حينها، أما عن الفيلم فكانت تجربة مميزة فإحسان يملُك شجاعة أدبية وكان دائمًا ما يسير عكس التيار، وأنا كذلك لذا عملنا سويًا في هذا العمل الفني الذي حقق نجاحًا كبيرًا وصنع ضجة جبارة، إذ أذكر أن صديقًا أردنيًّا أخبرني أن والده كان يمنع شقيقاته من مشاهدة الفيلم لأن الحرية والمساواة كانتا من المسكوت عنهما قديمًا.

ماذا يعني لكِ مفهوم الحرية؟ وكيف تغير المفهوم حالياً عن قديماً؟

الحرية بالنسبة لي هي أن أعتمد على نفسي، وأفعل ما أريد كما هو الحال بالنسبة للرجال، وأن أمتلك الاستقلال الذهني والعقلي. فالرقابة والحدود تنبع من نفسي وعقلي وشرقيتي وبيئتي وليس من المجتمع، أشعر أن حريتي تزداد مع مرور الوقت ومثلما تعلمت قمت بنقل الفكرة إلى بناتي، وأتمنى أن تُمنح النساء حرية أكبر في مجتمعنا خاصة المطلقة والأرملة، فلماذا نحتاج لرجل ليوجههنا بينما يُمكننا أن نفعل ذلك بأنفسنا؟

دخلتِ عالم السينما في سن صغيرة، كيف وجدت الأمر، وهل تلقيت تشجيعًا أم رفضًا من الآخرين؟

منذ اليوم الأول، وتحديدًا وأنا في طريقي لاستوديو نحاس للمرة الأولى لتصوير مشهدي الأول بفيلم الوسادة الخالية، شعرت برهبة وقلق كبيرين من فكرة الدخول إلى عالم السينما حيث لم يسبق لي التعرف على أحد من صناع السينما غير الشركة المنتجة للفيلم. فجميع أصدقائي كانوا يعملون بالصحافة والإذاعة لا الفن؛  لكني تعرفت من قبل على عبد الحليم حافظ عندما التقينا سويًّا لأول مرة بصحبة صديقتي الإذاعية تماضر توفيق وزوجها، ومن هنا نشأت بيننا علاقة صداقة؛ ورغم ذلك كنت لا أعلم الكثير عن مدى شهرته الغنائية والسينمائية خصوصًا وأنني لم أكن متابعة للسينما العربية. ونظرًا لشعوري بالوحدة والاغتراب في هذا العالم الجديد علي؛ ترجم البعض تصرفاتي بالتعالي والتكبر؛ لكنه لم يكن سوى خجلًا وجهلًا مني بالمجتمع السينمائي، لأنني كنت أنتمي لمجتمعات أخرى كعملي وعائلتي وزملائي وصديقاتي، ومن ناحية أخرى كنت أشعر بتجنب بعض الفنانين للتعامل معي لدرجة أن احدى الفنانات سخرت مني أثناء أداء مشهدي الأول في الوسادة الخالية.

هل زواجك من رمسيس  نجيب منحك الحماية أم أخذ من استقلاليتك؟

 زواجي من رمسيس نجيب كان أساسه الحب والرعاية والتفاني والتضحية. فالحب هو الدافع الأول لزواجي منه. كما أحبني هو لدرجة كبيرة، وكلًا منا استفاد من الآخر. فنظرًا لخبرته الكبيرة في عالم السينما أعتبره أستاذي الذي أخذ بيدي وعلمني الكثير حيث كنت أجهل طبيعة هذه الصناعة، كما أنني فتحت له عالمًا جديدًا ملئ بالأفكار الأدبية المتنوعة والعالمية التي أثرت عالمه المحدود الذي كان مقتصرًا على السيناريوهات المعتادة، وهو ما حدث مع فيلم رسالة من إمرأة مجهولة لصلاح أبو سيف، وفيلم وإسلاماه الذي أنتج بمقاييس عالمية، فساهم في كتابة السيناريو روبرت أندروز الحائز على جائزة الأوسكار وكذلك الأمر بالنسبة للمخرج أندرو مارتن. أما الملابس فصممها شادي عبد السلام، والتي صنعت خصيصًا لنا في إيطاليا. 

كذلك شجعت رمسيس نجيب على الإخراج، فقام بتحويل المسلسل الإذاعي بهية، وهو من كتابة والدي، إلى فيلم سينمائي، كما أبدع في إخراج فيلم غرام الأسياد ليوسف السباعي.   

حدثينا عن الفترة الطويلة التي هاجرت فيها إلى أمريكا للعيش مع زوجك د. إسماعيل برادة، فكيف تصفين ابتعادك عن السينما حينها، وهل كان هناك تعارض بين انتمائك للأسرة وبين حبك للفن؟

لقد ضحيت بحبي للسينما من أجل أسرتي، وأعتبر أن السينما بالنسبة لي هواية، وليست مهنة أحترفها، فلم أكن أسعى للشهرة بقدر سعيي للاستمتاع بالتمثيل فقط، وحتى الآن أقدم نفسي للناس باعتباري ممثلة، وحبي للتمثيل مصدره أنني كنت أتوارى خلف كل شخصية أقدمها، فأشعر بالصدق عند التعبير عنها متغلبة على شعوري الحقيقي بالخجل. كما أن أفلامي المصرية لم تتجاوز الخمسة عشر فيلمًا من بينها أفلامًا لم أتقاضى عنها أي أجر.

 وتضحيتي بالسينما كانت بمثابة وعد قطعته على نفسي عندما تعهدت إلى زوجي بمشاركة حياتنا الجديدة معا لذا اعتذرت عن الاشتراك في ثلاثة أفلام مصرية، وسافرت معه إلى أمريكا. وهناك شاركت في بعض الأعمال إلى أن توقفت تمامًا عند إنجابي لبناتي حيث كانت تلك الفترة صعبة جدًا، فحينها تحولت من شخص مدلل إلى شخص يقع على عاتقه الكثير من المسؤوليات العائلية والاجتماعية وغيرها. ودائمًا كنت أشعر بأن الأمومة هي  رسالتي في الحياة. وكوني لا أمارس مهنة التمثيل لا ينفي كوني فنانة.

ما هي النصيحة التي تقدمينها لبناتك، أو لأي شابة مصرية عند الاختيار بين الزواج ومشوارها المهني؟

جميعهن لديهن مطلق الحرية في اختيار حياتهن، فابنتي أتقنت التمثيل في صغرها لدرجة التميز، ومع ذلك لم ترغب في احتراف المهنة وقررت أن تكون أسرة. فليس بالضرورة لأن الانسان موهوب في أمر ما أن تخرج موهبته إلى النور.

ما النصيحة التي تقدمينها للمرأة عند اختيار شريك حياتها لاسيما وإن وصلت لمكانة عالية من العلم والثقافة؟

أقول لها أن تحب؛ لأن من رأيي الحب هو أقوى عاطفة في العالم وأساس نجاح أي علاقة. فالحب سيطر على حياتي؛ ورغم الخلاف الدائم بين قلبي وعقلى إلا أن قلبي دائما ما ينتصر.

هل تتمنين أن تغيري شيئًا في مشوارك الفني؟

الندم ليس في قاموسي، فما هو إلا تضييع للوقت والقوة، كما أنه يجلب الشعور بالحزن والتعاسة ويضعف من قوة الإنسان. فأنا ورغم سني الكبير أشعر مع كل صباح بأنني أولد من جديد، وأن الحياة لا زالت أمامي.

ما الحلم الذي ترغبين في تحقيقه؟

في بعض الأحيان أشعر أن هناك بعض الأدوار تمنيت لو قمت بها لكن لم تسنح لي الفرصة، أما اليوم فأحلامي كلها من أجل بناتي خصوصًا بعد وفاة زوجي والعيش بمفردي، فدائمًا ما أدعو لهما في صلاتي.

هل لديك استعدادًا للعودة إلى الفن من جديد؟

بالفعل يُعرض علي العديد من الأدوار لكنني قد أعود للتمثيل في حالة واحدة، وهي عندما يُعرض علي دورًا لا يمكن لأحد غيري أن يقدمه، دورٌ يصنع فارقًا وأنهي به مسيرتي الفنية. فأنا لا أسعى وراء العمل من أجل المال؛ لكن أسعى دائمًا إلى انتقاء أعمالي.  

أضف تعليق